أعلنت دار الأوبرا والباليه الملكية البريطانية إلغاء عرضها المخطط لأوبرا “توسكا” في تل أبيب عام 2026، استجابة لرسالة مفتوحة وقّع عليها 182 موظفاً انتقدوا صمت المؤسسة حيال الحرب في غزة وطالبوا بمقاطعة إسرائيل ثقافياً.
قرار الإلغاء والاعتراف بالضغط الداخلي
أبلغ الرئيس التنفيذي لدار الأوبرا والباليه الملكية البريطانية أليكس بيرد الموظفين في الأول من أغسطس الماضي بأن “المؤسسة اتخذت قراراً بعدم تقديم إنتاجها الجديد لأوبرا توسكا في إسرائيل”، كما أكدت منظمة “فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة”. حذف الموقع الإلكتروني للأوبرا الإسرائيلية جميع الإشارات إلى دار الأوبرا الملكية البريطانية عقب إعلان الإلغاء.
أكد بيرد في تصريح لصحيفة “الغارديان” أنه “مذعور من الأزمة في غزة ويدرك التأثير العاطفي العميق على مجتمع المؤسسة والمجتمع الأوسع”. أقر بيرد بتلقي الرسالة المفتوحة من الموظفين، معترفاً بأن القرار جاء استجابة للضغط الداخلي الواسع.
الرسالة المفتوحة وتفاصيل الاحتجاج
وقّع على الرسالة المفتوحة 182 موظفاً من مختلف أقسام المؤسسة، بينهم راقصون ومغنون وموسيقيون وطاقم من الأقسام الفنية والإبداعية والتقنية والإدارية. استخدم نحو 40 موقعاً أسماءهم الحقيقية، بينما وقّع الآخرون بأسماء مستعارة خوفاً من الانتقام، كما ذكرت الصحف البريطانية.
أعرب الموقعون في رسالتهم عن “قلق عميق واقتناع أخلاقي إزاء الإجراءات والقرارات الأخيرة التي اتخذتها دار الأوبرا والباليه الملكية في سياق الإبادة الجماعية المستمرة في غزة”. انتقدت الرسالة بشدة قرار المؤسسة السماح بعرض أوبرا “توراندوت” في الأوبرا الإسرائيلية، واصفة هذا القرار بأنه “انحياز متعمد، مادياً ورمزياً، لحكومة متورطة حالياً في جرائم ضد الإنسانية”.
إدانة سياسة التذاكر المجانية للجيش الإسرائيلي
سلطت الرسالة الضوء على سياسة الأوبرا الإسرائيلية في تقديم تذاكر مجانية لجنود الجيش الإسرائيلي في إطار مشروع “الأوبرا بالزي العسكري”. تنص هذه السياسة على أن “جنود الجيش الإسرائيلي يحمون أمننا كل يوم وكل ساعة، واعترافاً بعملهم، نحن سعداء لتوفير تجربة ثقافية غنية لهم”.
اعتبر الموظفون هذه السياسة دليلاً على أن “دار الأوبرا والباليه الملكية تتخذ موقفاً سياسياً قوياً من خلال السماح بعرض إنتاجها وملكيتها الفكرية في مكان يكافئ علناً ويشرّع القوات المسؤولة عن القتل اليومي للمدنيين في غزة”.
حادثة العلم الفلسطيني والتصعيد الداخلي
تزامن الاحتجاج مع الجدل الذي أثاره الفنان دانيال بيري عندما رفع علماً فلسطينياً خلال انحناءة الستار في عرض أوبرا “إل تروفاتور” في 19 يوليو الماضي. تدخل مدير الأوبرا في دار الأوبرا الملكية أوليفر ميرز لانتزاع العلم من بيري، مما أدى إلى مشادة قصيرة أمام الجمهور.
أفاد بيري لاحقاً أن ميرز قال له بعد إسدال الستار: “لن تعمل في دار الأوبرا مرة أخرى أبداً”. وصف الموظفون في رسالتهم تصرف ميرز بأنه “عرض علني للعدوانية” و”بيان سياسي صاخب أرسل رسالة واضحة بأن أي تضامن مرئي مع فلسطين سيُقابل بالعداء”.
مطالب الموظفين والانتقادات للازدواجية
طالب الموقعون بأربعة مطالب محددة: رفض العروض الحالية والمستقبلية في إسرائيل، الاعتراف العلني بالإبادة الجماعية في غزة، التضامن مع بيري، ومحاسبة ميرز على “تصرفه العدواني العلني”. لم تستجب إدارة دار الأوبرا لهذه المطالب الأربعة بشكل كامل، واكتفت بإلغاء عرض “توسكا” فقط.
انتقدت الرسالة الازدواجية في التعامل مع الأزمات الدولية، مقارنة بين الاستجابة السريعة للحرب في أوكرانيا والصمت حيال غزة. كتب الموظفون: “نظمنا حفلات لأوكرانيا، وعزفنا النشيد الوطني الأوكراني قبل العروض، ورفعنا العلم الأوكراني كبادرة تضامن مع شعبها. فهمنا آنذاك أن الصمت غير مقبول. لماذا الأمر مختلف الآن؟”.
ردود الفعل والسياق الأوسع
اعتبرت منظمة “فنانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة” هذا القرار “إنجازاً مرحباً به للمساءلة المؤسسية ونصراً للتنظيم الشعبي”، مؤكدة أن هذه هي المرة الأولى التي يتحرك فيها عمال إحدى أبرز المؤسسات الثقافية البريطانية بهذا العدد للمطالبة بإنهاء التواطؤ في جرائم الحرب.
جاء هذا القرار في سياق موجة أوسع من الاحتجاجات الثقافية في بريطانيا، حيث واجهت المؤسسات الثقافية ضغوطاً متزايدة للتخلي عن العلاقات مع إسرائيل بسبب الحرب في غزة. شهدت فعاليات ثقافية أخرى في بريطانيا مظاهرات مماثلة، بما في ذلك مهرجان غلاستونبري حيث قادت فرقة “بوب فيلان” هتافات “الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي”.
أعربت الأوبرا الإسرائيلية عن “أسفها الشديد” للقرار، كما نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، لكنها أكدت أنها ستواصل تقديم بديل لعرض “توسكا” كما هو مخطط. هذا القرار يمثل سابقة في عالم الثقافة البريطانية، حيث استجابت إدارة مؤسسة ثقافية كبرى بشكل فوري لضغط موظفيها بخصوص موقف سياسي مثير للجدل.