يشهد العالم الرقمي اليوم تصاعداً في حضور الذكاء الاصطناعي التوليدي والوكيل، ما أثار تخوّف فئات من المثقفين والفنانين والناشطين التكنولوجيين من فَقدان “الأصالة الإنسانية”.
وفي مواجهة هذا التمدّد، برزت خمس استراتيجيات رئيسية يسعى من خلالها البشر لاستعادة زمام المبادرة وضمان بقاء المساحات التي تحتضن الإبداع البشري بعيداً عن سيطرة الآلات، وفقاً لأكسيوس.
أولاً: تباطؤ وتيرة تطوير الذكاء الاصطناعي
تعتمد الصناعة التقنية اليوم غالباً على سباق السوق والعوائد المالية لتسريع أبحاث الذكاء الاصطناعي، بعد أن أطلقت نماذج مثل ChatGPT ثورة في أواخر 2022.
إلّا أن داعمي الأخلاقيات التقنية وجماعات الدفاع عن السلامة الرقمية تمسكوا بمبادرة “وقف مؤقت” لأشهر معدودة لتقييم المخاطر الوجودية والإنسانية، مطالبين بسنّ تنظيمات حكومية أو إبطاء السوق حتى يتهيأ المجال للقلق البشري والضوابط الاجتماعية.
ثانياً: استعادة الوعي الرقمي البشري
لجوء البعض إلى تبنّي “المتصفح البطيء” كاستجابة لفيض المعلومات الآلية، حيث يفضّلون قراءة مقالات طويلة أو كتب ورقية، والالتزام بفترات راحة منتظمة بعيدة عن الشاشات.
وتستقي هذه الفكرة إلهامها من كتابات الكاتبة جيني أوديل التي دعت إلى “حفظ الوقت” والابتعاد عن فخ الإدمان الرقمي من أجل تمكين التواصل البشري الحقيقي والثقافة العميقة.
ثالثاً: تعزيز الإنتاج الإنساني الأصيل
تحاول منصات إعلامية وإبداعية محدودة النطاق استرضاء جمهور الباحثين عن المحتوى “الحقيقي”؛ من خلال دعم المنصات التي يفرِض فيها المبدعون صوتهم الشخصي.
وبرزت بذلك النشرات البريدية المدعومة من الجمهور والبودكاستات المستقلة كبديل عن المقالات الآلية.
كما أكدت منصّة “ريديت” هويتها كـ”الإنترنت البشري” في مواجهة الفيض الآلي، بينما يواصل “ويكيبيديا” لجوءَه إلى آليات التدقيق البشري للحفاظ على الحياد وجودة المحتوى.
رابعاً: تطوير المواقف “الحادة” ضد الإجماع الآلي
ابتدع طلاب ومدارس متخصصة في مدن مثل أوستن الأمريكية مفهوم “النقطة الحادة “وهو ما يعني امتلاك آراء ووجهات نظر فريدة وغير اعتيادية لا تستطيع نماذج الذكاء الاصطناعي توقعها أو محاكاتها بدقة.
وقد اعتبر بعضهم هذا المسار علامة على الإبداع والتميّز البشري، رغم المخاطر المحتملة لانحراف هذه المواقف نحو التطرف أو الفوضى.
خامساً: الحفاظ على المساحات غير المتصلة بالإنترنت
يلجأ بعض الكتّاب والمبدعين إلى إصدار مطبوعات تقليدية ونشر الأفكار في دوائر ضيقة بعيداً عن الفضاء الرقمي، ليحيلوا إنتاجهم إلى “همسات بين البشر”.
ومن أبرز دعاة هذا التوجّه المؤلف روبن سلون الذي أصدر أخيراً مجلة ورقية حملت عنوان “الدليل السري” لحماية الإبداع من الاستنساخ الآلي.
وشدّد على قيمتيّ “المثابرة” و”المرح” كأصالتين لا يستطيع الذكاء الاصطناعي مجاراتهما في التعبير والروح البشرية.
وتؤكد هذه المبادرات أن المواجهة مع الذكاء الاصطناعي ليست حرباً تقنية محضة، بل مسعى للحفاظ على ما يميز الإنسان من خيال وعمق ثقافي وعلاقات حقيقية. وفي غمرة تسارع الابتكار الآلي، تبقى الأصوات الإنسانية التي تتحلى بالخلق والابتكار المتفرد ركيزة لا غنى عنها للحفاظ على توازن الفضاء الرقمي والمجتمع على حد سواء.