تخيّل مستثمراً عقارياً في دبي يبرم صفقة بيع شقته المطلة على برج خليفة أثناء احتسائه قهوته في لندن، وذلك عبر منصة رقمية بالكامل دون أي وسيط عقاري. هذا المشهد لم يعد ضرباً من الخيال أو تقنية بعيدة المنال، بل أصبح واقعاً أطلقته شركة إعمار العقارية عبر منصتها الجديدة “فيوم (VYOM). فقد كشفت إعمار، عملاق التطوير العقاري في دبي، عن منصة رقمية مبتكرة تتيح للعملاء بيع وشراء منازلهم ضمن مشروعات إعمار إلكترونياً وبشكل مباشر. المنصة تعد تحولاً جوهرياً في طريقة إجراء الصفقات العقارية، إذ تختصر الطريق بين البائع والمشتري وتضعهما في تواصل مباشر، مما يثير التساؤل: هل نشهد بداية نهاية دور الوسيط العقاري التقليدي في سوق دبي المزدهر؟
منصة “فيوم VYOM”: مزايا وخدمات رقمية
أطلقت إعمار منصة فيوم كحلّ رقمي شامل لعملية إعادة بيع العقارات التابعة لها، بهدف معالجة أوجه القصور التقليدية في هذا القطاع. توفر المنصة واجهة مستخدم سهلة الاستخدام تتيح للمالكين إنشاء قوائم لعقاراتهم المعروضة للبيع، وتحميل صورها، والتواصل المباشر مع المشترين المحتملين، دون الحاجة إلى أي طرف وسيط. بعبارة أخرى، بات مالك العقار يمتلك تحكماً كاملاً في عملية البيع من الألف إلى الياء: من إدراج الوحدة وتحديد السعر، إلى التفاوض والاتفاق مع المشتري. وتعِد المنصة بتجربة سلسة وآمنة، تركّز على الشفافية والموثوقية؛ إذ تتم جميع الخطوات ضمن نظام إعمار الرقمي الذي يتميز بموثوقية عالية في سوق دبي.
من أبرز الخصائص التي تروج لها إعمار في منصتها الجديدة هو القضاء على فجوة المعلومات التي طالما عانى منها السوق. فعبر “فيوم VYOM”، يحصل المشتري على بيانات آنية حول العقارات والأسعار دون تلاعب أو تضليل، نظراً لأن جميع القوائم موثوقة وموثقة من قبل إعمار. المنصة أيضاً مدعومة بتقنيات حديثة تشمل خوارزميات ذكية للتوصية بالعقارات المناسبة للمستخدمين بناءً على تفضيلاتهم، أي نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يساعد في مطابقة المشتري بالعقار الأمثل. بالإضافة إلى ذلك، توفر المنصة جولات افتراضية ثلاثية الأبعاد لبعض العقارات، مما يمكّن المشتري من معاينة المنزل عن بُعد وكأنه يتجول داخله. كما يتمتع المستخدم بإحصاءات فورية عن الأسعار واتجاهات السوق في المجتمع السكني المعني، مما يساعده في اتخاذ قرار مبني على معلومات دقيقة. وإدراكاً من إعمار لأهمية الدعم البشري جنباً إلى جنب مع التقنية، تتيح “فيوم VYOM” التواصل مع مستشاري عقارات محترفين تابعين لإعمار لتقديم المشورة والمساعدة الشخصية عند الحاجة. هذه المزايا التقنية والخدمية تجعل “فيوم VYOM” أشبه بمنصة عقارية متكاملة تجمع بين دقة البيانات الرقمية والخبرة البشرية، في تجربة واحدة مطوّرة خصيصاً لمشاريع إعمار.
يجدر بالذكر أن المنصة مخصّصة حصرياً لعقارات إعمار؛ فهي سوق عقاري مغلق على محفظة إعمار العقارية التي تشمل أرقى المجمعات السكنية في دبي من وسط المدينة ودبي مارينا إلى المرابع العربية ودبي هيلز. هذا التركيز الحصري يعني أن جميع الوحدات المعروضة للبيع على “فيوم VYOM” هي من تطوير إعمار وبمعاييرها المعروفة، ما يضمن مستوى ثابتاً من الجودة ويبدد مخاوف المشترين بشأن مصداقية القوائم. تعتز إعمار بإرثها الممتد لعقود في بناء مجتمعات عمرانية عالمية المستوى، وتسعى لجعل المنصة امتداداً لهذا الإرث. وبالفعل تؤكد الشركة أن كل العقارات المدرجة تم التحقق منها والموافقة عليها، فلا وجود لإعلانات وهمية أو أسعار مضلِّلة. إلى جانب ذلك، تتبع المنصة هيكل رسوم وعمولات مماثل للسوق التقليدية ولكن بشفافية كاملة – ما يعني أنه لا مفاجآت أو تكاليف خفية على المستخدم. وفي خطوة لتعزيز الجاذبية العالمية للمنصة، أعلنت إعمار أن “فيوم VYOM” متاحة للمستخدمين حول العالم ويمكن الوصول إليها من أي مكان. هذا مهم بشكل خاص بالنظر إلى قاعدة المستثمرين الدوليين الكبيرة لإعمار، إذ بات بإمكانهم الآن إدارة ممتلكاتهم وبيعها عن بُعد بسهولة وأمان.

السياق السوقي والمنافسة: لماذا الآن؟
قرار إعمار إطلاق منصتها الرقمية يأتي في سياق تشهد فيه سوق العقارات بدبي طفرة غير مسبوقة مدفوعة بالتحول الرقمي وتدفق الاستثمارات الأجنبية. فقد حطّم السوق أرقاماً قياسية عام 2024 محققاً حوالي 180,900 صفقة بيع عقارية بقيمة إجمالية 522.1 مليار درهم إماراتي، بزيادة 36% في عدد الصفقات و27% في قيمتها مقارنة بالعام السابق. هذا النمو الهائل لم يكن في المبيعات الأولية (من المطور للمشتري) فحسب، بل شمل أيضاً السوق الثانوية؛ حيث ارتفعت إعادة بيع العقارات القائمة بنسبة 21% لتصل إلى 188.1 مليار درهم في 2024. إن الانتعاش القوي بعد جائحة كوفيد-19، مدعوماً بتيسيرات الإقامة للمستثمرين الأجانب والإصلاحات التشريعية، أدى إلى زيادة الطلب المحلي والدولي على عقارات دبي. ومع هذا الزخم، أصبح واضحاً أن الأساليب التقليدية في عرض وبيع العقارات بحاجة إلى مواكبة العصر لاستيعاب حجم التعاملات وتسارعها.
حتى الآن كانت منصات العقارات الإلكترونية في دبي مثل بيوت وبروبرتي فايندر تهيمن على المشهد الرقمي، حيث تجمع قوائم من مختلف المطورين والوسطاء وتوفر للمستخدم إمكانية البحث والمقارنة. هذه المنصات رسخت مكانتها على مدار سنوات من خلال قاعدة بيانات واسعة وخدمات بحث متقدمة. على سبيل المثال، أصبحت بيوت ودبيزل كياناً واحداً في السوق بعد اندماجهما عام 2020، مما عزز حضور بوابة بيوت بشكل كبير. أما بروبرتي فايندر، التي تأسست عام 2007، فهي اليوم إحدى أكبر المنصات العقارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كلا الموقعين يجذبان ملايين الزوار شهرياً ويضمان عشرات آلاف القوائم العقارية التي يدرجها وسطاء مرخّصون. بيد أن نموذج عمل هذه البوابات يعتمد على اشتراكات الوسطاء العقاريين؛ أي أن الوكلاء هم من يدفعون لقاء إدراج عقاراتهم وتسويقها على الموقع، وبالتالي تبقى العلاقة التقليدية بين البائع والمشتري عبر الوسيط موجودة وإن كان التواصل الأولي يتم إلكترونياً. في المقابل، تأتي منصة إعمار “فيوم VYOM” برؤية مختلفة: فهي منصة مملوكة للمطوّر نفسه ومخصصة فقط لعقاراته. هذا يعني أن إعمار ليست مجرد معلن يجمع أطراف السوق، بل هي طرف مباشر يربط البائع بالمشتري داخل منظومتها الخاصة.
فلماذا تقدم إعمار على هذه الخطوة الآن؟ هناك عدة أسباب استراتيجية تفسّر هذا التوقيت. أولاً، النمو المستمر لسوق دبي العقاري وإقبال المستثمرين الأجانب يتطلبان حلولاً أكثر مرونة وشفافية. الكثير من المستثمرين الجدد هم من جيل الشباب أو التقنيين الذين يفضلون إنجاز تعاملاتهم عبر الإنترنت بدون الإجراءات الورقية المطوّلة أو التنسيق عبر عدة أطراف. إعمار تدرك أنها إذا وفرت لهؤلاء منصة موثوقة ومباشرة، فسوف تجتذب شريحة أوسع من المشترين والبائعين الذين قد يترددون في الدخول للسوق عبر الطرق التقليدية. ثانياً، إطلاق “فيوم VYOM” يأتي كجزء من التحول الرقمي الأشمل في دبي. فدائرة الأراضي والأملاك (DLD) نفسها تبنّت مبادرات رقمية مثل تطبيق “دبي ريست”(Dubai REST) الذي يتيح إتمام بعض المعاملات عن بُعد. البيئة التنظيمية في الإمارة تشجع على الابتكار، وهناك رؤية لتصبح دبي مدينة بلا معاملات ورقية تماماً. في ظل هذا التوجّه الحكومي، تريد إعمار أن تكون في طليعة الشركات التي تستبق المستقبل وتستثمر في التكنولوجيا لتسهيل الأعمال. ثالثاً، ربما رأت إعمار أن دخولها المباشر إلى سوق إعادة البيع سيحمي علامتها التجارية وبياناتها. في الوضع السابق، عند إعادة بيع شقة في مجمع تابع لإعمار، تتم الصفقة بين البائع والمشتري عن طريق وكيل غالباً، ولا يكون لإعمار دور مباشر فيها. أما الآن، فمن خلال “فيوم VYOM”، يمكن للشركة جمع بيانات قيّمة حول أسعار التداول الفعلية ومستويات الطلب في كل مشروع، مما يساعدها في استراتيجية التسعير والتطوير المستقبلية. وبالطبع فإن وجود منصة رسمية سيضمن أن تتم إعادة بيع وحدات إعمار بصورة تضمن الحفاظ على القيمة وربما الحدّ من أي ممارسات تضر بالسعر السوقي (مثل البيع بأقل من القيمة العادلة بسبب نقص المعلومات لدى البائع).
إقليمياً وعالمياً، يتماشى إطلاق “فيوم VYOM” مع اتجاه متزايد نحو رقمنة القطاع العقاري. ففي دولة مجاورة مثل السعودية، تتسابق الهيئات الحكومية والمطورون لتبني منصات إلكترونية للعقارات ضمن خطط التحول الوطني الرقمي. وعلى الصعيد الدولي، ظهر العديد من نماذج الـPropTech (التقنية العقارية) التي تسعى لتغيير أساليب البيع والشراء التقليدية. فمثلاً، في الولايات المتحدة هناك منصة زيلو (Zillow) الشهيرة التي بدأت كمنصة معلومات عقارية ثم جربت دخول ميدان الشراء المباشر (عبر برنامج العروض الفورية) قبل أن تتراجع عنه. وفي بريطانيا، تهيمن بوابة رايت موف (Rightmove) على الإعلانات العقارية، لكنها لا تزال تعتمد على الوسطاء في إتمام الصفقات. الجديد في نموذج إعمار أن المطوّر ذاته هو من يتصدر المشهد الرقمي، بدلاً من ترك الساحة كلياً لطرف ثالث. هذا أشبه ما يكون بشركة سيارات تبيع السيارات الجديدة للعملاء مباشرة ثم توفر لهم سوقاً رسمية لبيع السيارات المستعملة التابعة لنفس العلامة. إنها حلقة متكاملة يريد المطوّر من خلالها مرافقة العميل طوال رحلة امتلاك العقار، من الشراء الأولي إلى إعادة البيع وربما حتى إيجار الوحدة.

تداعيات على صناعة الوساطة العقارية
إعلان منصة “فيوم VYOM” أثار بطبيعة الحال نقاشاً ساخناً بين الوسطاء العقاريين والمحللين في دبي. فالسؤال المحوري: هل يؤدي نجاح هذه المنصات إلى تهميش دور الوسيط العقاري التقليدي؟ من النظرة الأولى، يبدو أن إعمار تهدف إلى فصل المشتري عن الوسيط وربطه مباشرة بالبائع (المالك) عبر قناتها الخاصة، وبالتالي تقليص دور وكالات العقارات التي طالما اعتمدت على إعادة بيع وحدات إعمار لتحقيق عمولات مجزية. المنصة بالفعل تلغي الحاجة للوسيط كحلقة وصل، حيث يستطيع المالك إدارة الإعلان والتواصل مع المشترين وإنهاء الاتفاقات بنفسه. كذلك توفر إعمار دعماً عبر مستشاريها، ما يعني أن البائع والمشتري يمكنهما الحصول على النصيحة من مصدر موثوق ومباشر بدل اللجوء إلى وكيل خارجي. هذه العوامل تهدد نموذج العمل التقليدي للوكيل العقاري الذي يعتمد على حصرية المعلومات عن السوق وعلى شبكة العلاقات لتسهيل الصفقات. فإذا باتت المعلومات متاحة للجميع عبر منصة رسمية شفافة، فقد يفكر كثير من الملاك في الاستغناء عن خدمات الوسيط لتوفير عمولته، خاصة عندما يشعرون أنهم قادرون على إتمام البيع بنفس الكفاءة إلكترونياً.
مع ذلك، فإن الحديث عن “نهاية” الوسطاء قد يكون سابقاً لأوانه وبحاجة لنظرة متأنية. فالمنصة الجديدة، رغم مزاياها، لا تلغي تماماً دور العنصر البشري في العملية. صحيح أن “فيوم VYOM” تستبدل دور الوكيل التقليدي إلى حد كبير، لكنها في الوقت ذاته توظف فريق مبيعات واستشاريين عقاريين تابعين لإعمار للتواصل مع العملاء ومساعدتهم. أي أن الوسيط بشكل ما قد يتحول من وكيل خارجي مستقل يعمل لصالح عمولة، إلى استشاري داخلي لدى المطوّر أو المنصة. ربما ستقوم إعمار بتأهيل بعض الوسطاء للعمل عبر منصتها كممثلين عنها، وبالتالي يستمر الدور الاستشاري ولكن ضمن مظلة مختلفة. كذلك، يظل العديد من البائعين، خصوصاً أولئك الذين ليسوا على دراية تامة بالسوق أو لا يملكون الوقت، يرغبون في وجود طرف خبير يتولى عناء التسويق والتفاوض. قد يجد هؤلاء أن التعامل مع وكيل تقليدي يمنحهم راحة بال ويجنبهم الانخراط المباشر في التفاصيل، حتى لو كانت المنصة متوفرة. ومن زاوية أخرى، سيظل للوكلاء مجالات تخصص قد لا تغطيها منصة إعمار: فمثلاً، عقارات المطورين الآخرين، أو العقارات التجارية والأراضي، أو صفقات البحث عن فرص استثمارية معقدة، كلها مجالات تتطلب خبرة بشرية وشبكات علاقات. لذا، من المستبعد أن يختفي الوسطاء تماماً؛ لكن دورهم سيتغير على الأرجح. ربما سيصبحون أكثر تخصصاً أو يتحولون إلى مستشارين يقدمون قيمة مضافة حقيقية تتجاوز مجرد عرض العقار للمشتري. قد يتركز عمل الوكيل مستقبلاً على تقديم استشارات استثمارية أشمل، أو إدارة محافظ عقارية للمستثمرين، أو التركيز على قطاعات عقارية فاخرة تتطلب لمسة شخصية عالية.
باختصار، دور الوسيط العقاري في طور إعادة التشكيل. منصة “فيوم VYOM” تمثل تحدياً للنموذج القديم، لكنها ربما تفتح في الوقت ذاته فرصاً مهنية جديدة. فمن المتوقع أن يحتاج تشغيل المنصة إلى فرق دعم ومبيعات وخبراء قانونيين وتقنيين لضمان سلاسة كل معاملة. قد يجد بعض الوسطاء الحاليين طريقهم للانضمام إلى هذه الفرق مستفيدين من خبرتهم الميدانية ولكن ضمن إطار رقمي حديث. كما قد يظهر نوع جديد من المتخصصين يسمى “وسيط رقمي” أو منسق صفقات إلكترونية، تكون مهمته مساعدة الأطراف عبر المنصة والتأكد من إكمال الإجراءات (كالتحقق من المستندات وترتيب الدفعات الإلكترونية والتسجيل لدى دائرة الأراضي). وهكذا، فبدلاً من اختفاء الدور تماماً، سنراه يتكيف مع المعطيات الجديدة التي فرضتها التكنولوجيا.

نحو مستقبل عقاري رقمي؟
مع إطلاق “فيوم VYOM”، فتحت إعمار باباً نحو مستقبل مختلف لسوق العقارات في دبي، مستقبل قد تتراجع فيه صفقات المكاتب التقليدية والأوراق المطبوعة لصالح منصات إلكترونية تخاطب جيلاً جديداً من المستثمرين. المنصة حالة دراسية تتجاوز كونها مجرد منتج جديد من شركة تطوير، بل مؤشراً استراتيجياً على توجه أوسع في الصناعة. فالشفافية التي تعد بها “فيوم VYOM”، والسرعة في إنجاز المعاملة، والتواصل المباشر بين البائع والمشتري، كلها تمثل قيم الثورة الرقمية التي تجتاح القطاعات الاقتصادية تباعاً. وإذا كانت التجارة الإلكترونية قد غيرت أسلوبنا في شراء كل شيء من الكتب إلى تذاكر السفر، فلماذا يبقى بيع وشراء العقار بعيداً عن هذا التحول؟ بالطبع، للقطاع العقاري خصوصيته وتعقيداته، لكن دبي تاريخياً لم تخشَ الريادة في تبني التقنيات الجديدة، وها هي إحدى كبريات شركاتها العقارية تأخذ زمام المبادرة.
يبقى أن نراقب عن كثب كيف سيتفاعل السوق. هل سنشهد ارتفاعاً في نسبة الصفقات المنجزة رقمياً خلال العام المقبل؟ وهل ستعلن إعمار أرقاماً تظهر تبني الملاك والمستثمرين لمنصتها؟ النجاح في ذلك سيحفّز بلا شك الآخرين على السير في الاتجاه نفسه. أما إذا واجهت المنصة تعثراً أو تبنياً فاتراً، فقد يدرس اللاعبون الآخرون التجربة بحذر أكبر أو يحاولون نموذجاً هجينا يجمع الرقمي والتقليدي. على المستوى العالمي، الأنظار أيضاً تتجه إلى دبي لترى مدى نضوج فكرة المنصة العقارية المباشرة. فإن نجحت “فيوم VYOM” في مدينة تعتمد بقوة على الوسطاء منذ عقود، فقد تصبح نموذجاً يُحتذى في مدن أخرى، وربما نرى شركات تطوير عالمية تحاول إنشاء منصاتها الخاصة مستلهمة تجربة إعمار.
في المحصلة، لن يختفي العنصر البشري من المعادلة تماماً، لكنه سيتقمص أدواراً جديدة كما ناقشنا. وكما هو الحال مع أي تحول رقمي، المستفيد الأكبر في النهاية هو المستهلك، أي البائع والمشتري، عبر المزيد من الخيارات والشفافية وتقليل الكلفة الزمنية والمالية لإتمام الصفقة. منصة “فيوم VYOM” قد لا تكون الضربة القاضية للوسطاء العقاريين التقليديين، لكنها بالتأكيد جرس إنذار بأن قواعد اللعبة تغيرت. الذين سيتأقلمون مع الواقع الجديد، سواء كانوا شركات أو أفراداً، سيضمنون لأنفسهم مكانة في مشهد عقاري أكثر حداثة وابتكاراً. أما من يصرّ على الطرق القديمة فقد يجد نفسه في الهامش مع مرور الوقت. هل نحن أمام نهاية البداية أم بداية النهاية للوسطاء؟ الإجابة ستتضح أكثر خلال الأعوام القليلة المقبلة. لكن المؤكد أن دبي، كعادتها، ترسم ملامح مستقبل جديد، وهذه المرة في سوق تداول المنازل والعقارات.