شهدت الساحة الإعلامية العالمية فضيحة مدوية بعد تورّط عدة صحف ومجلات كبرى في نشر مقالات وهمية أنتجها الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي كشف عن ثغرات تحريرية وقضى على مصداقية مؤسسات عريقة اعتبرت لسنوات مرجعية للرأي العام العالمي.
تفاصيل الفضيحة الصحفية
انطلقت الفضيحة بعد أن أُجبرت مجلة “بيزنس إنسايدر”، المملوكة لمؤسسة “أكسيل سبرنغر”، على حذف مقالات اكتُشِف أنها كُتبت بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتضمّنت معلومات وتفاصيل مختلقة عن بلدات وشركات وأشخاص تزُعم وجودهم دون أي سند واقعي. لم تتوقف الفضيحة عند “بيزنس إنسايدر”، بل امتدت لتشمل مجلة “وايرد” التقنية الشهيرة ومنظمة “إندكس أون سينسورشيب” المعنية بحرية التعبير، حيث اضطروا جميعاً إلى حذف محتوى مخادع وقصص وهمية ضمن تحقيقات قادتها صحيفة “ذا ديسباتش” البريطانية.
قصص وأكاذيب ملفّقة
من أبرز ما كُشف أن كاتباً باسم “ماراغو بلانشارد” استخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج نصوص عن بلدات تعدين وأزواج يتزوجون عبر منصات الألعاب مثل “ماينكرافت” و”روبلوكس”، ليقع المحررون في فخ التصديق دون تحقق مسبق من صحة الوقائع والأسماء المذكورة. بعض المقالات زعمت ولادة أطفال في أعمار استثنائية وتجارب حياتية لا سند لها، ما دفع المجلات إلى حذفها علناً واستبدالها برسائل اعتذار للجمهور.
صدى إعلامي وتحذيرات صحفية
اعترفت مجلة “وايرد” في مقال رسمي أنها وقعت ضحية احتيال رقمي، وقالت: “إذا كان هناك من يفترض أنه قادر على كشف خداع الذكاء الاصطناعي فهو نحن… لكن للأسف، تمكّن أحدهم من التضليل”. يأتي هذا الحدث في وقت تسعى فيه المؤسسات الإعلامية لتقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية عبر تبني أدوات الذكاء الاصطناعي، وسط إحصاءات تشير بأن نصف الصحافيين حول العالم باتوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي يومياً لإنتاج المحتوى الصحفي.
أزمة ثقة وتداعيات مستقبلية
تنذر هذه الفضيحة بتحول خطير في مسار الصحافة العالمية، مع تصاعد مطالب متخصصين بضرورة التشدد في تدقيق المصادر والبيانات قبل النشر، وعدم التعويل على النص الآلي دون فحص بشري دقيق. في ظل غياب الضوابط والتدقيق التحريري، يواجه الرأي العام خطر انتشار المعلومات المزيفة والتضليل، ما يهدّد مصداقية الصحافة وجودة المعلومات وإمكانات النقد الموضوعي في عصر يتغيّر فيه شكل إنتاج الأخبار بسرعة.
تكرار مثل هذه الوقائع سيعيد تعريف العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والصحافة، حيث باتت الحاجة ملحة لتطوير آليات تحقق وتنظيم قانوني وشرف مهني جديد يضمن أصالة الخبر ويحمي القارئ من التضليل والتلفيق، حتى تبقى الصحافة أداة معرفة لا مصنعاً للشائعات.