عندما يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى نظام حكم… هل نسلم المفاتيح لوكلاء الذكاء الاصطناعي؟

في مؤتمر لاس فيغاس، كشف مات غارمن أن «أمازون ويب سيرفسز» بلغت 132 مليار دولار بنمو 20%، مؤكدًا أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يكمن في “الوكلاء الرقميين” الذين سيحوّلون المؤسسات إلى منظومات ذكية تعتمد على البنية السحابية القوية لـ AWS.

فريق التحرير
فريق التحرير

ملخص المقال

إنتاج AI

في مدينة لاس فيغاس، كشف الرئيس التنفيذي لشركة AWS عن حجم الشركة البالغ 132 مليار دولار ونموها السنوي بنسبة 20%. وسلط الضوء على التناقض بين الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي وتأثيرها الفعلي على الأعمال، مقترحًا مفهوم "الوكيل الرقمي" لتحقيق قيمة حقيقية في المؤسسات.

النقاط الأساسية

  • أمازون ويب سيرفسز (AWS) تصل إلى 132 مليار دولار مع نمو سنوي بنسبة 20%.
  • الوكلاء الرقميون في AWS ليسوا مجرد روبوتات دردشة، بل كيانات برمجية متكاملة.
  • تركز AWS على تطوير شرائح Trainium لتقليل الاعتماد على موردين خارجيين.

في قاعة هائلة بمدينة لاس فيغاس، صعد مات غارمن، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون ويب سيرفسز (AWS)، إلى المنصة أمام عشرات الآلاف من الحضور، ليُلقي جملة قد تبدو عابرة للوهلة الأولى: “وصلت أمازون ويب سيرفسز (AWS) اليوم إلى حجم 132 مليار دولار، وهي تنمو بمعدل 20% سنوياً، وأضافت خلال عام واحد فقط ما يقارب 22 مليار دولار إلى إيراداتها.”

هذه أرقام كفيلة بأن تكون ختاماً مثالياً لخطاب أي مدير تنفيذي، لكنها عند غارمن لم تكن سوى مقدمة لتساؤل أعمق وأكبر: كيف نوظّف كل هذه القوة السحابية الهائلة في عصر لا يزال فيه الذكاء الاصطناعي – رغم كل الضجة المحيطة به – بعيداً عن تحقيق القيمة الحقيقية في معظم المؤسسات؟ خلف هذا الرقم توجد آلة ضخمة لا يراها المستخدم العادي: ثمانٍ وثلاثون منطقة سحابية، أكثر من مئة وعشرين نطاق توافر، 3.8 غيغاواط من الطاقة أضيفت لمراكز البيانات في عام واحد، وشبكة ألياف بصرية تمتد لملايين الكيلومترات. هذه ليست “خوادم” بالمعنى التقليدي، بل نوع جديد من البنية التحتية يشبه شبكة كهرباء عالمية، لكنها تنقل قدرة حسابية بدلاً من الطاقة.

من أرقام المليارات إلى أزمة القيمة الحقيقية للذكاء الاصطناعي

لكن غارمن لم يكتفِ بالوقوف طويلاً أمام بريق الأرقام. ما شغل باله حقاً كان ذلك التناقض الصارخ الذي يصادفه يومياً في حديثه مع العملاء: استثمارات ضخمة تُضخ في الذكاء الاصطناعي، تجارب متناثرة هنا وهناك، عروض توضيحية براقة ولامعة… لكن الأثر الفعلي على مسار الأعمال يظل أقل بكثير مما ينبغي أن يكون.

وهنا بالتحديد، بدأ غارمن في تحويل كلمته من مجرد استعراض للمنتجات إلى محاولة جادة لإعادة تشكيل طريقة تفكيرنا كلها، من فكرة “المساعد الذكي” الذي يجيب عن الأسئلة ويصيغ النصوص، إلى مفهوم “الوكيل الرقمي” الذي يعمل فعلياً داخل أروقة الشركة ويتحرك بين أقسامها. الوكيل في عالم أمازون ويب سيرفسز (AWS) ليس شات بوت لطيفاً على موقع الويب. هو كيان برمجي يعيش فوق بنية تحتية ضخمة، يفهم بيانات الشركة وأنظمتها، يعرف من أين يجلب المعلومة، يتصل بالتطبيقات الداخلية، يقرأ ويحلل، يضع خطة، ثم ينفّذ سلسلة من الخطوات الفعلية: يغيّر إعدادات، يكتب كوداً، يفتح تذاكر دعم، يرفع تقريراً، وربما يوفّر في النهاية ملايين الدولارات أو آلاف الساعات من وقت الموظفين.

ترينيوم والوكلاء الرقميون.. الخلطة السحرية لمزيد من الاعتماد على AWS

Advertisement

يتحدث غارمن عن مستقبل قريب “تعيش فيه مليارات من الوكلاء الرقميين داخل كل مؤسسة”. قد تبدو هذه العبارة مبالغاً فيها للوهلة الأولى، لكنها تصبح أكثر منطقية حين نتأمل ما كشفت عنه أمازون ويب سيرفسز (AWS) طبقة تلو الأخرى:

وكلاء رقميون في Bedrock يديرون تطبيقات وخدمات مبنية على نماذج Nova وMistral وAnthropic المتقدمة؛ ووكلاء في Amazon Q Developer وفي بيئة Kiro تساند فِرق التطوير في كتابة الشيفرات وترحيل الأنظمة القديمة إلى بيئات حديثة؛ ووكلاء مختصون بالأمن السيبراني يراجعون التصاميم البرمجية قبل حتى كتابة أول سطر من الكود؛ بل ووكلاء للعمليات التشغيلية (DevOps) يطاردون الأعطال التقنية ويبحثون عن جذورها الخفية بينما فريق المهندسين غارق في نومه العميق. الفكرة الجوهرية هنا أن المؤسسة التقنية التقليدية، فرق متعددة، واجهات معقدة، تنسيق دائم، سيبدأ يعيش فوقها مستوى جديد من “العمال الخفيين” الذين يقومون بالأعمال الثقيلة والمتكررة، بينما يحتفظ البشر بدور التصميم واتخاذ القرار.

لكن هذه الطبقة من الوكلاء الرقميين لا يمكنها أن تحلّق في الفضاء دون سند. كان لا بد أن يُثبت غارمن أولاً أن الأرضية التي يقفون عليها صلبة بما يكفي لتحمّل ثقلهم. ومن هنا جاء حديثه عن البنية التحتية، كنوع من “التذكير الحازم” بأن الذكاء الاصطناعي ليس سحراً يُستحضر من العدم، بل هو كهرباء تتدفق عبر شرائح السيليكون، وحرارة تتصاعد ثم تُبرّد، واتصالات تنبض بالبيانات في كل لحظة أمازون ويب سيرفسز (AWS).

لا تزال أمازون ويب سيرفسز (AWS) تعمل جنباً إلى جنب مع NVIDIA، من بداية إطلاق أول بطاقات GPU في السحابة إلى أحدث أجيال Blackwell المتطورة، وذلك عبر خوادم P6 المخصصة لتدريب النماذج الضخمة وتشغيلها بكفاءة عالية.

الرسالة الضمنية بسيطة وواضحة، من يريد الحصول على أحدث ما تقدمه NVIDIA لن يكون مضطراً للاختيار بين “السحابة” و”الأداء الفائق”، بل يمكنه الحصول على الاثنين معاً في آن واحد.

لكن الرهان الحقيقي الذي كرّره غارمن مراراً وتكراراً كان على Trainium، الشريحة التي تطوّرها أمازون ويب سيرفسز (AWS) بنفسها خصيصاً للذكاء الاصطناعي. أكثر من مليون شريحة Trainium جرى نشرها بالفعل في مراكز بيانات أمازون ويب سيرفسز (AWS)، ومعظم عمليات الاستدلال التي تجري في Amazon Bedrock تعمل اليوم على Trainium 2.

Advertisement

ثم يأتي Trainium 3 كقفزة نوعية جديدة، تصنيع بدقة 3 نانومتر متناهية الصغر، قدرة حاسوبية أعلى بأضعاف مضاعفة، وعرض نطاق هائل للذاكرة في خوادم UltraServers يمكن أن تجمع مئات الشرائح – بل وحتى مليون شريحة – في مجال حسابي واحد ضخم ومتكامل.

ثم لمّح أيضاً إلى Trainium 4 الذي يجري العمل عليه بالفعل، مع وعود بقفزات إضافية في الأداء وسعة الذاكرة تصل إلى أضعاف مضاعفة. الرسالة هنا ليست مجرد رسالة تقنية، بل هي استراتيجية محكمة تتجلى في كل تفاصيلها. فكل جيل جديد من Trainium يُقلّص اعتماد أمازون ويب سيرفسز (AWS) على مورّد واحد خارجي، ويمنحها مساحة أوسع للتحكم في تكلفة تشغيل الذكاء الاصطناعي، وفي استهلاك الطاقة، وفي الالتزام بقوانين ومتطلبات كل دولة أو منطقة على حدة.

وبالنسبة لأي عميل يبني أعماله ومشاريعه على منصة Bedrock، هذا يعني أن اقتصاديات الذكاء الاصطناعي نفسها أصبحت الآن جزءاً من الاستراتيجية طويلة المدى التي تضعها أمازون ويب سيرفسز (AWS)، وليست رهينة قيود وقرارات أطراف خارجية أخرى.

هذه الطبقة الحسابية الضخمة تحتاج إلى بيت يجمعها وينظّمها بدقة وإتقان. هنا يأتي دور خدمة Bedrock وعائلة نماذج Nova والمنتج الأحدث Nova Forge. تحاول Bedrock أن تكون لوحة التحكم الشاملة التي يختار منها العميل النموذج الأنسب لاحتياجاته الخاصة: من نماذج Mistral المفتوحة، إلى نماذج Nova بمختلف فئاتها المتنوعة:

  • Nova 2 Lite للمهام اليومية والتكلفة المنخفضة
  • Nova 2 Pro للمهام المعقدة التي تحتاج إلى قدرات استدلال عالية
  • Nova 2 Sonic للمحادثات الصوتية الفورية في الوقت الفعلي
  • Nova 2 Omni متعدد الوسائط قادر على فهم النص والصوت والصورة والفيديو معاً في مسار واحد متكامل.

هذه التشكيلة تلبّي احتياجات متناقضة أحياناً: شركة تريد نموذجاً مفتوحاً يمكنها استضافته والتحكم به بالكامل، وأخرى تريد نموذجاً مُداراً بالكامل من أمازون ويب سيرفسز (AWS) بأعلى أداء وأبسط تكامل، وثالثة تريد تجربة صوتية أو مرئية غنية لمستخدميها النهائيين.

Advertisement

حين يصبح الأمن نفسه مهمة للذكاء الاصطناعي

بعد طبقة النماذج، جاءت طبقة حوكمة الوكلاء، وهي ربما الجزء الأكثر حساسية وأهمية في رؤية أمازون ويب سيرفسز (AWS) بأكملها. فكرة الوكيل الرقمي جذابة لأنه يتحرك بحرية ويتخذ قرارات بشكل مستقل. لكن هذه الحرية بالذات هي ما يُثير مخاوف مديري الأمن والامتثال في كل مؤسسة. كيف يمكن أن تمنح كياناً برمجياً القدرة على العمل داخل الأنظمة الحيوية للشركة، ثم تطلب منه أن يلتزم دائماً بالخطوط الحمراء دون أن يتجاوزها؟

جاءت إجابة أمازون ويب سيرفسز (AWS) من جهتين متكاملتين داخل منصة AgentCore: سياسات واضحة محددة مسبقاً، وتقييم مستمر في الوقت الفعلي.

أولاً، السياسات، يمكن لفريق الأمن أن يكتب قواعده بلغة طبيعية واضحة ومباشرة: هذا الوكيل لا يستطيع إجراء تحويلات مالية تتجاوز مبلغاً معيناً، لا يمكنه حذف بيانات إنتاجية حساسة، لا يمكنه استرجاع معلومات حساسة إلا في سيناريوهات محددة بدقة. هذه التعليمات تُحوَّل خلف الكواليس إلى لغة رسمية قابلة للتحقق الآلي، وتُطبَّق في أجزاء من الثانية قبل كل خطوة ينوي الوكيل اتخاذها. الفكرة الجوهرية هنا أن السياسة لا تُدفن داخل أسطر الكود البرمجي، بل تعيش في طبقة مستقلة تماماً فوق الوكلاء، يمكن مراجعتها وتدقيقها ومحاسبتها في أي لحظة.

ثانياً، التقييم، لم تكتفِ أمازون ويب سيرفسز (AWS) بمراقبة استهلاك الموارد أو زمن الاستجابة فحسب، بل قدّمت آلية متطورة لتقييم جودة سلوك الوكلاء على أرض الواقع: هل الإجابات دقيقة؟ هل التصرّف مفيد؟ هل النبرة مناسبة؟ هل حدث انحراف عن السياسات الموضوعة؟

الوكيل هنا يُعامل تماماً كموظف له سجل أداء واضح، يُراجع بانتظام، ويمكن تحسين أدائه أو تقييد صلاحياته عند الحاجة.

Advertisement

هذه الطبقة من الانضباط ليست مجرد إضافة تجميلية، بل شرط أساسي إذا كان الوكلاء سيُسمَح لهم فعلاً بالمساس بكود الإنتاج، أو مراجعة العقود، أو التعامل مع بيانات عملاء أو سجلات مالية.

على الطرف الآخر من هذه المنظومة الضخمة، يقف المطوّر، الذي كان له نصيب وافر من الحديث في المؤتمر.

Amazon Q Developer وبيئة Kiro يحاولان إعادة تعريف علاقة المطور بأدواته الرقمية من الأساس. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد “مكمّل تلقائي للكود”، بل أصبح زميلاً رقمياً يعمل إلى جواره، أو بدلاً منه في كثير من الأجزاء الثقيلة والمعقدة.

حكى غارمن عن مشروع داخلي في أمازون كان من المفترض أن يحتاج إلى 30 مطوراً و18 شهراً كاملة من العمل المتواصل، قبل أن يُنجَز في 76 يوماً فقط على يد فريق صغير من ستة أشخاص باستخدام Kiro كوكلاء تطوير مستقلين.

والأهم من ذلك، تغيّرت طريقة العمل نفسها تغييراً جذرياً: بدلاً من إعطاء الذكاء الاصطناعي مهاماً صغيرة واحدة تلو الأخرى، تُسند إليه أهداف أكبر وأكثر تعقيداً، ويُسمح له بالعمل عليها بشكل متوازٍ ومستقل لفترات أطول بكثير.

الخطوة التالية كانت أكثر جرأة وطموحاً: Kiro Autonomous Agent، وكيل تطوير “طويل النفَس” متصل بمستودعات الأكواد وأدوات إدارة المشاريع وقنوات التواصل الداخلية للفريق. يمكن أن تطلب منه مثلاً ترقية مكتبة برمجية حساسة تُستخدم في 15 خدمة مختلفة، فيعرف من تلقاء نفسه أين توجد هذه المكتبة بالضبط، وكيف تُستخدم في كل خدمة، وما القيود والمعايير التي يجب احترامها دون المساس بها، ثم يبدأ بتعديل الكود وفتح طلبات دمج جاهزة تماماً للفحص البشري والمراجعة، بينما يواصل المطورون عملهم بكل هدوء على مهام أخرى دون أن ينشغلوا بهذه التفاصيل المرهقة.لكن أمازون ويب سيرفسز (AWS) لم تكتفِ بجانب الإنتاجية. إذا كانت الكتابة ستتسارع بهذا الشكل، فلا بد أن يتسارع معها الأمن والتشغيل.

Advertisement

من هنا جاء الإعلان عن Security Agent وDevOps Agent كجزء من جيل جديد تطلق عليه أمازون ويب سيرفسز (AWS) اسم Frontier Agents (الوكلاء الحدوديين): وكلاء أكثر استقلالية بكثير، يعملون لفترات أطول تصل إلى ساعات أو حتى أيام كاملة، ويمكن تشغيلهم على نطاق واسع عبر المؤسسة بأكملها.

Security Agent يحاول إدخال خبرة الأمن السيبراني في أعلى نقطة ممكنة من سلسلة التطوير: بدءاً من مراجعة مستندات التصميم المعماري، مروراً بتحليل الكود قبل دمجه في المستودع الرئيسي، ووصولاً إلى أداء دور أشبه باختبار اختراق متكرر وشامل عند الطلب، مع تقارير جاهزة ومفصّلة ومقترحات إصلاح قابلة للتنفيذ الفوري.

الفكرة الجوهرية هنا أن اختبار الاختراق يتحول من حدث سنوي مكلف ونادر إلى ممارسة أمنية متكررة ومستمرة، تُجرى كلما دعت الحاجة وبتكلفة أقل بكثير.

DevOps Agent، في المقابل، يعيش في قلب التشغيل اليومي: يراقب التنبيهات من أنظمة المراقبة، يربط بين الخطأ في خدمة هنا وتغيير في إعدادات هناك، يقترح السبب الجذري للحالة ويعرض خطوات إصلاح، بل يقترح أيضاً كيف يمكن تعديل خط الأنابيب (CI/CD) حتى لا يتكرر الخطأ نفسه في المستقبل. المشهد الذي عرضته أمازون ويب سيرفسز (AWS) في الفيديو الترويجي – مهندس ينام مطمئناً بينما الوكيل يتعامل مع “حريق ليلي” في الإنتاج – يلخّص ما يريدون الوصول إليه.

كل هذه الطبقات التقنية العالية لا تمنع أمازون ويب سيرفسز (AWS) من الاعتراف بأن العالم القديم لم يختفِ بعد. هناك قواعد بيانات تقليدية تحتاج إلى مساحات أكبر، سجلات أمنية مبعثرة بين خدمات متعددة، وملفات ضخمة تعيش في S3 وتنمو بسرعة.

DevOps Agent، في المقابل، يعيش في قلب التشغيل اليومي: يراقب التنبيهات القادمة من أنظمة المراقبة المختلفة، يربط بذكاء بين خطأ حدث في خدمة هنا وتغيير طرأ على الإعدادات هناك، يقترح السبب الجذري الحقيقي للمشكلة ويعرض خطوات إصلاح واضحة ومحددة، بل ويقترح أيضاً كيف يمكن تعديل خط الأنابيب (CI/CD) نفسه حتى لا يتكرر الخطأ ذاته مستقبلاً.

Advertisement

كل هذه الطبقات التقنية الرفيعة المستوى لا تمنع أمازون ويب سيرفسز (AWS) من الاعتراف بأن العالم القديم لم يختفِ بعد. لا تزال هناك قواعد بيانات تقليدية تحتاج إلى مساحات تخزين أكبر، وسجلات أمنية مبعثرة ومتناثرة بين خدمات متعددة، وملفات ضخمة تعيش في S3 وتتضخم وتنمو بسرعة فائقة.

لهذا رأينا سلسلة طويلة من الإعلانات “الصغيرة” التي تبدو تقنية للغاية، لكنها تخدم جميعاً نفس الرؤية الكبرى: رفع الحد الأقصى لحجم الكائن الواحد في S3 إلى 50 تيرابايت، تحسين أداء عمليات الدُّفعات الجماعية، تقديم S3 Vectors لتخزين المتجهات المستخدمة في البحث الدلالي بتكلفة أقل بنسبة تصل إلى 90%، تسريع بناء الفهارس باستخدام معالجات GPU داخل OpenSearch، توسيع نطاق GuardDuty ليغطي بيئات الحاويات، وتجميع سجلات الأمن والتشغيل في مستودعات موحدة يسهل تحليلها والاستفادة منها.

من زاوية أخرى، هذه كلها عمليات “تنظيف وترتيب للبيوت الداخلية” حتى لا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى طبقة جديدة براقة فوق فوضى قديمة متراكمة، بل فوق بنية منظمة ومحكمة يمكن مراقبتها والتحكم بها بدقة.

في النهاية، ما قدّمه مات غارمن لم يكن مجرد وعد بسيط بمزيد من الخدمات السحابية المعتادة، بل كان خارطة طريق واضحة المعالم لعالم يريد أن يتحوّل فيه الذكاء الاصطناعي من تجربة محدودة على الهامش إلى “طبقة تشغيل” حقيقية وأساسية فوق كل مؤسسة.

عالم تصبح فيه البنية التحتية للذكاء الاصطناعي أشبه بالكهرباء: موجودة دائماً، تُستهلك لحظة بلحظة، ومستترة عن نظر المستخدم النهائي. وفوقها تتحرك طبقة كثيفة ومتشعبة من الوكلاء الرقميين، بعضهم يكتب الكود، بعضهم يحرس الأمن السيبراني، بعضهم يدير العمليات التشغيلية، وبعضهم ينسّق حملات التسويق أو يحلل بيانات العملاء بدقة متناهية.

السؤال الذي يتركه هذا العالم المفتوح أمامنا، كصحفيين ومديرين ومطورين وصانعي قرار، ليس فقط: أي نموذج ذكاء اصطناعي نستخدم؟ بل سؤال أعمق بكثير وأكثر جوهرية:

Advertisement

على أي بنية سنبني وكلاءنا الرقميين؟ وإلى أي مدى نريد أن نمنحهم مساحة من الحرية والاستقلالية ليتحملوا معنا مسؤولية تشغيل العالم الرقمي الذي نعتمد عليه كل يوم؟