لا تعكس شاشات التداول في سوق دبي المالي مجرد أرقام خضراء وحمراء، بل ترسم خارطة محدّثة للقوة الاقتصادية في الإمارة، وتكشف عن معالم مرحلة جديدة تتشكل ملامحها بوضوح مع حلول أغسطس 2025. ففيما يواصل عمالقة القطاعين المصرفي والعقاري هيمنتهم التقليدية، تبرز قوة صاعدة تتمثل في الشركات الحكومية وشبه الحكومية التي دخلت السوق عبر موجة من الاكتتابات العامة الأولية، لتضخ سيولة غير مسبوقة وتُعيد تشكيل توازنات القوى بشكل جذري.
إن نظرة تحليلية على قائمة أكبر 30 شركة مدرجة من حيث القيمة السوقية، والتي بلغت مجتمعة حوالي 271 مليار دولار أمريكي (ما يعادل 995 مليار درهم)، لا تظهر فقط “من” يقود الاقتصاد، بل “كيف” يتم توجيهه استراتيجياً.
صراع العمالقة على القمة
على قمة الهرم، يشتعل صراع ثلاثي على الصدارة، حيث تفصل بين المراكز الثلاثة الأولى هوامش ضئيلة نسبياً، مما يعكس الطبيعة التنافسية للاقتصاد المحلي. تتربع هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) على العرش بقيمة سوقية تناهز 36.3 مليار دولار، في تأكيد واضح على نجاح استراتيجية دبي لخصخصة أصولها الاستراتيجية الكبرى وجذب رؤوس الأموال إلى قطاع البنية التحتية والخدمات الحيوية.
ويلاحقها مباشرة بنك الإمارات دبي الوطني بقيمة 35.7 مليار دولار، محافظاً على مكانته كأكبر كيان مصرفي في دبي وأحد أهم اللاعبين الماليين في المنطقة، مما يعكس قوة القطاع المصرفي الإماراتي ومرونته. وعلى مقربة منهما، تقف إعمار العقارية، الأيقونة العقارية التي شكّلت أفق دبي، بقيمة 32.6 مليار دولار، لتكتمل أضلاع مثلث القوة الذي يهيمن على السوق. والمثير للاهتمام أن هذه الشركات الثلاث وحدها تشكل ما يقرب من 38% من إجمالي القيمة السوقية لسوق دبي، مما يشير إلى درجة عالية من التركز في القمة.
السياق الإقليمي وديناميكيات جديدة
بالمقارنة مع الأسواق الخليجية الأخرى، مثل “تداول” السعودي الذي تهيمن عليه أرامكو وقطاع البتروكيماويات، يُظهر سوق دبي المالي هوية اقتصادية مختلفة، ترتكز بشكل أكبر على قطاعات الخدمات المالية، العقارات، الخدمات اللوجستية، السياحة، والتكنولوجيا. إن موجة الإدراجات الأخيرة لشركات مثل سالك (10.3 مليار دولار)، باركن (3.6 مليار دولار)، وتاكسي دبي (1.9 مليار دولار)، ليست مجرد عمليات مالية، بل هي تحويل لأصول خدمية مدينية ناجحة إلى أدوات استثمارية متاحة للجمهور العالمي، مما يعمق السوق ويزيد من جاذبيته.
هذا التوجه نحو إدراج نماذج أعمال خدمية فريدة، مثل أنظمة التعرفة المرورية ومواقف السيارات، يميز سوق دبي ويعزز من تنوعه مقارنة بالأسواق المجاورة المعتمدة تقليدياً على الثروات الطبيعية.
فيما يلي القائمة التفصيلية لأكبر 30 شركة مدرجة في سوق دبي المالي حسب قيمتها السوقية كما في 1 أغسطس 2025.
أكبر 30 شركة مدرجة في سوق دبي المالي حسب القيمة السوقية (كما في 1 أغسطس 2025)
الرتبة الرمز اسم الشركة القيمة السوقية (مليار دولار أمريكي)
1 DEWA هيئة كهرباء ومياه دبي 36.3
2 EMIRATESNBD بنك الإمارات دبي الوطني 35.7
3 EMAAR إعمار العقارية 32.6
4 DIB بنك دبي الإسلامي 15.4
5 EMAARDEV إعمار للتطوير 14.2
6 MASQ بنك المشرق 13.0
7 SALIK شركة سالك 10.3
8 DU شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة 9.7
9 TALABAT طلبات القابضة 9.2
10 CBD بنك دبي التجاري 6.2
11 EMPOWER إمباور (مؤسسة الإمارات لأنظمة التبريد المركزي) 4.8
12 TECOM مجموعة تيكوم 4.1
13 AIR ARABIA العربية للطيران 4.0
14 PARKIN شركة باركن 3.6
15 DFM سوق دبي المالي (الشركة) 3.1
16 DIC دبي للاستثمار 2.5
17 TABREED الشركة الوطنية للتبريد المركزي (تبريد) 2.3
18 ALANSARI الأنصاري للخدمات المالية 2.0
19 DTC شركة تاكسي دبي 1.9
20 SPINNEYS سبينيس 1961 القابضة 1.6
21 AJMANBANK مصرف عجمان 1.3
22 GULFNAV الخليج للملاحة القابضة 1.2
23 TAALEEM تعليم القابضة 1.13
24 ARAMEX شركة أرامكس 1.12
25 DEYAAR ديار للتطوير 1.12
26 AMANAT أمانات القابضة 0.725
27 UPP الاتحاد العقارية 0.50
28 SUKOON شركة سكون للتأمين 0.465
29 AMLAK أملاك للتمويل 0.349
30 DI دبي للتأمين 0.348
ماذا تخبرنا هذه الأرقام؟ تركيبة السوق وتوازناته
إن هذه القائمة هي أكثر من مجرد ترتيب للقيمة؛ إنها شهادة على الحمض النووي لاقتصاد دبي وتطلعاته المستقبلية. ويكشف تحليل أعمق للبيانات عن عدة حقائق هيكلية:
• هيمنة مزدوجة: يسيطر قطاعا الخدمات المالية والعقارات بشكل شبه كامل على الثقل الوزني للسوق. فبوجود بنك الإمارات دبي الوطني، بنك دبي الإسلامي، المشرق، وبنك دبي التجاري ضمن العشرة الأوائل، إلى جانب إعمار العقارية وإعمار للتطوير، يتضح أن هذين القطاعين هما المحركان الرئيسيان لتدفقات رأس المال.
• “دبي المساهمة العامة”: تظهر القائمة بوضوح استراتيجية “Dubai Inc.” المتمثلة في تحويل أذرع حكومية حيوية إلى شركات مساهمة عامة. فشركات مثل ديوا، سالك، إمباور، تيكوم، باركن، وتاكسي دبي ليست مجرد شركات، بل هي أجزاء من البنية التحتية والخدمية اليومية للإمارة، وقد أصبحت الآن أدوات استثمارية تساهم في تعميق السوق وتنويع خياراته.
• تنوع في طور التكوين: على الرغم من الهيمنة التقليدية، بدأت قطاعات أخرى في إثبات وجودها. فقطاع الاتصالات والتكنولوجيا ممثل بقوة عبر “دو” (9.7 مليار دولار) و”طلبات” (9.2 مليار دولار)، مما يشي بأهمية الاقتصاد الرقمي. كما أن قطاع الخدمات اللوجستية والنقل حاضر بقوة مع “العربية للطيران” و”أرامكس”، وقطاع التجزئة مع “سبينيس”، مما يضيف طبقات جديدة من التنوع الاقتصادي.
• التركّز مقابل الانتشار: يظهر التفاوت الكبير في القيم السوقية بين الشركات العشر الأولى وبقية القائمة وجود تركز كبير للثروة في قمة السوق. فبينما تتجاوز قيمة 8 شركات حاجز الـ 9 مليارات دولار، نجد أن 15 شركة (نصف القائمة) تقل قيمتها عن 2.5 مليار دولار.
تقدم هذه اللقطة من سوق دبي المالي في أغسطس 2025 صورة لاقتصاد حيوي يمر بمرحلة انتقالية مهمة، يوازن فيها بين الحفاظ على قوة ركائزه التقليدية في المال والعقار، وبين الدفع بقوة نحو تنويع مصادر الإيرادات وتعزيز الشفافية من خلال إدراج أصوله الأكثر قيمة. إنها ليست مجرد أرقام، بل هي قصة اقتصاد يعيد تعريف نفسه على الساحة العالمية.
