دبي، في مقابلة حصرية مع “لنا نيوز روم”، كشف السيد برناف، المدير التجاري لمجموعة فنادق إنتركونتيننتال في دبي فستيفال سيتي، عن التطورات الجذرية التي تشهدها صناعة الضيافة الفاخرة في دبي، مؤكداً أن المدينة تقود ثورة حقيقية في إعادة تعريف مفهوم الفخامة ليتجاوز حدود الطعام التقليدي إلى تجربة متكاملة تلبي تطلعات ضيوف من مختلف أنحاء العالم.
وأوضح برناف، الذي يشرف على إدارة 16 مطعماً متنوعاً في مجمع فندقي واحد، أن صناعة الضيافة في دبي شهدت تحولاً جذرياً في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد الفخامة مقتصرة على جودة الطعام أو فخامة المكان، بل أصبحت تجربة شاملة تبدأ من لحظة وصول الضيف وتستمر حتى لحظة مغادرته، مع التركيز على خلق ذكريات تدوم لأجيال.
التنوع كأساس جديد للفخامة
في حديثه عن الاستراتيجية الجديدة لقطاع الضيافة، أكد برناف أن “التنوع” أصبح المحور الأساسي في تقديم تجربة فاخرة حقيقية، مشيراً إلى أن الضيوف اليوم يأتون من خلفيات ثقافية متنوعة ولديهم توقعات مختلفة تماماً عما كان سائداً في الماضي. وقال: “نحن لا نقدم مجرد وجبة، بل نقدم رحلة ثقافية تأخذ الضيف في جولة حول العالم دون أن يغادر الفندق”.
ويضم المجمع الفندقي الذي يديره برناف مطاعم متخصصة تقدم تجارب متنوعة، من بينها مطعم “أنيس” الذي يتميز بمطابخه المفتوحة الستة التي تتيح للضيوف مشاهدة عملية إعداد الطعام مباشرة، ومطعم “بييرز” الذي يوفر إطلالات خلابة تضيف بُعداً جمالياً للتجربة الغذائية. هذا التنوع ليس مجرد خيارات متعددة، بل استراتيجية مدروسة لضمان أن كل ضيف يجد ما يناسب ذوقه وثقافته.
وأضاف برناف أن التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع اليوم هو “الابتكار المستمر لتجاوز توقعات الضيوف المتزايدة”، مؤكداً أن الضيوف أصبحوا أكثر خبرة ووعياً، ولديهم توقعات عالية جداً نتيجة تعرضهم لتجارب متنوعة حول العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والسفر.
الشيف كمهندس التجربة الفاخرة
في سياق الحديث عن التطورات الجديدة في القطاع، سلط برناف الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه الشيف في تصميم التجربة الفاخرة، مؤكداً أن الشيف لم يعد مجرد طاهٍ ماهر، بل أصبح “مهندس تجربة” يجمع بين الإبداع الفني والفهم العميق لثقافات الضيوف المختلفة. وأوضح أن الشيفات في مطاعم المجموعة يعملون كفريق متكامل لضمان تقديم تجارب متنوعة تلبي أذواق الضيوف من مختلف الجنسيات.
وأشار إلى أن عملية الابتكار في المطابخ لا تتوقف عند حدود الطعم والجودة، بل تمتد لتشمل طريقة التقديم والعرض، خاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبح الطعام “قابلاً للمشاركة بصرياً” أو ما يُعرف بـ”Instagram-friendly”. هذا التطور دفع الشيفات إلى التفكير في كل تفصيلة من ألوان الطبق وطريقة تنسيقه إلى الإضاءة المحيطة والأواني المستخدمة.
ولفت برناف إلى أن هذا التطور لا يعني التضحية بالجودة لصالح المظهر، بل العكس تماماً، حيث أصبح التحدي هو تحقيق التوازن المثالي بين الطعم الاستثنائي والعرض المبهر، مما يخلق تجربة متكاملة تُرضي جميع الحواس وتترك انطباعاً دائماً لدى الضيف.
دبي تلغي مفهوم “الموسم المنخفض”
من أبرز التطورات التي تحدث عنها برناف هو التغيير الجذري في مفهوم “الموسم المنخفض” في دبي، مؤكداً أن هذا المفهوم التقليدي في صناعة السياحة قد تلاشى تدريجياً في الإمارة بفضل الاستراتيجيات المبتكرة والمبادرات السياحية المتنوعة التي تجذب شرائح مختلفة من الزوار على مدار العام.
وأوضح أن مبادرات مثل “مهرجان دبي الصيفي” نجحت في جذب شرائح جديدة من السياح خلال فترات كانت تُعتبر سابقاً “منخفضة الإقبال”، مما أدى إلى استمرارية الطلب على الخدمات الفندقية والمطاعم طوال العام. هذا التطور أجبر القطاع على إعادة النظر في استراتيجياته التشغيلية والتسويقية، حيث لم تعد هناك فترات “راحة” يمكن الاعتماد عليها لإجراء الصيانة أو تطوير الخدمات.
وأشار برناف إلى أن هذا التغيير، رغم التحديات التي يفرضها، إلا أنه يوفر فرصاً استثنائية للنمو والتطوير المستمر، حيث يضمن تدفقاً مستمراً للإيرادات ويتيح للفرق العاملة اكتساب خبرات متراكمة دون انقطاع. كما أنه يساهم في ترسيخ مكانة دبي كوجهة سياحية عالمية تنافس أكبر المدن السياحية في العالم.
ثورة رقمية في التسويق والتواصل مع الضيوف
تطرق برناف إلى التحول الجذري في استراتيجيات التسويق والتواصل مع الضيوف، مؤكداً أن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت ثورة حقيقية في طريقة عمل قطاع الضيافة. وأوضح أن “القصص الحية والمحتوى الرقمي حلت محل الإعلانات المطبوعة التقليدية”، مما غيّر بشكل جذري طريقة تفاعل الفنادق والمطاعم مع جمهورها.
وأشار إلى أن التكنولوجيا لا تُستخدم فقط في التسويق، بل أصبحت أداة أساسية لفهم تفضيلات الضيوف وتخصيص التجربة لكل فرد على حدة. فمن خلال تحليل البيانات المجمعة من مختلف المنصات الرقمية، يمكن للفنادق فهم أنماط سلوك الضيوف وتفضيلاتهم الغذائية وحتى أوقات تناولهم للطعام المفضلة.
وأكد برناف أن “مستقبل الفخامة يكمن في تخصيص التجربة لكل ضيف بناءً على بيانات تفضيلاته”، مشيراً إلى أن الفنادق الحديثة تستثمر بكثافة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لضمان تقديم تجربة مخصصة تماماً لكل ضيف. هذا التخصيص يمتد من اختيار نوع الموسيقى في المطعم إلى تفضيلات الطعام والمشروبات، وحتى درجة الإضاءة المفضلة.
ولفت إلى أن هذا التطور التكنولوجي لا يهدف إلى استبدال اللمسة الإنسانية، بل إلى تعزيزها وجعلها أكثر دقة وفعالية، حيث يمكن للموظفين التركيز على تقديم خدمة شخصية استثنائية بدلاً من قضاء الوقت في محاولة فهم تفضيلات الضيف.
خلق ذكريات تدوم لأجيال
في ختام حديثه، ركز برناف على الهدف الأسمى لصناعة الضيافة الحديثة، وهو “خلق لحظات لا تُنسى للضيوف من لحظة وصولهم حتى مغادرتهم”، مؤكداً أن النجاح الحقيقي لأي مؤسسة ضيافة يُقاس بقدرتها على ترك انطباع دائم يدفع الضيف للعودة مرة أخرى وتكوين ذكريات تدوم لأجيال.
وأوضح أن هذا المفهوم يتطلب تنسيقاً مثالياً بين جميع عناصر التجربة، بدءاً من استقبال الضيف عند الوصول، مروراً بكل تفاعل يحدث خلال إقامته، وانتهاءً بطريقة الوداع عند المغادرة. كل هذه اللحظات يجب أن تكون مدروسة بعناية لضمان تحقيق التأثير المطلوب.
وأشار إلى أن “التجربة الفاخرة الحقيقية هي التي تدفع العميل للعودة وتكوين ذكريات تدوم لأجيال”، مؤكداً أن الاستثمار في خلق هذه التجارب ليس مجرد استراتيجية تسويقية، بل فلسفة عمل شاملة تتطلب التزاماً من جميع أفراد الفريق على كافة المستويات.
ولفت برناف إلى أن قياس نجاح هذه الاستراتيجية لا يتم فقط من خلال معدلات العودة أو الإيرادات، بل أيضاً من خلال التفاعل الإيجابي على وسائل التواصل الاجتماعي والتوصيات الشخصية التي يقدمها الضيوف لأصدقائهم وعائلاتهم، مما يخلق دورة إيجابية من النمو المستدام.
نظرة على المستقبل
تُظهر رؤية برناف والاستراتيجيات المبتكرة التي يطبقها في مجموعة فنادق إنتركونتيننتال دبي فستيفال سيتي أن صناعة الضيافة في دبي تتجه نحو مستقبل مشرق يقوم على الابتكار المستمر والتكيف مع التطورات التكنولوجية واحتياجات الضيوف المتغيرة.
هذا التطور لا يقتصر على فندق واحد أو مجموعة واحدة، بل يعكس توجهاً عاماً في دبي نحو ترسيخ مكانتها كعاصمة عالمية للضيافة الفاخرة والابتكار في هذا القطاع. الاستثمارات الضخمة في التكنولوجيا والتدريب والتطوير المستمر للكوادر البشرية تضع دبي في موقع فريد لتكون رائدة عالمياً في إعادة تعريف مفهوم الفخامة في القرن الحادي والعشرين