تستقبل صالات السينما في المملكة منذ 31 يوليو الماضي فيلم سوار الدرامي السعودي، والذي يتناول قصة حقيقية مؤثرة هزت المجتمع السعودي عام 2003، حين جرى تبديل طفلين حديثي الولادة بالخطأ في مستشفى الملك خالد بنجران.
الفيلم، من إخراج أسامة الخريجي في تجربته الإخراجية الطويلة الأولى، يروي تفاصيل الحادثة التي تم اكتشافها بعد أربع سنوات من وقوعها، عندما كشفت اختبارات الحمض النووي عن الخطأ المدمر الذي أدى لتبديل الطفل السعودي يعقوب محمد سالم آل منجم مع الطفل التركي علي يوسف أحمد جوجة.
من الواقع إلى الشاشة الكبيرة
تدور أحداث الفيلم حول القصة الحقيقية لعائلتين، إحداهما سعودية والأخرى تركية، اكتشفتا بعد سنوات أن أطفالهما تم تبديلهم عند الولادة في مستشفى بنجران عام 2003. وقد تصدرت هذه القضية عناوين الصحف آنذاك وأثارت جدلاً واسعاً في الرأي العام حول الإجراءات الطبية وحقوق المرضى.
المخرج أسامة الخريجي، الذي حصل على درجة الماجستير وعمل في مجال الإخراج والإنتاج منذ عام 2007، أكد أن الفيلم ينطلق من وجع حقيقي لا يزال حاضراً في وجدان السعوديين. وأوضح أن عنوان الفيلم مستوحى من السوار الطبي الذي يُوضع على معصم الطفل فور ولادته لضمان التعرف عليه، والذي قد يتحول إلى مصدر خطأ بشري قاتل.

بنية سينمائية متماسكة
يقسم «سوار» أحداثه إلى ثلاثة فصول درامية تطرح أسئلة عميقة حول الانتماء والعائلة والهوية. الفصل الأول يتناول لحظة الخطأ وتبديل الطفلين في المستشفى، والثاني يعرض سنوات التنشئة والتعلق العاطفي بالأسرة غير البيولوجية، أما الثالث فيستكشف اكتشاف الحقيقة وما يترتب عليه من اضطرابات نفسية وقانونية وعاطفية.
طاقم عمل متنوع
يضم الفيلم مجموعة من الممثلين السعوديين والأتراك، بطولة يوسف ديميروك، سارة البهكلي، علي آل شكوان، توجس يولكو، سيكان جينتش، وفهيد بن دمنان الذي يجسد شخصية حمد الأب السعودي. وقد تم تصوير جميع مشاهد الفيلم في منطقة العلا، مستفيداً من مناظرها الطبيعية الفريدة التي أضفت على العمل بُعداً بصرياً مميزاً.
الفيلم من إنتاج شركة «حكواتي إنترتينمنت» بالتعاون مع «فيلم العلا»، وقد واجه فريق الإنتاج تحديات كبيرة أثناء التصوير بين السعودية وتركيا. كشف المخرج الخريجي عن تأجيل التصوير في أنطاكيا التركية قبل أيام من الزلزال المدمر في فبراير 2023، واصفاً الأمر بأنه «نجاة بلطف إلهي»، مشيراً إلى أن بعض من عملوا معهم فقدوا حياتهم في الكارثة.
نجاح مهرجاني وجماهيري
اختير «سوار» لافتتاح الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية في أبريل 2025، ليكون أول فيلم روائي طويل يفتتح المهرجان في تاريخه. وقد حظي العمل بردود فعل إيجابية واسعة من النقاد والجمهور، حيث استقبله الحضور في العرض الافتتاحي بتفاعل ملحوظ.
يرى المخرج الخريجي في «سوار» نضجاً للسينما السعودية، حيث لم يعد الهدف فقط عرض فيلم، بل تقديم تجربة تبقى في الذاكرة وتترك أثراً عميقاً. وأكد أن الفيلم لا يسعى للتجميل، بل يعكس الصدق الفني والمشاعر العميقة، مع التركيز على تحريك المشاعر وطرح الأسئلة حول الهوية والانتماء دون تقديم إجابات جاهزة.
القضية الحقيقية والتداعيات
تعود تفاصيل القضية الأصلية إلى خطأ طبي وقع في مستشفى الملك خالد بنجران من قبل ممرضتين، ليعيش كل من الطفلين في كنف عائلة غير عائلته الحقيقية. وقد أمر العاهل السعودي الملك عبدالله في يناير 2013 بدفع مساعدة مالية قدرها 300 ألف ريال لكل من المواطن السعودي والمقيم التركي.
كما أصدرت المحكمة الكبرى بنجران صك إثبات نسب كل من الطفلين لعائلته الحقيقية، وأوضح رئيس المحكمة أن الصك تضمن وجود خطأ طبي واضح في تدوين أسماء الطفلين أثناء فترة الولادة.
يعيش الشاب السعودي يعقوب آل منجم حالياً في تركيا ويواصل دراسته الجامعية هناك، فيما يحتفظ بجنسيته التركية التي اكتسبها عند الولادة، بينما يحمل علي الجنسية السعودية. وترتبط العائلتان بعلاقة وثيقة، حيث أصبح الطفلان في قلوب الأسرتين مدى العمر كما عبر الأب التركي يوسف أجاويد.
رسالة سينمائية عميقة
يطرح فيلم «سوار» تساؤلات فلسفية عميقة حول ماهية الهوية، وما إذا كانت تولد مع الإنسان أم تشكلها البيئة التي يعيش فيها. كما يستكشف الفيلم الصراعات الشخصية والتحديات المجتمعية والروابط العاطفية العميقة التي تحدد العائلات.
وقد حقق الفيلم في أيامه الأولى من العرض مبيعات بلغت 12,825 تذكرة بإيرادات وصلت إلى 634,281 ريالاً، محتلاً المرتبة الحادية عشرة في شباك التذاكر السعودي خلال أول ثلاثة أيام من عرضه.
يمثل «سوار» محاولة جادة لتمكين القصة السعودية وإبراز تنوعها الثقافي والإنساني بلغة سينمائية خاصة، كما أكد المخرج الخريجي الذي دعا الجمهور لمشاهدة العمل السينمائي الذي يجمع بين الإبداع الفني والبعد الإنساني والاجتماعي.