السندات دليلك الشامل للاستثمار الذكي 

في عالم يموج بالتقلبات الاقتصادية، حيث تتراقص معدلات التضخم وأسعار الفائدة على وقع أحداث جيوسياسية متسارعة، يجد المستثمر العربي نفسه أمام تحدي الحفاظ على قيمة رأس المال وتنميته. هنا، تبرز السندات، تلك الأدوات التي طالما اعتبرت ملاذاً آمناً نسبياً، لتطرح نفسها كخيار استراتيجي يتجاوز كونه مجرد إضافة تقليدية للمحافظ الاستثمارية. فهل أصبحت السندات ضرورة ملحة…

فريق التحرير
فريق التحرير
السندات

ملخص المقال

إنتاج AI

في ظل التقلبات الاقتصادية، يواجه المستثمر العربي تحديات في الحفاظ على رأس المال وتنميته. يقيّم التقرير دور السندات كخيار استراتيجي في الاقتصادات العربية المتنوعة، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات السياسات النقدية العالمية والمحلية حتى عام 2025 وما بعده.

النقاط الأساسية

  • السندات كأداة استثمارية: ضرورة في ظل سعي الدول العربية لتنويع مصادر دخلها وتعميق أسواقها المالية.
  • فهم السياسات النقدية العالمية والمحلية، وأسعار الفائدة والتضخم، أمر بالغ الأهمية للاستثمار الفعال في السندات.
  • التنويع وإدارة المخاطر: استراتيجيات أساسية لبناء محفظة سندات مرنة قادرة على مواجهة تقلبات السوق.

في عالم يموج بالتقلبات الاقتصادية، حيث تتراقص معدلات التضخم وأسعار الفائدة على وقع أحداث جيوسياسية متسارعة، يجد المستثمر العربي نفسه أمام تحدي الحفاظ على قيمة رأس المال وتنميته. هنا، تبرز السندات، تلك الأدوات التي طالما اعتبرت ملاذاً آمناً نسبياً، لتطرح نفسها كخيار استراتيجي يتجاوز كونه مجرد إضافة تقليدية للمحافظ الاستثمارية. فهل أصبحت السندات ضرورة ملحة في ظل سعي الاقتصادات العربية، من الخليج إلى الشام وشمال إفريقيا، نحو تنويع مصادر دخلها وتعميق أسواقها المالية؟ أم أنها لا تزال ترفاً يقتصر على فئة معينة من المستثمرين؟ إن المنطقة العربية، رغم خصوصيتها، ليست بمعزل عن التأثيرات العالمية؛ فقرارات البنوك المركزية الكبرى، وتقلبات أسعار الطاقة، والتحولات في تدفقات رأس المال العالمية، كلها عوامل ترسم ملامح جاذبية السندات كأداة استثمارية.

جدول المحتويات

الاستثمار في السندات

هذا التقرير يسعى إلى تفكيك عالم السندات، ليس فقط كأداة مالية، بل كمرآة تعكس توجهات اقتصادية أوسع. كيف يمكن للمستثمر العربي، سواء كان فرداً يسعى لتأمين مستقبله المالي أو مؤسسة تدير أصولاً ضخمة، أن يفهم ديناميكيات هذا السوق المعقد، ويستثمر فيه بفعالية وحصافة في ظل المعطيات الراهنة والمستقبلية لعام 2025 وما بعده؟

إن النظرة التقليدية للسندات كاستثمار منخفض المخاطر يوفر دخلاً ثابتاً بدأت تتغير. فمع سعي الاقتصادات العربية الحثيث لتنويع اقتصاداتها وتطوير أسواقها المالية، نشهد زيادة ملحوظة في إصدارات السندات الحكومية وسندات الشركات.

 هذا التطور، وإن كان يوفر فرصاً أكبر للمستثمرين، فإنه يتطلب منهم فهماً أعمق لديناميكيات السوق. وعليه، لم تعد السندات مجرد خيار دفاعي، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية استثمارية متوازنة تسعى للنمو المدروس. هذا التحول في دور السندات من مجرد “ملاذ آمن” إلى “أداة استراتيجية للتنويع والنمو” يمثل الركيزة الأولى التي ينبغي للمستثمر العربي استيعابها.

الركيزة الثانية تتمثل في الإدراك العميق لتأثير السياسات النقدية العالمية والمحلية، وخصوصاً أسعار الفائدة ومعدلات التضخم، كعامل حاسم في إعادة تشكيل جاذبية السندات في المنطقة العربية. فأسعار الفائدة العالمية والمحلية تؤثر بشكل مباشر وعكسي على أسعار السندات المالية. وعلى الرغم من أن البنوك المركزية في المنطقة العربية تتأثر بقرارات نظيراتها العالمية، كاحتياطي النقد الفيدرالي الأمريكي، إلا أن لديها أيضاً اعتباراتها المحلية الخاصة. كما أن شبح التضخم، الذي يجتاح الاقتصادات العالمية والمحلية، يضع ضغوطاً حقيقية على العائد الفعلي للسندات. إن فهم هذه الديناميكيات المعقدة يصبح مفتاحاً ليس فقط لتوقيت الاستثمار في السندات، بل أيضاً لتحديد أنواعها الأكثر ملاءمة للمحفظة الاستثمارية.

Advertisement

مفهوم السندات

السندات

السند، في جوهره، هو عقد دين يمثل قرضاً يقدمه المستثمر، أو حامل السند، إلى جهة الإصدار، والتي قد تكون حكومة تسعى لتمويل مشاريعها أو شركة تتطلع لتوسيع عملياتها. بموجب هذا العقد، يتعهد المُصدر، أي المقترض، بدفع مبالغ فائدة دورية، تُعرف اصطلاحاً بالكوبونات، لحامل السند طوال مدة القرض. وعند حلول تاريخ محدد، يُعرف بتاريخ الاستحقاق، يلتزم المُصدر برد المبلغ الأصلي للقرض، أو القيمة الاسمية للسند، إلى المستثمر. تُسجل هذه السندات كديون على الجهة المصدرة، وهو ما يمنح حامليها ميزة مهمة: الأولوية على حملة الأسهم في حال تعرض المُصدر للإفلاس وسعى الدائنون لاسترداد أموالهم.

المكونات الأساسية للسند – وماذا تعني للمستثمر

لفهم السند حقاً، لا بد من تشريح مكوناته الأساسية، فكل مكون يحمل دلالات مهمة للمستثمر:

  • القيمة الاسمية (Face Value/Par Value): هي المبلغ الذي يتعهد المُصدر بسداده لحامل السند عند تاريخ الاستحقاق. هذه القيمة تمثل “أصل” القرض الذي قدمه المستثمر.
  • الكوبون (Coupon): يمثل سعر الفائدة السنوي الذي يدفعه المُصدر على القيمة الاسمية للسند. هذه الدفعات، التي تشكل مصدر دخل منتظم للمستثمر، عادة ما تُسدد بشكل نصف سنوي أو سنوي. على سبيل المثال، سند قيمته الاسمية 1000 وحدة نقدية ويحمل كوبوناً بنسبة 5%، يعني أن المستثمر سيحصل على 50 وحدة نقدية سنوياً كفائدة.
  • تاريخ الاستحقاق (Maturity Date): هو التاريخ المحدد الذي يجب فيه على المُصدر سداد القيمة الاسمية للسند بالكامل لحامله. بحلول هذا التاريخ، ينتهي أجل السند وتنقضي التزامات المُصدر المتعلقة به.
  • سعر الإصدار/السوق (Issue/Market Price): هو السعر الذي يُباع به السند عند إصداره لأول مرة (السوق الأولية)، أو السعر الذي يتم تداوله به بين المستثمرين في السوق الثانوية بعد إصداره. هذا السعر قد يكون مساوياً للقيمة الاسمية، أو أعلى منها (بعلاوة إصدار)، أو أقل منها (بخصم إصدار). ويتأثر هذا السعر بشكل كبير بعوامل العرض والطلب، ومستوى أسعار الفائدة السائدة في السوق، والجدارة الائتمانية للمُصدر.
  • جهة الإصدار (Issuer): هي الكيان الذي يقترض الأموال ويقوم بإصدار السند، سواء كانت حكومة وطنية، أو بلدية محلية، أو شركة مساهمة. وتعتبر الجدارة الائتمانية للمُصدر، أي مدى قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية، عاملاً حاسماً في تحديد مستوى مخاطر السند وعائده المتوقع.

إن فهم هذه المكونات ليس مجرد استيعاب لمصطلحات تقنية، بل هو المفتاح لتقييم المخاطر والعائد المحتمل لأي استثمار في السندات. فالقيمة الرسمية والكوبون يحددان التدفقات النقدية المتوقعة التي سيحصل عليها المستثمر. أما تاريخ الاستحقاق، فيحدد الأفق الزمني للاستثمار ومدى تعرض المستثمر لمخاطر تقلبات أسعار الفائدة على المدى الطويل. وسعر السوق الحالي، عند مقارنته بالقيمة الاسمية، يعكس تصورات السوق حول جودة السند وتأثير أسعار الفائدة السائدة. قدرة المستثمر على تحليل هذه المكونات مجتمعة تمكنه من اتخاذ قرار استثماري مستنير، بدلاً من الاعتماد على السمعة أو التوصيات السطحية.

Advertisement

لماذا تلجأ الحكومات والشركات إلى إصدار السندات؟ الدوافع والأهداف

تُعد السندات أداة تمويلية حيوية لكل من الحكومات والشركات على حد سواء، وإن اختلفت الدوافع والأهداف التفصيلية:

الحكومات: 

تلجأ الحكومات إلى إصدار السندات، المعروفة بالسندات السيادية، لمجموعة متنوعة من الأسباب، أهمها تمويل الإنفاق العام على الخدمات والمشاريع، وسد العجز في الميزانية العامة للدولة، وتمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى كالطرق والمستشفيات والمدارس، أو حتى لإعادة تمويل ديون قائمة بشروط أفضل. 

في سياق المنطقة العربية، تكتسب إصدارات السندات الحكومية أهمية متزايدة. فالدول، وخاصة تلك التي كانت تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، تجد في السندات وسيلة لتنويع مصادر تمويلها بعيداً عن تقلبات أسعار الطاقة، وكذلك لتمويل مشاريع التحول الاقتصادي الطموحة التي تتبناها العديد من دول المنطقة، مثل “رؤية السعودية 2030”.

الشركات: 

Advertisement

أما الشركات، فتلجأ إلى إصدار سندات الشركات لجمع رأس المال اللازم لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مثل تمويل عمليات التوسع والنمو، أو تمويل صفقات الاستحواذ والاندماج مع شركات أخرى، أو إطلاق مشاريع جديدة تتطلب استثمارات كبيرة، أو حتى لإدارة هيكل رأس مالها بشكل أكثر كفاءة.

إن دوافع إصدار السندات، سواء كانت حكومية أو من قبل الشركات، تحمل في طياتها مؤشرات اقتصادية أوسع يمكن للمستثمر الفطن قراءتها. فزيادة إصدارات السندات الحكومية قد تشير إلى ضغوط مالية تواجهها الدولة أو إلى خطط إنفاق توسعية طموحة. وبالمثل، فإن إقبال الشركات على إصدار السندات قد يعكس توقعات نمو إيجابية لديها أو حاجتها لتمويل مشاريع جديدة تعتقد أنها ستدر عوائد مجزية. 

في سياق المنطقة العربية تحديداً، يمكن أن تشير الزيادة الملحوظة في إصدارات السندات إلى تحول استراتيجي في إدارة المالية العامة للعديد من الدول، وسعيها الحثيث لتعميق أسواق رأس المال المحلية وزيادة كفاءتها. فالمستثمر الواعي لا يرى في السند مجرد أداة دين، بل يقرأ ما بين سطور هذه الإصدارات لفهم التوجهات الاقتصادية الكلية والفرص والمخاطر المحتملة.

السندات مقابل الأسهم: مقارنة حاسمة لاتخاذ قرار استثماري مستنير

عند التفكير في الاستثمار، غالباً ما يتبادر إلى الذهن خياران رئيسيان: السندات والأسهم. ورغم أن كلاهما أدوات مالية شائعة، إلا أن بينهما فروقات جوهرية يجب على كل مستثمر فهمها لاتخاذ قرار مستنير يتناسب مع أهدافه وقدرته على تحمل المخاطر.

وجه المقارنةالسنداتالأسهم
طبيعة الأداةأداة دين؛ تمثل قرضاً من المستثمر للمُصدر.حصة ملكية؛ تمثل جزءاً من ملكية الشركة.
مصدر العائددخل ثابت نسبياً من مدفوعات الفائدة الدورية (الكوبونات) واسترداد القيمة الاسمية عند الاستحقاق.أرباح متغيرة تعتمد على أداء الشركة (توزيعات أرباح) وإمكانية ارتفاع سعر السهم (أرباح رأسمالية).
مستوى المخاطرة النموذجيأقل مخاطرة بشكل عام، خاصة السندات الحكومية عالية الجودة.أعلى مخاطرة بشكل عام، حيث تتأثر أسعارها بتقلبات السوق وأداء الشركة.
الأولوية عند الإفلاسلحملة السندات الأولوية على حملة الأسهم في استرداد أموالهم.يأتي حملة الأسهم بعد حملة السندات والدائنين الآخرين.
التأثر بأسعار الفائدةتتأثر أسعارها بشكل عكسي بتقلبات أسعار الفائدة السائدة.أقل تأثراً مباشراً بأسعار الفائدة، ولكنها تتأثر بالظروف الاقتصادية العامة التي تؤثر عليها أسعار الفائدة.
إمكانية النمو الرأسماليمحدودة نسبياً، تتركز بشكل أساسي في الدخل من الفوائد.إمكانية نمو رأسمالي كبيرة إذا ارتفع سعر السهم بشكل ملحوظ.
التذبذبأسعارها تميل لأن تكون أقل تذبذباً من أسعار الأسهم.أسعارها أكثر عرضة للتقلبات والتذبذبات الحادة.

هذا الجدول يوفر تلخيصاً سريعاً وواضحاً للفروقات الجوهرية بين فئتي الأصول الرئيسيتين، مما يساعد المستثمر، وخاصة المبتدئ، على فهم السياق العام لموقعهما في عالم الاستثمار ودورهما المختلف في بناء محفظة استثمارية متوازنة.

Advertisement

خريطة السندات المتنوعة – دليل المستثمر لاختيار الأنسب

السندات

إن عالم السندات ليس كتلة واحدة متجانسة، بل هو أشبه بخريطة واسعة تضم أنواعاً متعددة، لكل منها خصائصه ومخاطره وعوائده المحتملة. فهم هذا التنوع ليس مجرد استعراض أكاديمي، بل هو ضرورة للمستثمر الذي يسعى لاختيار الأداة الأنسب لأهدافه الاستثمارية وقدرته على تحمل المخاطر. هذا التنوع يعكس في حقيقة الأمر تعدد احتياجات جهات التمويل من حكومات وشركات، وكذلك اختلاف تفضيلات المستثمرين.

السندات الحكومية (السيادية): حجر الزاوية في محافظ الدخل الثابت

تُعد السندات الحكومية، أو ما يُعرف بالسندات السيادية، من أبرز أنواع السندات وأكثرها شيوعاً. تصدرها الحكومات الوطنية بهدف تمويل نفقاتها العامة، وإدارة ديونها، وتمويل مشاريع البنية التحتية. وتعتبر هذه السندات، بشكل عام، الخيار الأكثر أماناً في عالم أدوات الدخل الثابت، ويعود ذلك إلى أن مخاطر تخلف الحكومات عن سداد ديونها (خاصة تلك الصادرة بعملتها المحلية أو عن دول ذات اقتصادات قوية وتصنيف ائتماني مرتفع) تكون منخفضة للغاية. من الأمثلة العالمية الشهيرة على السندات الحكومية.

 نجد سندات الخزانة الأمريكية بأنواعها المختلفة (T-Bonds, T-Notes, T-Bills)، وسندات الحكومة البريطانية المعروفة بـ (Gilts)، وسندات الحكومة اليابانية (JGBs).

في المنطقة العربية، تلجأ الحكومات بشكل متزايد إلى أسواق الدين لإصدار سندات بالعملة المحلية وكذلك بالعملات الأجنبية الرئيسية كالدولار الأمريكي أو اليورو. هذا التوجه يهدف إلى تلبية احتياجات التمويل المتنوعة لهذه الحكومات، وفي الوقت ذاته جذب شرائح مختلفة من المستثمرين المحليين والدوليين. وتنقسم السندات الحكومية عادة إلى فئتين رئيسيتين بناءً على أجل الاستحقاق:

Advertisement
  • أذون الخزانة (Treasury Bills): هي أدوات دين حكومية قصيرة الأجل، عادة ما يكون أجل استحقاقها أقل من سنة واحدة. تتميز أذون الخزانة بأنها تباع بخصم من قيمتها الاسمية، ولا تدفع كوبونات فائدة دورية. الفائدة التي يحصل عليها المستثمر هي الفرق بين سعر الشراء المخفض والقيمة الاسمية الكاملة التي يستردها عند تاريخ الاستحقاق.
  • سندات الخزانة (Treasury Notes/Bonds): هي أدوات دين حكومية متوسطة إلى طويلة الأجل، تتراوح آجال استحقاقها عادة من سنتين إلى ثلاثين سنة أو حتى أكثر في بعض الحالات. وعلى عكس أذون الخزانة، تدفع سندات الخزانة كوبونات فائدة دورية لحامليها، بالإضافة إلى رد القيمة الاسمية عند الاستحقاق.

سندات الشركات: بين جاذبية العائد وحسابات المخاطرة

إلى جانب الحكومات، تُعد الشركات من المصدرين الرئيسيين للسندات، حيث تلجأ إليها لجمع رأس المال اللازم لتمويل عملياتها وتوسعاتها. تتميز سندات الشركات عادةً بأنها تقدم عوائد أعلى من السندات الحكومية المماثلة في أجل الاستحقاق. هذا العائد الإضافي يهدف إلى تعويض المستثمرين عن المخاطر الإضافية التي يتحملونها عند إقراض أموالهم للشركات، وأبرز هذه المخاطر هي مخاطر الائتمان، أي احتمالية تخلف الشركة المصدرة عن سداد التزاماتها المالية من فوائد أو أصل الدين.

تنقسم سندات الشركات بشكل عام إلى فئتين رئيسيتين بناءً على جودتها الائتمانية:

  • سندات ذات درجة استثمارية (Investment Grade Bonds): تصدرها شركات تتمتع بملاءة مالية قوية وسجل ائتماني جيد، وتحصل على تصنيفات ائتمانية مرتفعة من وكالات التصنيف العالمية. تعتبر هذه السندات أقل مخاطرة نسبياً ضمن فئة سندات الشركات.
  • سندات عالية العائد (High-Yield Bonds / Junk Bonds): تُعرف أيضاً بالسندات غير المرغوب فيها أو سندات المضاربة. تصدرها شركات ذات مخاطر ائتمانية أعلى، أو شركات تمر بظروف مالية صعبة، أو شركات ناشئة لم تثبت جدارتها الائتمانية بعد. ونتيجة لهذه المخاطر المرتفعة، تقدم هذه السندات عوائد أعلى بكثير من السندات ذات الدرجة الاستثمارية، وذلك بهدف جذب المستثمرين المستعدين لتحمل درجة أعلى من المخاطرة. 

في بعض الأسواق العربية، مثل مصر، يلاحظ أن الاستثمار الآمن في سندات الشركات يأتي في مرتبة تالية للاستثمار في السندات الحكومية وشهادات الإيداع البنكية من حيث تفضيلات المستثمرين الباحثين عن درجة أعلى من الضمان والأمان.

Advertisement

الصكوك الإسلامية: البديل المتوافق مع الشريعة وأوجه الاختلاف والتشابه مع السندات التقليدية

في ظل سعي العديد من المستثمرين في المنطقة العربية للالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية في معاملاتهم المالية، برزت الصكوك الإسلامية كبديل متوافق مع هذه المبادئ للسندات التقليدية. الصكوك هي أدوات مالية تصدرها الحكومات أو الشركات بهدف جمع الأموال من المستثمرين، ولكنها تُهيكل بطريقة تتجنب دفع أو قبض الفائدة (الربا)، وهو ما تحرمه الشريعة الإسلامية.

بدلاً من علاقة الدين التقليدية بين المقرض والمقترض كما في السندات، تستند الصكوك إلى مبدأ ملكية أصول ملموسة، أو حصص في مشروع تجاري معين، أو حقوق انتفاع بخدمات. وبذلك، يحصل حملة الصكوك على حصة من الأرباح الناتجة عن تلك الأصول أو المشاريع أو الخدمات، وليس على فائدة ثابتة محددة مسبقاً كدين.

أوجه التشابه بين الصكوك والسندات التقليدية:

  • كلاهما وسيلة لجمع الأموال من المستثمرين.
  • لكل منهما تاريخ استحقاق محدد يتم فيه إعادة أصل المبلغ المستثمر (أو ما يقابله في حالة الصكوك).
  • قد يوزع كلاهما عوائد دورية على المستثمرين (كوبونات في السندات، وأرباح أو إيجارات في الصكوك).

أوجه الاختلاف الرئيسية بين الصكوك والسندات التقليدية:

Advertisement
وجه المقارنةالسندات التقليديةالصكوك الإسلامية
الأساس التعاقديعقد قرض بفائدة محددة مسبقاً.تستند إلى عقود إسلامية متنوعة مثل المرابحة (بيع مؤجل بثمن آجل)، الإجارة (تأجير أصول)، المشاركة (تقاسم الأرباح والخسائر)، المضاربة (رب المال وعمل المضارب)، الاستصناع، السلم، الوكالة بالاستثمار.
طبيعة العائدفائدة (ربا) ثابتة أو متغيرة محددة كنسبة من أصل الدين.ربح ناتج عن ملكية أصل أو مشروع، أو إيجار، أو حصة في شراكة. قد يكون العائد متغيراً (كما في صكوك المشاركة والمضاربة) أو أقرب للثبات (كما في صكوك الإجارة).
ضمان رأس المالالمُصدر ملزم برد أصل الدين (القيمة الاسمية) بغض النظر عن أدائه المالي.يعتمد استرداد رأس المال على قيمة الأصول الأساسية وأداء المشروع. لا يوجد ضمان مطلق لرأس المال بنفس طريقة السندات، بل يخضع لمخاطر الأصل أو المشروع.
الأصل الضامنلا يشترط وجود أصل ملموس محدد يدعم الدين، بل هو التزام عام على ذمة المُصدر.يجب أن تكون مدعومة بأصول حقيقية وملموسة أو خدمات أو حقوق انتفاع محددة.
تقاسم المخاطرحامل السند دائن، ولا يشارك في مخاطر أعمال المُصدر (باستثناء مخاطر التخلف عن السداد).يتقاسم حملة الصكوك مخاطر المشروع أو الأصل الأساسي الذي تمثله الصكوك.
التوافق مع الشريعةغير متوافقة مع الشريعة الإسلامية بسبب عنصر الفائدة.مصممة لتكون متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
أمثلة على الهياكلسندات ذات فائدة ثابتة، سندات ذات فائدة متغيرة، سندات صفرية الكوبون.صكوك الإجارة، صكوك المرابحة، صكوك المشاركة، صكوك المضاربة، صكوك السلم، صكوك الاستصناع، صكوك الوكالة بالاستثمار.

شهد سوق الصكوك والسندات في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، نمواً كبيراً وأصبح واحداً من أكبر الأسواق في المنطقة، مما يعكس الأهمية المتزايدة للتمويل الإسلامي والتقليدي على حد سواء. إن نمو سوق الصكوك في المنطقة العربية لا يلبي فقط الطلب المتزايد على أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، بل هو أيضاً مؤشر على نضج الأسواق المالية في المنطقة وقدرتها على الابتكار وتقديم منتجات مالية متنوعة. هذا التطور يتطلب هياكل قانونية ومالية أكثر تعقيداً من تلك المطلوبة للسندات التقليدية، ونجاح إصدارات الصكوك الكبيرة يدل على تطور البنية التحتية لهذه الأسواق. هذا بدوره يفتح الباب أمام منتجات مالية أكثر ابتكاراً في المستقبل، وقد يجذب شريحة أوسع من المستثمرين العالميين المهتمين بالاستثمارات الأخلاقية أو تلك المدعومة بأصول حقيقية.

أنواع أخرى هامة من السندات

بالإضافة إلى الأنواع الرئيسية المذكورة، توجد فئات أخرى من السندات تلبي احتياجات وأهدافاً استثمارية محددة:

  • السندات صفرية الكوبون (Zero-Coupon Bonds): هذه السندات لا تدفع أي فائدة دورية (كوبونات) لحاملها طوال مدة السند. بدلاً من ذلك، يتم بيعها عند الإصدار بخصم كبير عن قيمتها الاسمية. وعند تاريخ الاستحقاق، يحصل المستثمر على القيمة الاسمية كاملة. الفارق بين سعر الشراء المخفض والقيمة الاسمية المستردة يمثل العائد الإجمالي للمستثمر.
  • السندات المرتبطة بالتضخم (Inflation-Linked Bonds / TIPS): مصممة لحماية المستثمرين من مخاطر تآكل القوة الشرائية بسبب التضخم. يتم تعديل القيمة الاسمية لهذه السندات و/أو مدفوعات الكوبون الخاصة بها بناءً على التغيرات في مؤشر أسعار المستهلك أو أي مقياس تضخم آخر معتمد. من الأمثلة على ذلك سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم (TIPS).
  • السندات القابلة للتحويل (Convertible Bonds): تمنح هذه السندات حاملها الحق، وليس الإلزام، في تحويل السند إلى عدد محدد من الأسهم العادية للشركة المصدرة خلال فترة زمنية معينة وبسعر تحويل محدد مسبقاً. تجمع هذه السندات بين خصائص أدوات الدين (دخل ثابت نسبي) وخصائص الأسهم (إمكانية تحقيق أرباح رأسمالية إذا ارتفع سعر سهم الشركة).
  • سندات البلدية (Municipal Bonds): تصدرها الهيئات الحكومية المحلية مثل المدن والمحافظات والمقاطعات، وذلك بهدف تمويل المشاريع العامة مثل بناء المدارس والمستشفيات وتحسين البنية التحتية. في بعض الدول، قد تتمتع الفوائد المدفوعة على سندات البلدية بمزايا ضريبية، كالإعفاء من ضرائب الدخل على المستوى الفيدرالي أو المحلي. ومن الأمثلة الحديثة في المنطقة العربية، تجربة مدينة أكادير في المغرب التي أصدرت سندات لتمويل مشاريعها التنموية.

محركات سوق السندات – فهم القوى الخفية والظاهرة

إن أسعار السندات وعوائدها ليست ثابتة، بل هي في حركة دائمة تتأثر بمجموعة معقدة من القوى الاقتصادية والمالية. فهم هذه المحركات، سواء كانت خفية أو ظاهرة، أمر بالغ الأهمية لأي مستثمر يسعى لاتخاذ قرارات مستنيرة في سوق السندات. فالعلاقة بين أسعار الفائدة وأسعار السندات، ودور البنوك المركزية، والتصنيفات الائتمانية، وعوامل الاقتصاد الكلي، كلها تتفاعل لتشكيل المشهد العام لهذا السوق الحيوي.

Advertisement

أسعار الفائدة: الرقصة المعقدة مع أسعار السندات (العلاقة العكسية وتفسيرها الاقتصادي)

تُعد العلاقة بين أسعار الفائدة السائدة في الاقتصاد وأسعار السندات القائمة (أي تلك التي يتم تداولها في السوق الثانوية بعد إصدارها) واحدة من أهم المفاهيم الأساسية في عالم الاستثمار في السندات. هذه العلاقة هي علاقة عكسية: فعندما ترتفع أسعار الفائدة، تميل أسعار السندات القائمة إلى الانخفاض، وعندما تنخفض أسعار الفائدة، تميل أسعار السندات القائمة إلى الارتفاع.

التفسير الاقتصادي لهذه العلاقة العكسية يكمن في جاذبية الاستثمارات البديلة:

  1. عندما ترتفع أسعار الفائدة في الاقتصاد، فإن السندات الجديدة التي يتم إصدارها في هذه البيئة ستقدم أسعار كوبون (فائدة) أعلى لكي تكون قادرة على جذب المستثمرين. فالمستثمرون لن يقبلوا بسعر فائدة منخفض على سند جديد إذا كان بإمكانهم الحصول على سعر فائدة أعلى في مكان آخر (مثل الودائع البنكية أو سندات أخرى جديدة).
  2. نتيجة لذلك، تصبح السندات القديمة التي تم إصدارها في وقت سابق بأسعار كوبون أقل (عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة) أقل جاذبية للمستثمرين مقارنة بالسندات الجديدة ذات العوائد الأعلى.
  3. لكي يتمكن حامل السند القديم من بيعه في السوق الثانوية، يجب أن ينخفض سعره. هذا الانخفاض في السعر يعوض المشتري الجديد عن العائد (الكوبون) الأقل الذي سيحصل عليه من هذا السند القديم، مقارنة بما يمكن أن يحصل عليه من سند جديد.
  4.  بمعنى آخر، الانخفاض في سعر السند القديم يرفع من “العائد حتى الاستحقاق” (Yield to Maturity) للمشتري الجديد، مما يجعله منافساً لعوائد السندات الجديدة.

على سبيل المثال، لنفترض أن مستثمراً يمتلك سنداً قديماً بقيمة اسمية 1000 وحدة نقدية ويدفع كوبوناً سنوياً قدره 30 وحدة نقدية (أي سعر فائدة 3%). إذا ارتفعت أسعار الفائدة في السوق وأصبحت السندات الجديدة المماثلة تصدر بكوبون 5% (أي 50 وحدة نقدية سنوياً على قيمة اسمية 1000)، فلن يرغب أي مستثمر بشراء السند القديم بسعره الأصلي (1000 وحدة نقدية) لأنه سيحصل على عائد أقل. لذلك، يجب أن ينخفض سعر السند القديم في السوق (مثلاً إلى 950 وحدة نقدية) بحيث يصبح العائد الفعلي للمشتري الجديد جذاباً ومقارباً للـ 5% التي تقدمها السندات الجديدة.

هذه الديناميكية بين أسعار الفائدة وأسعار السندات هي حجر الزاوية في فهم تقلبات سوق الدخل الثابت، وهي ذات أهمية قصوى للمستثمرين والمتداولين على حد سواء. فالعلاقة بين أسعار الفائدة والسندات ليست مجرد معادلة رياضية، بل هي انعكاس لتوقعات السوق حول مستقبل الاقتصاد. 

Advertisement

قرارات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة تستند إلى تقييمها لمسارات التضخم والنمو الاقتصادي ومخاطر الاستقرار المالي. وتفاعلات سوق السندات مع هذه القرارات، أو حتى مع التوقعات المسبقة لها، تعكس مدى ثقة المستثمرين في هذه التقييمات أو اختلافهم معها. ويعتبر “منحنى العائد” (Yield Curve) للسندات الحكومية، الذي يوضح العلاقة بين آجال الاستحقاق المختلفة وعوائدها، مؤشراً هاماً يستخدمه المحللون لاستشراف توقعات الركود أو النمو الاقتصادي. فالمستثمر الذي يمتلك فهماً عميقاً لهذه العلاقة المعقدة يمكنه اتخاذ قرارات استثمارية استباقية، بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍ لردود أفعال السوق.

دور البنوك المركزية في رسم ملامح أسواق الدين

تلعب البنوك المركزية دوراً محورياً في التأثير على أسواق الدين، وذلك من خلال استخدامها لمجموعة من أدوات السياسة النقدية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي. من أبرز هذه الأدوات تحديد سعر الفائدة الرئيسي (مثل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في الولايات المتحدة، أو سعر الأساس الذي يحدده المصرف المركزي الإماراتي ، أو أسعار الإيداع والإقراض لليلة واحدة التي يحددها البنك المركزي المصري )، وعمليات السوق المفتوحة (شراء وبيع الأوراق المالية الحكومية للتأثير على السيولة في النظام المصرفي)، وتحديد متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك.

إن قرارات رفع أو خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية لها تأثير مباشر وفوري على تكلفة الاقتراض في الاقتصاد بشكل عام، وبالتالي على أسعار وعوائد السندات. فعندما يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة، ترتفع تكلفة الاقتراض، مما يجعل السندات الجديدة تصدر بعوائد أعلى، فتنخفض أسعار السندات القديمة ذات العوائد الأقل. والعكس صحيح عندما يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنوك المركزية التأثير على أسواق السندات من خلال سياسات غير تقليدية مثل “التيسير الكمي” (Quantitative Easing). في إطار هذه السياسة، تقوم البنوك المركزية بشراء كميات كبيرة من السندات الحكومية (وأحياناً سندات أخرى) من السوق، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على هذه السندات وارتفاع أسعارها، وبالتالي انخفاض عوائدها. تهدف هذه السياسة عادة إلى ضخ السيولة في النظام المالي وتحفيز الإقراض والاستثمار خلال فترات الركود الاقتصادي أو الأزمات المالية، في المنطقة العربية، نرى أمثلة واضحة على تأثير قرارات البنوك المركزية:

  • في الإمارات العربية المتحدة، تماشى ارتفاع عائدات الأذونات النقدية (أدوات دين قصيرة الأجل يصدرها المصرف المركزي) مع ارتفاع أسعار الفائدة خلال عام 2023، مما يعكس انتقال تأثير السياسة النقدية إلى سوق الدين المحلي. المصرف المركزي الإماراتي يستخدم أدوات متنوعة لإدارة السيولة والتأثير على أسعار الفائدة بين البنوك.
  • في المملكة العربية السعودية، يقوم المركز الوطني لإدارة الدين بدور هام في تطوير استراتيجية الدين العام للمملكة وتنمية السوق المحلي لاستيعاب الإصدارات الحكومية وإصدارات القطاع الخاص، وذلك من خلال بناء منحنى عائد سيادي لمختلف آجال أدوات الدين. وتؤثر قرارات البنك المركزي السعودي (ساما) بشكل مباشر على استثمارات البنوك التجارية في سندات الخزانة الحكومية، والتي تشكل جزءاً كبيراً من أصولها.
  • في جمهورية مصر العربية، تؤثر قرارات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري بشأن أسعار الفائدة بشكل كبير على نتائج عطاءات أذون وسندات الخزانة التي تصدرها وزارة المالية، وعلى العوائد التي يحصل عليها المستثمرون في هذه الأدوات.
Advertisement

التصنيفات الائتمانية: كيف تقرأ بوصلة المخاطر والجدارة

تعتبر التصنيفات الائتمانية أداة هامة للمستثمرين في سوق السندات، حيث توفر تقييماً مستقلاً للجدارة الائتمانية لمُصدري السندات، سواء كانوا حكومات أو شركات. تقوم وكالات تصنيف ائتماني عالمية مرموقة، مثل “ستاندرد آند بورز” (Standard & Poor’s)، و”موديز” (Moody’s)، و”فيتش” (Fitch Ratings)، بإصدار هذه التصنيفات بناءً على تحليل شامل للوضع المالي والاقتصادي للمُصدر، وقدرته على الوفاء بالتزاماته المالية المتعلقة بالديون في الوقت المحدد.

يعكس التصنيف الائتماني، في جوهره، درجة المخاطرة المرتبطة بالاستثمار في سندات مُصدر معين، وتحديداً احتمالية تخلف هذا المُصدر عن سداد مدفوعات الفائدة أو أصل الدين. تُستخدم عادةً رموز حرفية للتعبير عن هذه التصنيفات، حيث تشير الرموز الأعلى (مثل AAA أو Aa1) إلى جدارة ائتمانية عالية جداً ومخاطر تخلف منخفضة للغاية. وعليه، فإن السندات الصادرة عن جهات ذات تصنيف ائتماني مرتفع تعتبر استثمارات آمنة نسبياً، وبالتالي فإنها تقدم عادةً عوائد (أسعار فائدة) أقل للمستثمرين.

في المقابل، تشير التصنيفات الائتمانية المنخفضة (مثل تلك التي تقع في فئة “درجة المضاربة” أو ما يُعرف بـ “السندات غير المرغوب فيها” أو Junk Bonds) إلى أن المُصدر يحمل درجة مخاطرة أعلى فيما يتعلق بقدرته على السداد. ولتعويض المستثمرين عن هذه المخاطر المتزايدة، تضطر هذه السندات إلى تقديم عوائد أعلى بكثير لجذبهم.

من المهم للمستثمرين متابعة التصنيفات الائتمانية للمُصدرين الذين يستثمرون في سنداتهم، وكذلك مراقبة أي تغييرات تطرأ على هذه التصنيفات. فقيام وكالة تصنيف بتخفيض التصنيف الائتماني لمُصدر ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض أسعار سنداته وارتفاع عوائدها، حيث يطالب السوق بعلاوة مخاطرة أعلى. وعلى العكس، فإن رفع التصنيف الائتماني يمكن أن يعزز الثقة في المُصدر ويؤدي إلى ارتفاع أسعار سنداته وانخفاض عوائدها.

ومع ذلك، من الضروري التأكيد على أن التصنيفات الائتمانية، رغم أهميتها الكبيرة، ليست الكلمة الفصل في اتخاذ قرار الاستثمار. فهي تقدم إطاراً مفيداً للتحليل، ولكنها قد تتأخر أحياناً في عكس التغيرات الحقيقية في الوضع المالي للمُصدر، أو قد تكون لها افتراضاتها ونماذجها التي لا تلتقط بالضرورة كافة جوانب المخاطرة أو الفرص، خاصة في الأسواق الناشئة. 

Advertisement

ففي سياق المنطقة العربية، التي تعتبر جزءاً من الأسواق الناشئة، قد تحمل بعض الإصدارات مخاطر أو فرصاً لا تعكسها النماذج القياسية لوكالات التصنيف بشكل كامل. لذا، يجب على المستثمر العربي، بالإضافة إلى الاعتماد على التصنيفات الائتمانية، أن يسعى لتطوير قدرته على التحليل المستقل، وأن يأخذ في الاعتبار العوامل المحلية الخاصة (كالاستقرار السياسي، والبيئة التنظيمية، والتوجهات الاجتماعية) التي قد لا تكون واضحة بنفس القدر للمحللين الدوليين. إن الفهم العميق للسياق المحلي، مقروناً بالاسترشاد بالتصنيفات الائتمانية، يمكن أن يؤدي إلى قرارات استثمارية أكثر حصافة.

عوامل الاقتصاد الكلي: التضخم، النمو، والاستقرار السياسي وتأثيرها

لا يمكن فصل أداء سوق السندات عن المؤشرات الاقتصادية الكلية للدولة أو المنطقة. فهذه العوامل تشكل الخلفية التي تعمل ضمنها أسواق الدين، وتؤثر بشكل كبير على قرارات المستثمرين وتوقعاتهم:

التضخم:

 يُعد التضخم، أي الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، من أبرز الأعداء للاستثمار في السندات ذات الدخل الثابت. فإذا كانت السندات تدفع كوبونات فائدة ثابتة، فإن ارتفاع معدل التضخم يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية لهذه المدفوعات، وكذلك القوة الشرائية للقيمة الاسمية التي سيستردها المستثمر عند الاستحقاق.

 هذا يعني أن العائد الحقيقي (العائد الاسمي مخصوماً منه معدل التضخم) الذي يحصل عليه المستثمر من السند قد ينخفض بشكل كبير، أو حتى يصبح سلبياً إذا تجاوز معدل التضخم عائد السند. ولمواجهة هذه المخاطر، يلجأ بعض المستثمرين إلى السندات المرتبطة بالتضخم (مثل TIPS)، التي يتم تعديل مدفوعاتها لتتماشى مع التغيرات في مستويات الأسعار.

Advertisement

النمو الاقتصادي: 

يؤثر النمو الاقتصادي على سوق السندات بطرق متعددة. فالنمو الاقتصادي القوي قد يؤدي إلى تحسن الأوضاع المالية للشركات، مما يقلل من مخاطر الائتمان المرتبطة بسنداتها ويزيد من جاذبيتها. من ناحية أخرى، قد يدفع النمو الاقتصادي القوي والمستدام البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بهدف كبح أي ضغوط تضخمية محتملة ناجمة عن زيادة الطلب، وهو ما قد يؤثر سلباً على أسعار السندات القائمة. وعلى العكس.

 خلال فترات الركود الاقتصادي أو التباطؤ، قد تلجأ البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي، مما يجعل السندات، وخاصة الحكومية منها، أكثر جاذبية كملاذ آمن للمستثمرين الباحثين عن الحفاظ على رأس المال.

الاستقرار السياسي والاقتصادي: 

يعتبر الاستقرار السياسي والاقتصادي عاملاً حاسماً في تقييم مخاطر السندات، وبشكل خاص السندات السيادية (الحكومية). فالدول التي تتمتع ببيئة سياسية مستقرة، ومؤسسات قوية، وسياسات اقتصادية رشيدة، تكون عادةً أكثر قدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية، وبالتالي فإن سنداتها تحمل مخاطر أقل وتجذب المستثمرين بعوائد معقولة. 

أما الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي، أو الصراعات الداخلية، أو السياسات الاقتصادية المتقلبة، فإنها تواجه عادةً صعوبة أكبر في جذب الاستثمارات، ويطالب المستثمرون بعلاوة مخاطرة أعلى (أي عوائد أعلى على السندات) لتعويضهم عن حالة عدم اليقين والمخاطر المتزايدة.

Advertisement

العرض والطلب: 

في نهاية المطاف، تخضع أسعار السندات، مثلها مثل أي أصل مالي آخر قابل للتداول، لقوى العرض والطلب في السوق. جانب العرض يتحدد بحجم حاجة جهات الإصدار (الحكومات والشركات) إلى التمويل، بينما يتحدد جانب الطلب بمدى جاذبية السند كاستثمار مقارنة بالفرص الاستثمارية البديلة المتاحة في السوق. وتلعب أسعار الفائدة السائدة دوراً حاسماً في تحديد توازن العرض والطلب هذا.

مخاطر الاستثمار في السندات – دليل المستثمر لتجنب المزالق

على الرغم من أن السندات غالباً ما تُعتبر استثماراً آمناً نسبياً مقارنة بالاستثمار في سوق الأسهم، إلا أنها لا تخلو من المخاطر. إن إدارة المخاطر في استثمارات السندات لا تعني بالضرورة تجنبها تماماً، بل تستلزم فهماً عميقاً لهذه المخاطر، وقياسها بدقة، ومواءمتها مع قدرة المستثمر على التحمل وأهدافه الاستثمارية. 

فكل استثمار يحمل في طياته درجة من المخاطرة ، والسندات، رغم سمعتها كملاذ آمن، ليست استثناءً. المستثمر الناجح هو الذي يحدد مستوى المخاطرة الذي يشعر بالارتياح تجاهه، ثم يستخدم الأدوات والاستراتيجيات المتاحة لإدارة هذه المخاطر بفعالية، بدلاً من السعي الوهمي للقضاء عليها تماماً.

مخاطر أسعار الفائدة (Interest Rate Risk):

Advertisement

 هي واحدة من أبرز المخاطر التي تواجه مستثمري السندات. تنشأ هذه المخاطر من احتمال ارتفاع أسعار الفائدة السائدة في السوق بعد قيام المستثمر بشراء السند. وكما أوضحنا سابقاً، توجد علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وأسعار السندات؛ فعندما ترتفع أسعار الفائدة، تنخفض القيمة السوقية للسندات القائمة. 

تكون السندات ذات آجال الاستحقاق الأطول أكثر حساسية لتقلبات أسعار الفائدة مقارنة بالسندات قصيرة الأجل. فإذا اضطر المستثمر لبيع سنده قبل تاريخ استحقاقه في بيئة تشهد ارتفاعاً في أسعار الفائدة، فقد يجد نفسه مضطراً للبيع بسعر أقل من سعر الشراء، مما يعرضه لخسارة رأسمالية.

مخاطر التضخم (Inflation Risk): 

تمثل هذه المخاطر تهديداً للقوة الشرائية للعوائد التي يحصل عليها مستثمر السندات. فإذا كان السند يدفع فائدة ثابتة، فإن ارتفاع معدل التضخم يؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية لهذه الفوائد، وكذلك القيمة الحقيقية للمبلغ الأصلي (القيمة الاسمية) الذي سيسترده المستثمر عند الاستحقاق. بمعنى آخر، إذا كان العائد الاسمي الذي يوفره السند أقل من معدل التضخم السائد، فإن العائد الحقيقي للمستثمر سيكون سلبياً، أي أن أمواله تفقد قيمتها بمرور الوقت.

مخاطر الائتمان (Credit Risk / Default Risk):

 تتعلق هذه المخاطر باحتمالية عدم قدرة مُصدر السند (سواء كان حكومة أو شركة) على الوفاء بالتزاماته المالية، أي عدم سداد مدفوعات الفائدة الدورية أو القيمة الاسمية للسند في مواعيدها المحددة. يُعرف هذا بالفشل في السداد أو التخلف عن السداد. تعتمد درجة هذه المخاطر بشكل كبير على الجدارة الائتمانية للمُصدر، والتي تقيمها وكالات التصنيف الائتماني. 

Advertisement

فالسندات الحكومية الصادرة عن دول ذات اقتصادات قوية ومستقرة تحمل عادةً مخاطر ائتمان منخفضة، بينما تكون سندات الشركات، وخاصة تلك المصنفة بدرجة “عالية العائد” أو “غير مرغوب فيها”، أكثر عرضة لمخاطر التخلف عن السداد. وفي أسوأ السيناريوهات، أي في حالة إفلاس جهة الإصدار، قد لا يتمكن المستثمرون من استرداد كامل أموالهم المستثمرة.

مخاطر السيولة (Liquidity Risk): 

تشير هذه المخاطر إلى الصعوبة التي قد يواجهها المستثمر في بيع سنده بسرعة في السوق الثانوية بسعر عادل، وذلك بسبب قلة المشترين المحتملين أو ضعف نشاط التداول على ذلك السند تحديداً. 

بعض أنواع السندات، خاصة تلك الصادرة عن شركات صغيرة أو ذات إصدارات محدودة الحجم، أو تلك التي لا يتم تداولها بنشاط في البورصات المنظمة، قد تكون أقل سيولة من غيرها. هذا يعني أن المستثمر قد يضطر إلى قبول سعر أقل من القيمة السوقية العادلة إذا كان بحاجة ماسة لبيع السند بسرعة.

مخاطر السوق (Market Risk): 

هي المخاطر العامة المرتبطة بالتقلبات التي تحدث في السوق المالي ككل، والتي يمكن أن تؤثر على أسعار السندات حتى لو لم تطرأ أي تغييرات جوهرية على الوضع المالي للمُصدر أو على أسعار الفائدة. تشمل هذه المخاطر عوامل مثل التغيرات في معنويات المستثمرين بشكل عام، أو الأحداث الاقتصادية الكلية غير المتوقعة (مثل الأزمات المالية أو الجيوسياسية)، أو الصدمات التي تؤثر على قطاعات معينة من السوق.

Advertisement

مخاطر إعادة الاستثمار (Reinvestment Risk): 

هي المخاطر التي يواجهها المستثمر عندما يحين تاريخ استحقاق سند يمتلكه، أو عندما يتم استدعاء السند (سداده) مبكراً من قبل المُصدر. في هذه الحالة، يتلقى المستثمر أصل المبلغ المستثمر (القيمة الاسمية)، ولكنه قد يجد نفسه مضطراً لإعادة استثمار هذه العائدات في بيئة تكون فيها أسعار الفائدة السائدة قد انخفضت. هذا يعني أنه سيحصل على عائد أقل على استثماره الجديد مقارنة بما كان يحصل عليه من السند الأصلي.

مخاطر الاستدعاء (Call Risk): 

تنطبق هذه المخاطر على أنواع معينة من السندات تُعرف بالسندات القابلة للاستدعاء (Callable Bonds). تمنح هذه الميزة المُصدر الحق في سداد السند قبل تاريخ استحقاقه الأصلي، وعادة ما يلجأ المُصدرون إلى استخدام هذا الحق عندما تنخفض أسعار الفائدة في السوق بشكل كبير عن سعر الفائدة الذي يدفعه السند القائم. هذا الاستدعاء المبكر يحرم المستثمر من مدفوعات الفائدة المستقبلية التي كان يتوقعها، ويجبره على البحث عن فرص استثمارية جديدة في بيئة قد تكون فيها العوائد المتاحة أقل جاذبية.

في سياق المنطقة العربية، قد تكون بعض المخاطر أكثر بروزاً في أسواق السندات الأقل تطوراً. على سبيل المثال، مخاطر السيولة قد تكون أعلى في بعض الأسواق التي لا تتمتع بنفس عمق وسيولة الأسواق العالمية المتقدمة. 

كما قد يوجد تركّز في الإصدارات من قبل قطاعات معينة (مثل قطاع العقارات أو الطاقة في بعض الدول) أو من قبل عدد محدود من المصدرين الكبار، مما يزيد من مخاطر التركز الجغرافي أو القطاعي. هذا يتطلب من المستثمر العربي أن يكون أكثر حذراً وانتقائية، وأن يولي اهتماماً خاصاً لتقييم سيولة السندات التي يختارها، وأن يسعى جاهداً لتحقيق التنويع في محفظته قدر الإمكان، ربما من خلال اللجوء إلى صناديق الاستثمار التي توفر تعرضاً أوسع وأكثر تنوعاً.

Advertisement

استراتيجيات التنويع وإدارة المخاطر في محافظ السندات:

للتخفيف من حدة هذه المخاطر، يمكن للمستثمرين اتباع مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى بناء محفظة سندات أكثر مرونة وقدرة على مواجهة تقلبات السوق:

التنويع (Diversification):

 هو المبدأ الأساسي في إدارة المخاطر، ويعني ببساطة “عدم وضع كل البيض في سلة واحدة”. يتم تحقيق التنويع في محافظ السندات من خلال توزيع الاستثمارات عبر مجموعة متنوعة من:

  1. أنواع السندات: مثل السندات الحكومية، وسندات الشركات، والصكوك الإسلامية.
  2. آجال الاستحقاق: من قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل.
  3. المُصدرين المختلفين: لتجنب التركز في جهة إصدار واحدة.
  4. القطاعات الاقتصادية المتنوعة: في حالة سندات الشركات.
  5. التصنيفات الائتمانية المختلفة: لتحقيق توازن بين المخاطر والعائد.
  6. المناطق الجغرافية: إذا كانت المحفظة تشمل سندات دولية. يساعد التنويع على تقليل المخاطر الكلية للمحفظة، حيث أن أداء الأنواع المختلفة من السندات قد يتباين في ظل ظروف السوق المختلفة، وبالتالي فإن الخسائر في جزء من المحفظة قد تعوضها مكاسب في جزء آخر.

مواءمة الأفق الزمني (Time Horizon Matching): 

Advertisement

يجب على المستثمر اختيار آجال استحقاق السندات التي تتناسب مع أهدافه المالية والأفق الزمني لاستثماراته. فإذا كان المستثمر بحاجة إلى الأموال في المستقبل القريب (مثلاً، خلال سنة أو سنتين)، فقد تكون السندات قصيرة الأجل هي الخيار الأنسب لتقليل التعرض لتقلبات أسعار الفائدة. أما إذا كان الأفق الزمني طويلاً (مثل الادخار للتقاعد)، فقد يكون من المناسب تضمين سندات طويلة الأجل التي تقدم عادةً عوائد أعلى.

استراتيجية سُلّم السندات (Bond Laddering):

 تتضمن هذه الاستراتيجية بناء محفظة من السندات ذات تواريخ استحقاق متتالية وموزعة على فترات زمنية منتظمة (مثلاً، سند يستحق كل سنة على مدى خمس سنوات). عندما يستحق أحد السندات في السلم، يمكن للمستثمر إعادة استثمار العائدات في سند جديد ذي أجل استحقاق أطول، ليحل محل السند الذي استحق في أعلى درجة من السلم. تساعد هذه الاستراتيجية في إدارة مخاطر أسعار الفائدة، حيث لا يتم استثمار كل الأموال في وقت واحد بأسعار فائدة سائدة واحدة، كما أنها توفر تدفقاً نقدياً منتظماً من السندات التي تستحق.

استراتيجية الباربل (Barbell Strategy):

 تقوم هذه الاستراتيجية على تركيز الاستثمارات في طرفي منحنى العائد، أي في السندات قصيرة الأجل جداً (التي توفر السيولة وتقلل مخاطر أسعار الفائدة) وفي السندات طويلة الأجل جداً (التي تقدم عوائد أعلى)، مع تجنب أو تقليل الاستثمار في السندات متوسطة الأجل.

فهم العلاقة بين المخاطرة والعائد (Risk-Return Tradeoff):

Advertisement

 يجب على المستثمر أن يتقبل الحقيقة الأساسية في عالم الاستثمار، وهي أن العوائد الأعلى تأتي عادةً مصحوبة بمخاطر أعلى. فلا يمكن توقع تحقيق عوائد مرتفعة جداً دون تحمل درجة معينة من المخاطرة. الهدف هو إيجاد التوازن المناسب الذي يتوافق مع قدرة المستثمر على تحمل المخاطر وأهدافه المالية.

الاستثمار العملي في السندات – خطواتك نحو بناء محفظة دخل ثابت في العالم العربي

إن الانتقال من فهم ماهية السندات ومخاطرها إلى البدء الفعلي في الاستثمار فيها يتطلب اتباع نهج منظم ومدروس. فمع تطور الأسواق المالية في المنطقة العربية، وتعدد قنوات الاستثمار المتاحة، أصبح من الضروري على المستثمر، وخاصة المبتدئ، أن يكون على وعي بالخطوات العملية التي يجب اتخاذها، وأن يختار القناة الاستثمارية الأنسب لاحتياجاته وقدراته وتكاليفه.

تحديد الأهداف الاستثمارية وتقييم القدرة على تحمل المخاطر:

قبل الغوص في عالم السندات، يجب على كل مستثمر أن يتوقف لحظة ليجيب عن سؤالين جوهريين: لماذا أريد أن أستثمر؟ وما هو مدى استعدادي لتحمل المخاطر؟

تحديد الأهداف الاستثمارية:

Advertisement

 الخطوة الأولى والأساسية هي تحديد الغاية من الاستثمار. هل الهدف هو الحفاظ على رأس المال وتجنب تآكله بسبب التضخم؟ أم توليد دخل ثابت ومنتظم لتغطية نفقات معيشية أو تحقيق أهداف مالية قصيرة الأجل؟

 أم أن الهدف هو الادخار طويل الأجل للتقاعد أو لتمويل تعليم الأبناء؟ إن وضوح الأهداف يساعد المستثمر على البقاء مركزاً ومتحفزاً، خاصة خلال فترات تقلبات السوق، ويعمل كبوصلة توجه قراراته الاستثمارية وتساعده على قياس مدى التقدم الذي يحققه.

تقييم القدرة على تحمل المخاطر: 

كل استثمار يحمل درجة من المخاطرة، والقدرة على التعامل مع هذه المخاطر تختلف من شخص لآخر. تتأثر هذه القدرة بعوامل متعددة مثل عمر المستثمر (فالمستثمر الشاب قد يكون أكثر استعداداً لتحمل مخاطر أعلى من المستثمر المتقاعد)، ومستوى دخله واستقراره المالي، وحجم التزاماته المالية، وأهدافه الاستثمارية، وحتى سماته الشخصية. عادةً ما يصنف المستثمرون إلى ثلاث فئات رئيسية بناءً على مدى تحملهم للمخاطر :

  1. المستثمر المحافظ: يفضل الاستقرار والأمان على إمكانية تحقيق عوائد استثمارية مرتفعة. يميل هذا النوع من المستثمرين إلى تخصيص جزء أكبر من محفظته للسندات (مثلاً، 60% سندات و40% أسهم).
  2. المستثمر المعتدل (الحذر): يسعى لتحقيق توازن بين الاستقرار النسبي وإمكانية تحقيق عوائد أعلى. قد يخصص هذا المستثمر جزءاً متساوياً أو متقارباً لكل من السندات والأسهم (مثلاً، 40% سندات و60% أسهم).
  3. المستثمر الجريء (المغامر): يشعر بالراحة مع فكرة التعامل مع مخاطر كبيرة نسبياً، ويأمل في تحقيق عوائد مرتفعة جداً. يميل هذا المستثمر إلى تخصيص جزء أكبر من محفظته للأسهم والأصول عالية المخاطر (مثلاً، 20% سندات و80% أسهم).
  4.  إن تحديد مستوى تحمل المخاطر سيؤثر بشكل مباشر على أنواع السندات التي قد يختارها المستثمر (فالسندات الحكومية عالية الجودة تناسب المحافظين، بينما قد يفكر المستثمرون الأكثر جرأة في سندات الشركات عالية العائد).

تحديد الميزانية المخصصة للاستثمار:

Advertisement

 بعد تحديد الأهداف وتقييم القدرة على تحمل المخاطر، تأتي خطوة تحديد المبلغ الذي يمكن للمستثمر تخصيصه للاستثمار في السندات، سواء كان مبلغاً مقطوعاً أو مبالغ دورية منتظمة. لا يشترط البدء بمبالغ كبيرة؛ فحتى المبالغ الصغيرة التي يتم استثمارها بانتظام يمكن أن تنمو بشكل كبير بمرور الوقت بفضل قوة الفائدة المركبة.

كيفية شراء السندات والصكوك للأفراد في الأسواق العربية (نظرة عامة على الآليات):

تتعدد الطرق التي يمكن للأفراد من خلالها شراء السندات والصكوك في الأسواق العربية، ويعتمد ذلك على الدولة والوسيط المالي ونوع السند. بشكل عام، يمكن تلخيص الآليات الرئيسية في الآتي:

الشراء المباشر للسندات والصكوك الفردية:

  • يتم ذلك عادةً من خلال البنوك وشركات الوساطة المالية المرخصة. يمكن للمستثمر فتح حساب استثماري لدى هذه المؤسسات، ومن ثم تقديم أوامر لشراء السندات أو الصكوك التي يرغب فيها.
  • في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر الحصول على كود موحد للتداول في البورصة، كما هو الحال في مصر عند الاستثمار في الأوراق المالية الحكومية.
  • يمكن الشراء إما من السوق الأولية (أي عند طرح السندات أو الصكوك للاكتتاب العام لأول مرة من قبل المُصدر)، أو من السوق الثانوية (أي شراء السندات أو الصكوك من مستثمرين آخرين يمتلكونها ويرغبون في بيعها قبل تاريخ الاستحقاق، وذلك من خلال منصات التداول أو الوسطاء).
  • في المملكة العربية السعودية: توفر “تداول السعودية” إمكانية تداول الصكوك والسندات المدرجة، كما توفر إمكانية التداول المباشر من خلال السوق الموازية (OTC) للصكوك والسندات المعروضة من خلال طرح خاص. وتقدم شركات وساطة مثل “دراية المالية” منصات لتداول هذه الأدوات للأفراد.
  • في جمهورية مصر العربية: يمكن للأفراد شراء أذون وسندات الخزانة الحكومية من خلال البنوك العاملة في مصر، مثل البنك الأهلي المصري وبنك أبوظبي التجاري – مصر. الحد الأدنى للاستثمار في السندات الحكومية قد يبدأ من 1,000 جنيه مصري ، بينما يبدأ الحد الأدنى للاستثمار في أذون الخزانة عادة من 25,000 جنيه مصري ومضاعفاتها.
  • في الإمارات العربية المتحدة: يوفر بنك الإمارات دبي الوطني، على سبيل المثال، تطبيق ENBD X الذي يتيح لعملائه الاستثمار في السندات والصكوك بسهولة عبر الهاتف المتحرك.
  • الحد الأدنى للاستثمار: يختلف الحد الأدنى المطلوب للاستثمار في السندات والصكوك بشكل كبير اعتماداً على نوع الأداة، وجهة الإصدار، والوسيط المالي الذي يتم التعامل معه. فبينما قد يكون منخفضاً لبعض السندات الحكومية الموجهة للأفراد، قد يكون مرتفعاً لإصدارات أخرى موجهة للمؤسسات.

صناديق الاستثمار المتداولة في السندات (Bond ETFs) وصناديق الاستثمار المشتركة:

Advertisement

تعتبر صناديق الاستثمار، سواء كانت متداولة في البورصة (ETFs) أو صناديق مشتركة تقليدية، وسيلة شائعة ومناسبة للعديد من المستثمرين، وخاصة المبتدئين، للوصول إلى سوق السندات.

صناديق المؤشرات المتداولة في السندات (Bond ETFs):

 هي صناديق استثمارية تهدف إلى تتبع أداء مؤشر معين للسندات (مثل مؤشر لسندات حكومية ذات أجل معين، أو مؤشر لسندات شركات ذات تصنيف ائتماني محدد)، أو تهدف إلى الاستثمار في سلة متنوعة من السندات يتم اختيارها وفقاً لاستراتيجية محددة. يتم تداول وحدات هذه الصناديق في البورصة تماماً مثل الأسهم، مما يوفر لها سيولة عالية.

المزايا الرئيسية لصناديق السندات المتداولة (ETFs):

  • التنويع الفوري: بمجرد شراء وحدة واحدة من صندوق ETF للسندات، يحصل المستثمر على تعرض لسلة متنوعة من السندات المختلفة، مما يساعد على توزيع المخاطر بشكل فعال دون الحاجة لشراء كل سند على حدة.
  • السيولة العالية: يمكن شراء وبيع وحدات ETFs بسهولة خلال ساعات عمل البورصة بأسعار السوق السائدة، مما يوفر مرونة للمستثمرين.
  • التكاليف المنخفضة نسبياً: تميل رسوم الإدارة (نسبة المصروفات) لصناديق ETFs إلى أن تكون أقل مقارنة بصناديق الاستثمار التقليدية التي تدار بنشاط
  • الشفافية: عادةً ما يتم الكشف عن مكونات محفظة الصندوق (أي السندات التي يستثمر فيها) بشكل منتظم (يومي أو أسبوعي)، مما يسمح للمستثمرين بمعرفة أين تستثمر أموالهم.
  • سهولة الوصول: توفر صناديق ETFs طريقة ميسرة للاستثمار في مجموعة واسعة من أسواق السندات، بما في ذلك السندات الحكومية، وسندات الشركات، والسندات الدولية، والصكوك، وغيرها، والتي قد يكون من الصعب على المستثمر الفردي الوصول إليها مباشرة.

العيوب المحتملة لصناديق السندات المتداولة (ETFs):

Advertisement
  • قد تنطوي على عمولات تداول عند شراء وبيع الوحدات من خلال الوسيط المالي.
  • تخضع أسعار وحداتها لتقلبات أسعار السوق تماماً مثل السندات الفردية، وتتأثر بعوامل مثل أسعار الفائدة والتصنيفات الائتمانية.
  • أداء الصندوق يعتمد بشكل كبير على أداء المؤشر الذي يتتبعه (في حالة الصناديق السلبية)، وقد لا يتمكن الصندوق من التفوق على أداء السوق بشكل كبير.

صناديق الاستثمار المشتركة في السندات:

 هي صناديق استثمارية تقليدية تجمع أموالاً من عدة مستثمرين لاستثمارها في محفظة متنوعة من السندات. يدير هذه الصناديق مديرو صناديق محترفون يتخذون قرارات الاستثمار نيابة عن المستثمرين. 

قد تكون هذه الصناديق مُدارة بنشاط (حيث يحاول مدير الصندوق تحقيق أداء أفضل من مؤشر معين من خلال اختيار السندات وتوقيت الدخول والخروج)، أو مُدارة بشكل سلبي (حيث تهدف إلى تتبع أداء مؤشر معين بأقل تكلفة ممكنة). قد تكون تكاليف صناديق الاستثمار المشتركة، خاصة تلك المدارة بنشاط، أعلى من تكاليف صناديق ETFs.

إن الاختيار بين الاستثمار المباشر في السندات الفردية والاستثمار من خلال صناديق السندات (سواء ETFs أو صناديق مشتركة) يعتمد على عدة عوامل، منها حجم رأس مال المستثمر، ومستوى خبرته ومعرفته بأسواق السندات، والوقت الذي يمكنه تخصيصه لإدارة استثماراته، ورغبته في تحقيق التنويع.

وجه المقارنةالاستثمار المباشر في السنداتصناديق السندات المتداولة (ETFs)
مستوى التنويعيتطلب شراء عدد كبير من السندات المختلفة لتحقيق تنويع جيد، وهو ما قد يكون مكلفاً وصعباً للأفراد.يوفر تنويعاً فورياً ومدمجاً من خلال شراء وحدة واحدة.
السيولةقد تكون سيولة بعض السندات الفردية منخفضة، خاصة إذا لم تكن متداولة بنشاط.تتمتع بسيولة عالية، حيث يمكن تداول وحداتها في البورصة بسهولة خلال ساعات العمل.
التكلفة (العمولات والرسوم)قد تشمل عمولات وساطة عند الشراء والبيع، ورسوم حفظ.تشمل عمولات وساطة عند تداول الوحدات، بالإضافة إلى نسبة مصروفات سنوية (عادة منخفضة).
الحد الأدنى للاستثمارقد يكون مرتفعاً لبعض الإصدارات، خاصة في السوق الأولية.يمكن البدء بمبالغ صغيرة نسبياً (سعر وحدة واحدة).
سهولة الإدارةيتطلب بحثاً وتحليلاً مستمراً لاختيار السندات الفردية ومتابعتها.أسهل في الإدارة، حيث يقوم مدير الصندوق (أو المؤشر) باختيار السندات وإدارة المحفظة.
الشفافيةتعتمد على مدى توفر المعلومات عن المُصدر والسند.عالية نسبياً، حيث يتم الكشف عن مكونات الصندوق بانتظام.
التحكم في اختيار السنداتتحكم كامل للمستثمر في اختيار السندات الفردية التي يرغب في الاستثمار فيها.تحكم محدود، حيث يستثمر الصندوق في سلة محددة من السندات وفقاً لاستراتيجيته أو المؤشر الذي يتبعه.

دور التكنولوجيا المالية (الفنتك) في تيسير الوصول إلى أسواق السندات:

Advertisement

تلعب التكنولوجيا المالية، أو ما يُعرف بـ “الفنتك” (FinTech)، دوراً متزايد الأهمية في تغيير الطريقة التي يتعامل بها الأفراد والمؤسسات مع الخدمات المالية، بما في ذلك الاستثمار في السندات. تساهم الفنتك في تيسير الوصول إلى أسواق السندات من خلال عدة طرق :

  • منصات التداول الرقمية: أتاحت العديد من شركات الفنتك منصات تداول عبر الإنترنت وتطبيقات للهواتف الذكية تمكن المستثمرين الأفراد من فتح حسابات استثمارية، والوصول إلى معلومات السوق، وتقديم أوامر شراء وبيع للسندات وصناديق ETFs بسهولة وبتكاليف أقل مقارنة بالوسطاء التقليديين.
  • المستشارون الآليون (Robo-advisors): هي منصات استثمار آلية تستخدم خوارزميات لتقديم توصيات استثمارية مخصصة بناءً على أهداف المستثمر وقدرته على تحمل المخاطر. يمكن لهذه المنصات بناء محافظ استثمارية متنوعة تشمل السندات وصناديق ETFs، وإدارتها بشكل آلي بتكاليف منخفضة.
  • تيسير الوصول إلى أدوات الدين للشركات الصغيرة والمتوسطة: بدأت بعض منصات الفنتك في تقديم حلول لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال أدوات الدين، مثل منصات التمويل الجماعي بالدين (Debt Crowdfunding) أو منصات طرح الصكوك المصغرة. هذا يفتح قنوات استثمارية جديدة للأفراد المهتمين بدعم هذه الش сегмент من الاقتصاد، مع إمكانية تحقيق عوائد مجزية.
  • تحسين خدمات المعاملات المالية: بشكل عام، تساهم الفنتك في تحسين كفاءة وسرعة وأمان المعاملات المالية المتعلقة بالاستثمار، مثل تحويل الأموال وتسوية الصفقات.
  • التمويل الإسلامي: في المنطقة العربية، هناك اهتمام خاص بتطوير حلول الفنتك التي تخدم قطاع التمويل الإسلامي، بما في ذلك تيسير الاستثمار في الصكوك والأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

إن التكنولوجيا المالية تحمل وعداً كبيراً بـ “دمقرطة” الوصول إلى استثمارات السندات في المنطقة، أي جعلها متاحة لشريحة أوسع من المستثمرين، وليس فقط للمؤسسات الكبيرة أو الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية. ومع ذلك، فإن هذا التطور السريع يحمل معه أيضاً تحديات تنظيمية تتعلق بحماية المستثمر، وأمن البيانات، وضمان شفافية الخدمات المقدمة. لذا، هناك حاجة مستمرة لتحقيق توازن دقيق بين تشجيع الابتكار في مجال الفنتك وضمان وجود أطر تنظيمية قوية تحمي مصالح المستثمرين وتحافظ على استقرار الأسواق المالية.

آفاق أسواق السندات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – نظرة تحليلية لعام 2025 وما بعده

تشهد أسواق الدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرحلة تحول وتطور ملحوظة، مدفوعة بمجموعة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية. إن فهم الاتجاهات الحالية والتوقعات المستقبلية لهذه الأسواق يعتبر أمراً بالغ الأهمية للمستثمرين الذين يتطلعون إلى اقتناص الفرص وإدارة المخاطر بفعالية في هذا الجزء الحيوي من الاقتصاد العالمي. لم تعد أسواق الدين العربية مجرد آلية لسد العجز المؤقت في الميزانيات الحكومية، بل أصبحت أداة استراتيجية لتمويل خطط التحول الاقتصادي الطموحة، وتعميق القطاع المالي، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد التقليدي على الموارد الطبيعية.

اتجاهات النمو والتطور في أسواق الدين الإقليمية (الخليج، الشام، شمال إفريقيا):

Advertisement

بشكل عام، من المتوقع أن يواصل سوق الدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مسار النمو خلال عام 2025 وما بعده. هذا النمو مدفوع بشكل أساسي بالحاجة المتزايدة للحكومات لتمويل مشاريعها التنموية الطموحة، وتنويع اقتصاداتها، وتلبية متطلبات الإنفاق العام. كما أن الشركات الكبرى في المنطقة تسعى بشكل متزايد إلى أسواق الدين لتنويع مصادر تمويلها وتلبية احتياجاتها الرأسمالية.

منطقة الخليج العربي:

تعتبر دول الخليج المحرك الرئيسي لنمو سوق الدين في المنطقة. فقد تجاوز حجم سوق الدين في دول مجلس التعاون الخليجي حاجز التريليون دولار أمريكي بنهاية شهر يناير 2025، محققاً زيادة سنوية ملحوظة بلغت 10%. وتشير التوقعات إلى أن بنوك المنطقة قد تصدر ديوناً بأكثر من 30 مليار دولار أمريكي خلال عام 2025 وحده. ويلاحظ أن إصدارات الصكوك الإسلامية تحظى بطلب قوي ومتزايد في هذه الأسواق، مدعومة بالسيولة الإقليمية والاهتمام المتنامي بالتمويل المتوافق مع الشريعة.

المملكة العربية السعودية:

 تشهد المملكة نشاطاً لافتاً في سوق الصكوك والسندات. فقد بلغ إجمالي قيمة إصدارات الصكوك والسندات المدرجة في السوق السعودية نحو 642 مليار ريال سعودي بنهاية الربع الأول من عام 2025، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1.3% مقارنة بالربع الذي سبقه. وتشكل الصكوك والسندات الحكومية ما نسبته 97.4% من هذا الإجمالي الضخم. 

كما ارتفعت استثمارات البنوك السعودية في سندات الخزانة الحكومية لتصل إلى 617 مليار ريال سعودي في أبريل 2025. وحتى شهر يونيو 2025، أصدرت الحكومة والشركات السعودية سندات بقيمة إجمالية بلغت 54.3 مليار دولار أمريكي في أسواق الدين العالمية والمحلية. هذا النشاط يعكس سعي المملكة لتمويل مشاريع “رؤية 2030” وتنويع اقتصادها.

Advertisement

الإمارات العربية المتحدة:

 من المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة الإمارات نمواً قوياً يصل إلى 6.0% في عام 2025، مدعوماً باستقرار إنتاج النفط واستمرار النمو في القطاع غير النفطي.

 ويتوقع المصرف المركزي الإماراتي ارتفاع معدل التضخم إلى 2.2% في عام 2024، وهو ما يظل أقل من المتوسط العالمي، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار السلع العالمية والانخفاض المتوقع لقيمة الدولار الأمريكي. وتعتبر أسواق الأوراق المالية في أبوظبي ودبي منصات نشطة لتداول السندات والصكوك.

منطقة شمال إفريقيا:

جمهورية مصر العربية: 

يظل سوق الدين الحكومي المصري نشطاً. ففي أكتوبر 2024، قبل البنك المركزي المصري عطاءات على سندات خزانة بقيمة إجمالية بلغت 51.130 مليار جنيه مصري، وذلك بمتوسط سعر فائدة مرجح بلغ 24.458%. ومع ذلك، لوحظ أن تراجع العائد على أذون الخزانة قد أثر على أرباح البنوك المصرية خلال الربع الأول من عام 2025. 

Advertisement

تتطلع الحكومة المصرية لجذب استثمارات أجنبية بقيمة 12 مليار دولار أمريكي بنهاية العام المالي 2024/2025، وهو ما قد يتضمن تدفقات إلى سوق الدين.

المملكة المغربية: 

برزت تجربة مدينة أكادير في إصدار سندات بلدية بقيمة 100 مليون دولار أمريكي في عام 2022، وهي تخطط لإصدار سندات خضراء في عام 2025 لتمويل جزء من موازنتها. كما سجلت الصناديق الاستثمارية المغربية أداءً جيداً، مما يعكس تطور السوق المالي المحلي.

منطقة الشام:

المملكة الأردنية الهاشمية:

 واجه الأردن تحديات تتعلق بارتفاع الدين العام، الذي بلغ 43.4 مليار دينار أردني (حوالي 61.23 مليار دولار أمريكي) بنهاية شهر أغسطس 2024، وهو ما يعادل حوالي 116.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، أصدرت الحكومة الأردنية سندات وأذونات خزانة بقيمة 3.802 مليار دينار أردني. 

Advertisement

يقوم البنك المركزي الأردني بنشر بيانات منتظمة حول إصدارات أدوات الدين العام، وتشير أحدث البيانات لعام 2025 إلى إصدارات جديدة بآجال استحقاق متنوعة وأسعار فائدة تتراوح بشكل عام بين 6% و7%.

أبرز الإصدارات الحديثة والتوجهات الاستثمارية:

تشير البيانات المجمعة إلى توجه متزايد نحو إصدارات الصكوك الإسلامية، خاصة في دول الخليج، وكذلك اهتمام متنام بإصدار السندات الخضراء والمستدامة التي تهدف إلى تمويل مشاريع صديقة للبيئة أو ذات أثر اجتماعي إيجابي. هذا يعكس التزاماً متزايداً من قبل دول المنطقة بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)، وهو ما يساهم في توسيع قاعدة المستثمرين المهتمين بهذه الأدوات. كما أن هناك اعتماداً متزايداً على أسواق الدين المحلية والدولية لتلبية احتياجات التمويل المتنوعة.

الفرص والتحديات أمام المستثمرين في السندات بالمنطقة:

يوفر سوق السندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجموعة من الفرص والتحديات للمستثمرين:

الفرص:

Advertisement
  • عوائد جذابة: في بعض الحالات، قد تقدم السندات الصادرة في المنطقة، خاصة سندات الشركات عالية العائد أو تلك الصادرة عن اقتصادات نامية ذات آفاق نمو واعدة، عوائد قد تكون أكثر جاذبية مقارنة بالعوائد المتاحة في الأسواق المتقدمة التي تشهد أسعار فائدة منخفضة تاريخياً (وإن كانت قد ارتفعت مؤخراً).
  • المساهمة في التنمية: يوفر الاستثمار في السندات، خاصة الحكومية منها أو تلك الموجهة لتمويل مشاريع محددة، فرصة للمستثمرين للمساهمة في تمويل مشاريع تنموية واعدة تدعم النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي في المنطقة.
  • تطور الأسواق وتنويع الخيارات: مع استمرار تطور أسواق الدين في المنطقة، يتوقع أن تتوفر للمستثمرين خيارات أكثر تنوعاً من حيث أنواع السندات، وآجال الاستحقاق، والقطاعات، والمُصدرين، مما يتيح فرصاً أفضل لبناء محافظ استثمارية متوازنة.

التحديات:

  • تقلبات أسعار الفائدة العالمية: تظل أسواق الدين في المنطقة، شأنها شأن بقية الأسواق الناشئة، عرضة لتأثير تقلبات أسعار الفائدة العالمية، وخاصة قرارات السياسة النقدية الصادرة عن البنوك المركزية الكبرى كاحتياطي النقد الفيدرالي الأمريكي.
  • مخاطر التضخم: يشكل التضخم تحدياً عالمياً، ويمكن أن يؤثر على العوائد الحقيقية للاستثمار في السندات إذا لم تكن أسعار الفائدة الاسمية مرتفعة بما يكفي لتعويضه.
  • المخاطر الجيوسياسية: تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوجود بعض التوترات الجيوسياسية التي يمكن أن تؤثر على معنويات المستثمرين وتزيد من علاوات المخاطرة المطلوبة.
  • محدودية السيولة: في بعض شرائح سوق السندات أو لبعض الإصدارات الأقل حجماً أو الأقل تداولاً، قد تكون السيولة محدودة، مما يجعل من الصعب على المستثمرين بيع ممتلكاتهم بسرعة وبسعر عادل.
  • الحاجة إلى مزيد من الشفافية وتطوير البنية التحتية: رغم التطورات الإيجابية، لا تزال بعض أسواق الدين في المنطقة بحاجة إلى مزيد من الشفافية في الإفصاحات، وتطوير البنية التحتية للسوق (مثل أنظمة التسوية والمقاصة)، وتعزيز الأطر التنظيمية لحماية المستثمرين.
  • توقعات النمو الاقتصادي: أشار صندوق النقد الدولي في توقعاته لشهر أبريل إلى أن نمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد يبلغ 2.6% في عام 2024 و3.4% في عام 2025، وهو ما يمثل خفضاً عن تقديراته السابقة، مما قد يؤثر على قدرة بعض المُصدرين على خدمة ديونهم.

على الرغم من النمو المتوقع، ستظل أسواق السندات في المنطقة متأثرة بشدة بالديناميكيات العالمية، مثل اتجاهات أسعار الفائدة العالمية وشهية المخاطرة لدى المستثمرين الدوليين. هذا الارتباط، خاصة وأن العديد من عملات المنطقة مرتبطة بالدولار الأمريكي مما يجعل سياسات الفيدرالي الأمريكي شديدة التأثير، يعني أن تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، بما فيها أسواق المنطقة، ستظل حساسة للتغيرات في هذه العوامل. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال تأثير العوامل الجيوسياسية الإقليمية التي يمكن أن تزيد من علاوة المخاطرة المطلوبة من قبل المستثمرين. لذلك، لا يمكن للمستثمر العربي الاعتماد على النمو العام للسوق فقط، بل يجب أن يكون انتقائياً في اختيار السندات التي يستثمر فيها، وأن يولي اهتماماً كبيراً لاستراتيجيات التنويع وإدارة المخاطر، والتحوط عند اللزوم، لضمان حماية رأس ماله وتحقيق أهدافه الاستثمارية.

السندات في سياق الاستراتيجية الاستثمارية الشاملة – رؤية للمستقبل

إن عالم السندات، كما استعرضنا في هذا التقرير، ليس مجرد مجموعة من الأرقام والعوائد المالية، بل هو نسيج معقد تتشابك خيوطه بين مؤشرات الاقتصاد الكلي وقرارات السياسات النقدية، وبين طموحات التنمية الاقتصادية وتحديات إدارة المخاطر. وفي منطقة كالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تمر اقتصاداتها بمخاض تحولات هيكلية عميقة وسعي دؤوب نحو التنويع والنمو المستدام، يصبح فهم ديناميكيات سوق السندات ليس فقط حكراً على المختصين والخبراء الماليين، بل ضرورة ملحة للمواطن العادي والمستثمر الذي يسعى لتأمين مستقبله المالي في عالم يزداد تعقيداً وغموضاً يوماً بعد يوم.

Advertisement

لا يمكن، بأي حال من الأحوال، النظر إلى السندات بمعزل عن بقية فئات الأصول الاستثمارية. فهي تلعب دوراً محورياً وحيوياً في تحقيق التوازن المنشود في المحافظ الاستثمارية، وفي توفير تدفقات دخل يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، وفي تقليل درجة التقلبات الكلية التي قد تتعرض لها المحفظة نتيجة لتقلبات أسواق الأسهم أو غيرها من الأصول الأكثر مخاطرة. ولكن، كما أن لكل دواء أعراضه الجانبية، فإن لكل استثمار مخاطره الكامنة. والاعتقاد السائد بأن السندات هي “ملاذ آمن” بشكل مطلق هو وهم قد يكون مكلفاً، خاصة في بيئة اقتصادية عالمية تتسم بارتفاع معدلات التضخم وتقلب أسعار الفائدة بشكل غير مسبوق في بعض الأحيان.

إن التحدي الحقيقي الذي يواجه المستثمر العربي اليوم، سواء كان فرداً أو مؤسسة، لا يكمن فقط في عملية اختيار السند أو الصك المناسب الذي يتوافق مع أهدافه، بل يتجاوز ذلك ليشمل بناء استراتيجية استثمارية شاملة ومتكاملة. هذه الاستراتيجية يجب أن تأخذ في الاعتبار الأهداف المالية الفردية للمستثمر، وقدرته الفعلية على تحمل المخاطر، والأفق الزمني المحدد لاستثماراته، والسياق الاقتصادي الأوسع الذي تعمل ضمنه هذه الأدوات المالية.

إن أسواق المال، وأسواق السندات جزء لا يتجزأ منها، هي أشبه بالكائنات الحية التي تتطور وتتغير باستمرار. فما كان يعتبر استثماراً جيداً ومجزياً بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم أو في المستقبل. لذا، فإن التعلم المستمر، والمتابعة الحثيثة للتطورات الاقتصادية والمالية على الصعيدين المحلي والدولي، والقدرة على التحليل النقدي والموضوعي للمعلومات المتاحة، هي أدوات لا غنى عنها لأي مستثمر يسعى لتحقيق النجاح والاستدامة في استثماراته. لا توجد وصفات سحرية أو طرق مختصرة في عالم الاستثمار؛ فالنجاح هو نتاج البحث الدؤوب، والفهم العميق، والقرارات المدروسة القائمة على الحقائق والأرقام، وليس على العواطف المتأرجحة أو الشائعات غير الموثوقة.

إن مستقبل الاستثمار في السندات بالمنطقة العربية يبدو واعداً، ولكنه مرهون بقدرة أسواقها على تعزيز مستويات الشفافية في كافة التعاملات، وتطوير بنيتها التحتية التكنولوجية والتنظيمية، وتوفير بيئة تشريعية تشجع على الابتكار وتحمي حقوق المستثمرين في آن واحد. فالثقة هي حجر الزاوية في أي سوق مالي ناجح، والشفافية في إصدارات السندات والبيانات المالية للمصدرين تعزز هذه الثقة. كما أن وجود بنية تحتية متطورة، تشمل منصات تداول فعالة وأنظمة تسوية ومقاصة آمنة، يساهم في تقليل التكاليف وزيادة كفاءة السوق وسيولته. والتنظيم الفعال يضمن حماية حقوق المستثمرين ويقلل من الممارسات الضارة، دون أن يخنق روح الابتكار، خاصة في ظل التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا المالية (الفنتك). إن التقدم الملموس في هذه المجالات سيجعل أسواق السندات العربية أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.

الخلاصة

وفي الختام، يجب على المستثمر العربي أن يدرك أن دوره لا يقتصر على كونه مجرد متلقٍ للفرص الاستثمارية التي تطرحها الأسواق، بل يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعه. وذلك من خلال توجيه استثماراته نحو الأدوات المالية، بما في ذلك السندات والصكوك، التي تدعم المشاريع المنتجة والمستدامة التي تخلق فرص عمل حقيقية وتساهم في تحقيق النمو الشامل.

Advertisement

الأسئلة الشائعة

ما الفرق بين السندات والأسهم؟

السندات تمثل قرضًا تقدمه للمؤسسة أو الحكومة، وتُمنح فائدة ثابتة في المقابل، دون أن تصبح مالكًا في الشركة. أما الأسهم فهي حصة ملكية في الشركة، وتحقق أرباحًا من توزيعات الأرباح أو زيادة سعر السهم. السندات أكثر أمانًا عادة، بينما الأسهم تحمل مخاطرة أعلى لكنها قد تحقق عوائد أكبر.

ما هي مخاطر السندات؟

من أبرز مخاطر السندات: خطر التخلف عن السداد إذا لم تتمكن الجهة المصدرة من رد المبلغ أو دفع الفوائد. هناك أيضًا مخاطر تغير أسعار الفائدة، حيث تنخفض قيمة السند إذا ارتفعت الفائدة في السوق. كما أن التضخم قد يؤثر على القوة الشرائية للعائد الثابت من السند.

ما هي عيوب السندات؟

Advertisement

العائد على السندات غالبًا ما يكون أقل من عوائد الأسهم، خاصة في الأسواق الصاعدة. كما أن السندات ذات العائد الثابت قد تفقد جاذبيتها في فترات التضخم المرتفع. بالإضافة إلى ذلك، لا تمنح السندات أي حقوق ملكية أو مشاركة في أرباح الشركة.