قررت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة إحالة دعوى قضائية مهمة تطالب بوقف استخدام الحيوانات في عروض السيرك داخل جمهورية مصر العربية إلى دائرة المفوضين بمجلس الدولة لإعداد التقرير القانوني اللازم، تمهيداً للفصل فيها.
أقام المحامي نادي عمر، وكيلاً عن لبنى محمد رشاد رئيس مجلس أمناء مؤسسة حماية الحيوان بأبو صير البدرشين، دعوى عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري حملت رقم 67597 لسنة 79 قضائية شق عاجل. طالبت الدعوى بوقف استخدام الحيوانات في عروض السيرك والاعتماد بدلاً من ذلك على المهارات البشرية والابتكار الفني، بما يتفق مع ما نص عليه الدستور المصري والشريعة الإسلامية.
اتهامات بالامتناع السلبي عن حماية الحيوانات
واختصمت الدعوى رئيس مجلس الوزراء ووزراء الثقافة والعمل والصحة والزراعة بصفتهم، متهمة الجهات الرسمية بالامتناع السلبي عن اتخاذ خطوات جادة لحماية الحيوانات من التعذيب والانتهاك الجسيم داخل ساحات السيرك. وأكدت الدعوى أن هذا الامتناع يشكل مخالفة صريحة للدستور والقانون.
طالبت الدعوى في شقها العاجل بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن إصدار قرارات تحظر استخدام الحيوانات في السيرك، وإلزام وزارة الثقافة بتبني نماذج مبتكرة تعتمد على الأداء الإنساني والبهجة الفنية دون إقحام الحيوان في بيئة لا تناسب طبيعته البيولوجية ولا تحترم حقوقه.
الأساس الدستوري والشرعي للدعوى
استندت الدعوى إلى عدة مواد دستورية، أبرزها المادة 45 التي تنص على حماية حقوق الحيوان، والمادة الثانية التي تؤكد أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والتي بدورها تحض على الرحمة والرفق بالحيوان. كما استشهدت بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة تحض على الإحسان إلى الحيوان والنهي عن تعذيبه.
وفي الشق الموضوعي، طالبت الدعوى بالحكم بإلغاء القرار السلبي ذاته، وإلزام الجهات المعنية بالاستجابة للضوابط التي فرضها الدستور، مؤكدة أن استمرار هذه الممارسات يتنافى مع المبادئ الدستورية والدينية.
أساليب التعذيب المستخدمة في السيرك
كشفت الدعوى عن أساليب قاسية تُستخدم لإجبار الحيوانات، خاصة المفترسة منها كالأسود والنمور، على أداء الحركات داخل السيرك، من بينها الضرب المبرح والتجويع والكي بالنار. وأكدت أن هذه الممارسات تجبر الحيوانات على أداء حركات لا تتفق مع طبيعتها البيولوجية، مما يسبب لها معاناة جسدية ونفسية مستمرة.
واستشهدت الدعوى بحادثة شهيرة وقعت في السيرك بطنطا، عندما هاجم نمر أحد المدربين أثناء عرض مباشر، مما أدى إلى فقدان ذراعه بالكامل. وأشارت إلى أن هذه الممارسات لا تؤذي الحيوانات فقط، بل تعرض الجمهور والعاملين في السيرك للخطر المباشر.
قوانين موجودة لكن غير مُفعّلة
أوضحت الدعوى أن قانون رقم 29 لسنة 2023 بشأن تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة، واللائحة التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الوزراء رقم 1731 لسنة 2025، نصّا بوضوح على ضرورة حماية الحيوان ومنع تعرضه للإيذاء. إلا أن تلك القوانين لم تجد طريقها للتنفيذ الجاد داخل السيرك المصري، مما يتطلب التدخل القضائي لإنفاذها.
وأكدت الدعوى أن هذا التقصير في التطبيق يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون والدستور، ويستوجب الإلغاء العاجل حفاظاً على القيم الأخلاقية والبيئية.
التوجه العالمي نحو حظر الحيوانات في السيرك
أشارت الدعوى إلى أن الاتجاه العالمي يتجه بشكل متزايد نحو حظر أو تقييد استخدام الحيوانات في عروض السيرك، نظراً لأن هذه العروض تُقام في بيئات لا تلائم الطبيعة الفطرية للحيوانات. وأوضحت أن العديد من الدول المتقدمة بدأت في تطبيق هذا الحظر، إدراكاً منها للمعاناة البدنية والنفسية التي تتعرض لها الحيوانات.
طالبت الدعوى بأن تحذو مصر حذو هذه الدول من خلال تبني عروض بديلة قائمة على الابتكار التقني والمؤثرات البصرية والمهارات البشرية، لتقديم محتوى ترفيهي يُسعد الجمهور دون الإضرار بالكائنات الحية.
البدائل المقترحة لعروض السيرك
دعت الدعوى إلى تطوير السيرك المصري ليعتمد على التكنولوجيا الحديثة والخدع البصرية والمواهب البشرية والإبداع الفني، بما يحقق الترفيه للجمهور مع احترام حقوق الحيوانات. وأكدت أن هذا التطوير سيضع مصر في مصاف الدول المتقدمة التي تحترم حقوق الكائنات الحية وتطبق معايير الرفق بالحيوان.
وشددت على أن الوقت قد حان لوضع حد لهذه الممارسات التي تتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية، والتي تشكل اعتداءً صارخاً على الكائنات الحية التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها.
الخطوات القادمة في المسار القضائي
بإحالة الدعوى إلى دائرة المفوضين بمجلس الدولة، ستخضع القضية لدراسة قانونية مستفيضة لتحديد مدى التزام الدولة بحماية حقوق الحيوانات وفقاً للدستور والقوانين النافذة. وسيقوم المفوضون بإعداد تقرير شامل يتضمن الرأي القانوني في القضية، تمهيداً لإصدار الحكم النهائي من المحكمة.
تمثل هذه الدعوى خطوة مهمة في مسيرة حماية حقوق الحيوانات في مصر، وقد تُسهم في تحقيق نقلة نوعية في صناعة الترفيه المصرية نحو احترام جميع الكائنات الحية والالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية التي تحث على الرفق والرحمة.