تشهد سينما هوليوود ظاهرة جديدة مثيرة للجدل، تتمثل في إنتاج أجزاء ثانية لأفلام شهيرة بعد مرور عقود طويلة على إنتاج الجزء الأول. من فيلم “Pretty Woman” الذي ظهر عام 1990 إلى “The Devil Wears Prada” من عام 2006، تسعى استوديوهات هوليوود لاستغلال قوة الحنين والذكريات لجذب الجماهير في عصر تهيمن فيه الأجزاء المتتالية على شباك التذاكر.
هيمنة الأجزاء المتتالية على السوق السينمائي
كشفت إحصائيات شباك التذاكر الأمريكي أن جميع الأفلام العشرة الأعلى إيراداً في عام 2024 كانت أجزاء متتالية، وفقاً لما أوردته مجلة “فارايتي”. تمتد هذه الهيمنة من فيلم “Inside Out 2” الذي حقق 295 مليون دولار في عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية وحدها، إلى أفلام مثل “Beetlejuice Beetlejuice” و”Moana 2″. أفادت شركة “Bloomberg” أن 80% من أعلى الأفلام إيراداً منذ عام 2020 كانت أجزاء متتالية أو إعادة إنتاج أو أفلام مقتبسة.
تُظهر البيانات من موقع “The Numbers” المتخصص في إحصائيات الأفلام أن الأجزاء المتتالية الناجحة يمكن أن تحقق أرباحاً تصل إلى مليارات الدولارات. على سبيل المثال، حقق فيلم “Incredibles 2” إيرادات بلغت 1.24 مليار دولار، أي ضعف ما حققه الجزء الأول الذي بلغت إيراداته 631 مليون دولار.
استراتيجية الاستوديوهات وراء الأجزاء المتأخرة
وفقاً لدراسات أكاديمية نشرتها جامعة “West Texas A&M”، فإن الجمهور المبني مسبقاً للأجزاء المتتالية يُقدر بحوالي 7 مليون دولار في الإيرادات المحلية. تُشير الأبحاث المنشورة في مجلة “LSE Business Review” إلى أن الاستوديوهات تخطط للأجزاء المتتالية حتى قبل إنتاج الأفلام الأصلية، مما يبرر الإنفاق الأعلى على التسويق والإنتاج.
يوضح خبراء الصناعة أن الأجزاء المتتالية تُقدم مخاطر أقل للاستوديوهات لأن الجمهور يكون مألوفاً بالشخصيات والسياق العام. كما أكدت مجلة “Number Analytics” أن الأجزاء المتتالية تستفيد من انخفاض تكاليف التوزيع مقارنة بالإنتاجات الأصلية.
حالة “Pretty Woman 2”: بين الحقيقة والشائعات
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في أوائل عام 2025 ملصقاً لفيلم مزعوم بعنوان “Pretty Woman 2: A Second Chance”، مما أثار حماس المعجبين. لكن موقع “Vocal Media” كشف أن الملصق مُزيف ومُصنع بتقنية الذكاء الاصطناعي، وأن شركات “Netflix” و”Universal Pictures” لم تُعلنا عن أي خطط رسمية للإنتاج.
تحدثت جوليا روبرتس في مقابلة مع برنامج “CBS Mornings” عام 2023 مازحة بأن شخصية إدوارد ربما توفي وأصبحت فيفيان تُدير أعماله. من جانبه، أكد ريتشارد جير في مقابلة مع مجلة “People” عام 2025 أنه سيفكر في الجزء الثاني فقط إذا كان النص ممتازاً.
“The Devil Wears Prada 2”: الإنتاج الرسمي المؤكد
على عكس “Pretty Woman”، أكدت شركة “20th Century Studios” رسمياً في يوليو 2024 إنتاج الجزء الثاني من “The Devil Wears Prada”. يُحدد موعد العرض في الأول من مايو 2026، وستعود ميريل ستريب وآن هاثاواي وإيميلي بلنت وستانلي توتشي لأدوارهم الأصلية.
تشير تقارير “Variety” إلى أن القصة ستتمحور حول ميراندا بريستلي وهي تواجه تحديات تراجع الصحافة المطبوعة التقليدية، بينما تصطدم مع شخصية إيميلي (إيميلي بلنت) التي أصبحت الآن مديرة تنفيذية رفيعة المستوى في مجموعة رفاهية. بدأ التصوير في نيويورك في نهاية يونيو 2025، وفقاً لما أوردته صحيفة “Yahoo Entertainment”.
التسويق بالحنين: استراتيجية مربحة
يُفسر خبراء التسويق نجاح هذه الاستراتيجية بما يُسمى “التسويق بالحنين”، والذي يستغل المشاعر الإيجابية المرتبطة بالماضي. أوضحت شركة “C-I Studios” أن الحنين يُثير مشاعر قوية ويعزز الولاء للعلامة التجارية. دراسة نُشرت في “Journal of Consumer Research” أظهرت أن المشاعر الحنينية تجعل المستهلكين أكثر استعداداً لإنفاق الأموال على السلع والخدمات.
تُشير شركة “HubSpot” إلى أن التسويق بالحنين يُعيد الناس إلى زمن أبسط ويُقدم الراحة المألوفة التي تأتي من التجربة المشتركة. هذا ما استغلته أفلام حديثة مثل “Top Gun: Maverick” الذي صدر بعد 36 عاماً من الجزء الأول، و”Blade Runner 2049″ الذي ظهر بعد 35 عاماً.
التحديات والمخاطر
رغم النجاحات، تواجه الأجزاء المتأخرة تحديات كبيرة. أشار موقع “CBR” إلى أن فيلم “Joker: Folie à Deux” حقق فقط 37.6 مليون دولار في عطلة الافتتاح مقارنة بـ96.2 مليون دولار للجزء الأول. يُحذر خبراء الصناعة من “إجهاد الامتياز التجاري” عندما يفقد الجمهور الاهتمام بالأجزاء المتكررة.
أكدت مجلة “Fast Company” أن عام 2025 سيشهد 34 جزءاً متتالياً مقارنة بـ26 في عام 2024، مما يثير تساؤلات حول التشبع في السوق. يُشير تقرير “Quasa” إلى أن 70% من أكثر الأفلام طلباً سنوياً تعتمد على ملكية فكرية موجودة، مما يخلق تصوراً بأن الأفكار الأصلية نادرة.
مستقبل الظاهرة
تُظهر الاتجاهات الحالية أن موجة الأجزاء المتأخرة ستستمر، خاصة مع نجاح أفلام مثل “Avatar: The Way of Water” بعد 13 عاماً من الجزء الأول. تُخطط استوديوهات هوليوود لمزيد من الأجزاء المتأخرة، بما في ذلك “28 Years Later” و”Freaky Friday 2″.
يُؤكد محللو الصناعة أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على التوازن بين استغلال الحنين وتقديم محتوى جديد ومبتكر. كما أشارت دراسة جامعة “VSE” حول فعالية التسويق بالحنين، فإن الاعتماد فقط على الحنين قد يكون ضاراً، ويجب إيجاد توازن بين المألوف والجديد.
تُمثل هذه الظاهرة تحولاً جذرياً في استراتيجية هوليوود، حيث تُصبح الذكريات والحنين أدوات تسويقية قوية في عالم يزداد تعقيداً وسرعة، مما يجعل الجمهور يبحث عن الأمان في المألوف والمحبوب من الماضي.