في عرضه العربي الأول… “فلسطين 36” يفتح دفاتر التاريخ على شاشة مهرجان البحر الأحمر

العرض العربي الأول لفيلم محاربة الصحراء في مهرجان البحر الأحمر يشكّل محطة بارزة، إذ يعيد قراءة معركة ذي قار برؤية سينمائية ملحمية تجمع التاريخ والدراما والبعد الإنساني.

فريق التحرير
فريق التحرير
فيلم فلسطين

ملخص المقال

إنتاج AI

يصل فيلم "فلسطين 36" لآن ماري جاسر إلى مهرجان البحر الأحمر، في عرض عربي أوّل، وهو يعود إلى جذور الصراع، ويركّز على الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، مُظهرًا أثر التحولات على الحياة اليومية، ويستعرض الفيلم شخصيات تاريخية واجتماعية معقدة.

النقاط الأساسية

  • فيلم "فلسطين 36" للمخرجة آن ماري جاسر يصل مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
  • الفيلم يستعرض الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد الانتداب البريطاني.
  • الفيلم يمزج بين الدراما والوثيقة، ويعرض هويات متعددة شكلت فلسطين.

وصل فيلم “فلسطين 36” للمخرجة آن ماري جاسر إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في عرضه العربي الأول ضمن دورته الخامسة، حاملًا معه واحدة من أضخم التجارب التي تخرج من السينما الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وأكثرها جرأة في العودة إلى الجذور الأولى للصراع المعاصر. بعد جولة دولية لافتة شملت تورونتو ولندن، يحط العمل رحاله في جدة ليكشف أمام جمهور عربي واسع هذا المشروع التاريخي الذي اشتغلت عليه جاسر لسنوات، ساعية إلى إعادة بناء مرحلة ظلّت حاضرة في الذاكرة الفلسطينية لكنها غائبة عن الشاشة.

الفيلم، الذي تمثّل به فلسطين في سباق الأوسكار لأفضل فيلم دولي، يعود إلى سنوات الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد الانتداب البريطاني، في لحظة تشكّل وعي جماعي ما زالت تداعياته ممتدة حتى اليوم. هذا الاختيار ليس حدثًا جماليًا فقط، بل هو فعل استعادة، محاولة لربط الماضي بالحاضر، ولتقديم قراءة سينمائية تضيء البدايات الأولى لسياسات التقسيم والتلاعب، وكيف تحوّلت إلى واقع سياسي يعيشه الفلسطينيون حتى اللحظة.

وتبني جاسر فيلمها على حكايات متوازية تتقاطع في مدينة القدس والقرى المحيطة بها، وتُظهر أثر التحولات الكبرى على تفاصيل الحياة اليومية. في مركز العمل يقف يوسف، الشاب الذي ينتقل من هامش السياسة إلى قلب الأحداث حين يجد نفسه محاصرًا بين سياسات الانتداب، وتوتر القرى، وتدفق المهاجرين اليهود الفارين من الفاشية الأوروبية.

هذا المسار يتكامل مع خطوط أخرى تتناول الصحافة ودورها في تلك اللحظة الحرجة، والطبقة المتعلمة التي حاولت أن تحافظ على توازن هش بين مصالحها وأصوات الشارع، إلى جانب رصد التباينات داخل المجتمع الفلسطيني نفسه.

وتُبرز جاسر في الفيلم حضورًا لافتًا لشخصيات تاريخية واجتماعية معقدة، منها المسؤولون البريطانيون الذين شكّلوا وجوهًا متعددة للسلطة. بين ضابط قاسٍ يستخدم القوة بلا تردد، ومسؤول مدني يسعى للتهدئة، وآخر يحاول التزام الحياد وهو يرى الأرض تنزلق إلى العاصفة. هذا التنوّع يمنح الصورة عمقًا، ويكشف الطبقات الأعمق للمنظومة الاستعمارية التي حكمت فلسطين لعقود.

على الجانب الفلسطيني، يقدّم الفيلم مزيجًا من الشخصيات التي تعيش بين القرى والمدينة، بين الانخراط في المقاومة المسلحة، أو الانشغال بالصحافة والعمل المدني، أو الاكتفاء بالبحث عن أمان يومي في عالم ينهار. ويؤدي كل من هيام عباس وصالح بكري أدوارًا محورية تعطي التجربة حساسيتها وصدقها، فيما يشكّل حضور جيريمي آيرونز وليام كونينغهام وإحكام تفاصيل الإنتاج إضافة نوعية لهذا العمل الكبير.

Advertisement

ويعتمد الفيلم على بناء بصري غني، مع استخدام لقطات أرشيفية ملوّنة بعناية تعيد المشاهد إلى لحظة تاريخية كان فيها كل شيء على وشك أن يتغير. هذا المزج بين الدراما والوثيقة يعزز أثر الفيلم، ويحوّله إلى جسر بين الذاكرة والأرض، بين ما عاشه الفلسطينيون قبل قرن وما يعيشونه الآن.

إحدى ميزات الفيلم تكمن في انفتاحه على الهويات المتعددة التي شكّلت فلسطين قبل النكبة؛ بلد استقبل الأرمن الهاربين من الإبادة، والبشناق الذين أسسوا قرى جديدة، واليهود الفارين من النازية، إضافة إلى جماعات وحجاج من إفريقيا وآسيا. هذا التنوع يظهر في خلفية الفيلم كحقيقة تاريخية أرادت جاسر التأكيد عليها، باعتبارها جزءًا من الهوية العميقة لفلسطين قبل أن تتحول إلى ساحة صراع.

ورغم أن الفيلم يتناول مرحلة ما قبل النكبة، إلا أن توقيت تصويره منح التجربة معنى إضافيًا؛ فقد كانت جاسر على وشك بدء التصوير في بيت لحم قبل اندلاع أحداث 7 أكتوبر 2023 بأيام قليلة، ما أدى إلى نقل الإنتاج إلى الأردن قبل العودة لاحقًا إلى فلسطين لاستكمال المشاهد. هذا التداخل بين الماضي والواقع جعل العمل أكثر إلحاحًا وعمقًا، وخلق طبقة شعورية واضحة في طريقة معالجة العنف والاستعمار والمقاومة.