المطبخ العراقي في بغداد
بغداد، قلب العراق، تحمل تقاليد طهي عريقة لا تقل قدمًا عن الحضارة نفسها. عند التجوال في شوارعها الصاخبة، تعبق روائح اللحوم المشوية، والتوابل العطرة، والخبز الطازج في الهواء، كأنها لوحة غير مرئية تروي قصة مطبخ تشكّل على مدى آلاف السنين.
يمتزج المطبخ العراقي بتأثيرات من بلاد ما بين النهرين القديمة، والفارسية، والدولة العثمانية، ليولد أطباقًا دسمة، معطرة، ومشبعة جدًا.
بالنسبة للزوار الراجعين إلى بغداد لأول مرة، فإن تجربة الطعام المحلي تمثّل مدخلًا شهيًا لفهم الثقافة العراقية. اسمح لي أن أرافقك في جولة تشمل بعض الأطباق الأساسية التي ستجعل رحلتك تجربة لذيذة لا تُنسى.
المسگوف: فخر بغداد
المطبخ العراقي في بغداد يقدم هذا الطبق كنموذج للطعم الأصيل.
لا يُجسّد أي طبق الهوية العراقية مثل المسگوف، الطبق الوطني المحبوب. يعود أصله إلى أزمنة سومرية، وقد ورد ذكره في نصوص قديمة مثل التلمود البابلي.
يُحضّر عادة من سمك الشبوط الطازج من نهر دجلة، يُفتح ويتم شويه ببطء حول نار مفتوحة. يُتبل بمزيج لاذع من التمر الهندي، والكركم، وصلصة الطماطم، مما يمنحه نكهة مدخّنة حلوة مميزة. كما أن الزيوت تتساقط عند الشوي، فيظل لحم السمك طريًا وخفيفًا.
للحصول على تجربة مسگوف أصيلة، توجه إلى سوق السمك القريب من السوق الصيّاد حمام في بغداد، حيث يمكنك مشاهدة عملية التحضير كاملة، أو إلى المطاعم العائمة على نهر دجلة، مثل مطعم الجادرية العائم، لتستمتع بأشهى المسگوف مع إطلالة رائعة على المياه.
الدولمة: محشوة بالتقاليد
المطبخ العراقي في بغداد يعكس تنوع الأذواق عبر هذا الطبق.
تُعد الدولمة العراقية لافتة وسط نظيراتها في الشرق الأوسط، وذلك بفضل نكهتها المميزة. هذا الطبق الشهي يستخدم خضروات متنوعة—ورق عنب، وفلفل حلو، وكوسا، وبصل، وباذنجان—محشوة بخليط من الأرز واللحم المفروم والأعشاب والتوابل.
ما يميزها حقًا هو استخدام دبس الرمان الذي يمنحها طعمًا لطيفًا منعشًا. تُطهى الخضروات المحشوة بلطف في صلصة طماطم حتى تذوب النكهات معًا.
في مطعم دربونة بحي الكرادة الداخلي، ستجد دوالمة لذيذة يشهد عليها السكان المحليون، تقدم دافئة ضمن مجموعة أطباق، بتمزج بين المالح والحامض والعطري.
الكباب العراقي: توازن النكهات
المطبخ العراقي في بغداد يبرز نكهات مميزة من خلال هذا الكباب.
يتفرد الكباب العراقي بمذاقه المميز وبسحر التحضير الخاص به. يُصنع من خليط من اللحم البقري والضأن المفروم، مع الأعشاب الطازجة مثل النعناع والبقدونس والكزبرة، والتوابل العطرية بما فيها الكمون والسماق والفلفل الحلو.
يُعجن اللحم مع دقيق وعصير ليمون حتى تتشكل عجينة متماسكة، ثم تُشكل على هيئات أصابع وتشوى على الفحم، مما يعطيها قشرة خارجية مقرمشة وداخلًا عصاريًا.
على شارع أبو نواس، وخاصة بمطعم “جريب ليفز”، يمكنك تذوّق كباب عراقي تقليدي يُقدّم مع خبز مسطح طازج، وطماطم مشوية، وبصل متبل بالسماق الحامض.
التشريب: دفء بوعاء
المطبخ العراقي في بغداد يرتبط بأجواء الراحة عبر التشريب.
يشتهر التشريب (أي “المغمس” باللغة العربية) كأكلة عراقية مريحة للغاية. يتألف الطبق من قطع خبز تغمر في مرق غني مع لحم يُطهى ببطء—عادة لحم غنم أو دجاج—مع الحمص والخضروات.
يُنكّه المرق بالثوم والليمون الأسود (نوّمي البصرة) والطماطم، ليمنح الطبق نكهة عميقة تجذب الحواس. يمتص الخبز السائل، فيصبح ناعمًا ولزيزًا، مثالي لتناوله بالملعقة.
يُفضّل تناوله على الإفطار، خاصة في فصل الشتاء، في مطاعم الكرادة حيث يرتاده السكان المحليون صباحًا لتدفئة أجسادهم وروحهم.
الكبّة: زغب ينبوع البهجة
المطبخ العراقي في بغداد يتجلى في أشكال الكبّة المختلفة.
تعد الكبّة واحدة من أكثر المأكولات المتنوعة في العراق. تختلف بأشكالها، لكن كبّة حلب (أو كبة حلب) هي الأشهر في بغداد.
تُصنع هذه الحبات من عجينة أرز ولحم منقوعة، تُحشى بخليط معطر من اللحم والبصل والبقدونس، تُشكل كبيضة ثم تُقلى حتى تكتسب لونًا ذهبيًا مقرمشًا.
هناك أشكال أخرى مثل كبّة الموصل (مسطحة) والكبّة الصفراء التي تتحصل على لونها من الكركم. تكون غالبًا مقبلات أو تُؤكل جنبًا مع شوربة عدس حمراء.
في مطعم بارليّ في الكرادة، ستجد كبّة ممتازة تُظهر تناقض القشرة الخارجية المقرمشة والحشوة الغنية.
الكليچة: بسكويت محبب للعراق
المطبخ العراقي في بغداد يحتفي بالحلوى من خلال الكليچة.
لا يكتمل استكشاف المطبخ العراقي من دون تذوّق الكليجة، البسكويت الوطني المُحبّب في المناسبات. تُعطر العجينة بالهيل ومطوية بحشوة من عجينة التمر المنكهة بكلٍّ من الهيل أيضًا.
تُخبز حتى تُصبح ذهبية، فتتفجر بمذاق زبداني فتّاح ورقائق تذوب في الفم، مصنع نكهتها الكراميلية الفريدة. تُعتبَر مثالية بجانب شاي عراقي ساخن.
وخلال أعیاد مثل العيد، تنتشر الكليجة في كلّ المناسبات والمناطق، مثلما يتم صنعها في مطعم أصیل بمنطقة المنصور، حيث تُقدّم في ختام الوجبة التقليدية.
القیمة: دفء وعبق
المطبخ العراقي في بغداد يقدم القیمة كرمز للتقاليد الشتوية.
القیمة هي طبق غني من اللحم المفروم المطبوخ مع البقول كالعدس أو الحمص، والمُتبل بمزيج من الكمون والكزبرة والكركم والهيل.
يُطهى لفترة طويلة حتى ينضج اللحم وتتكثف البقول، فيصبح القوام غنيًا ودسماً، ويُقدّم فوق الأرز البسمتي الطري، حيث تمتص الحبات المذاق العطري.
في مطعم سيكريتس أوف آدم في مركز بغداد، ستجد قیمة مُحضّرة بالطريقة التقليدية، تحترم تراثها العريق.
المطبخ العراقي في بغداد
خلال تجوّلك بين أطباق بغداد، تذكّر أن المطبخ العراقي هو وليمة للمشاركة. تُقدّم غالبية الأطباق بشكل جماعي، ما يشجّع على الحوار وتبادل الذكريات أمام مائدةٍ غنية بنكهات متنوعة ومتناسقة. فلتجمع رفقة، وليكن لديك شهية كبيرة، ولتستعد لوجبة تشبع الحواس وتربطك بواحدة من أقدم تقاليد الطهي في العالم.