رغم الحماس الكبير الذي رافق انطلاقه، لم يتمكن فيلم “في عز الضهر” من تحقيق النجاح المنتظر في أول تجربة سينمائية للنجم المصري العالمي مينا مسعود داخل بلده، بعد مسيرة ناجحة في هوليوود توجها بدور البطولة في فيلم “علاء الدين”. العمل، الذي قُدم كخطوة طموحة تحمل في طياتها ملامح الإنتاج العالمي على أرض مصرية، واجه تحديات في جذب الجمهور، إذ جاءت إيراداته متواضعة مقارنة بما كان مأمولًا، حيث لم تتجاوز نحو مليوني جنيه بعد أيام قليلة من بدء عرضه.
الفيلم الذي عُرض في فترة لا تنافسية نسبيًا، حيث لم تُطرح أفلام أخرى ضخمة في الصالات خلال الفترة نفسها، كان يمتلك فرصة مميزة للهيمنة على شباك التذاكر، خاصة مع الدعم الكبير الذي قدمه مينا بنفسه، من خلال جولات متعددة في السينمات للترويج للفيلم والتفاعل المباشر مع الجمهور. لكن على الرغم من ذلك، فإن الإقبال ظل دون المتوقع، في الوقت الذي واصلت فيه بعض الأعمال الأخرى مثل “سيكو سيكو” على المنصات الرقمية تحقيق نتائج يومية جيدة، بينما حقق فيلما “ريستارت” لتامر حسني و”المشروع X” لكريم عبد العزيز إيرادات أعلى بفارق ملحوظ.
الفيلم نفسه حمل طموحًا واضحًا، سواء على مستوى الفكرة أو التنفيذ. تدور أحداثه في أجواء من التشويق والجريمة حول “حمزة”، الشاب المصري الذي تجنده المافيا الدولية منذ صغره، ويعود إلى بلده لتنفيذ مهمة خطيرة تُغير مجرى حياته. الحبكة تتداخل فيها الأكشن مع الدراما، وتُعطى بُعدًا إنسانيًا من خلال قصة الحب التي تجمعه بـ”ريم”، راقصة الباليه الرومانسية، والتي تؤدي دورها جميلة عوض.
“في عز الضهر” تميز أيضًا بتصويره بين عدة دول مثل مصر وبلغاريا وتركيا، في محاولة لتقديم صورة بصرية غير تقليدية ضمن قالب مصري الطابع. وقد أظهر مينا مسعود التزامًا كبيرًا خلال التصوير، حيث أجرى تدريبات مكثفة على اللهجة المصرية لضمان أداء قريب للجمهور، وأصر على أن يكون الفيلم خطوة مهمة في مسيرته الفنية.
بالنظر إلى الفيلم من زاوية فنية، نجد أن العمل حاول أن يمزج بين أسلوب الأكشن الغربي والدراما النفسية المصرية، وهو توجه طموح ويستحق التقدير. الحبكة اعتمدت على تقديم بطل غير تقليدي، يعيش صراعًا داخليًا بين الانتماء والهوية، في قالب من المطاردات والتحديات الأخلاقية. اختيار مينا مسعود لهذا الدور لم يكن عبثيًا، فشخصيته في الفيلم تتقاطع بشكل لافت مع ملامح سيرته الذاتية، وهو ما منحه صدقًا في الأداء، حتى إن لم يكن أداؤه قويًا بالشكل المتوقع من جمهور السينما المصرية الذي يميل إلى النبرة العاطفية والانفعالات المباشرة.
على مستوى الإخراج، يمكن ملاحظة حرص المخرج مرقس عادل على تقديم رؤية بصرية أنيقة ومشاهد أكشن بتقنيات عالية. استخدام الكاميرا كان محسوبًا، خاصة في مشاهد المطاردات، إلى جانب حسن توظيف الإضاءة والديكور لخلق أجواء مشحونة بالتوتر. ورغم صعوبة التصوير في عدة دول، إلا أن تنقل الكادرات بين مصر وتركيا وبلغاريا أعطى الفيلم طابعًا دوليًا، وأضاف له عمقًا بصريًا لم نعهده كثيرًا في السينما المصرية، خاصة في هذا النوع من الأعمال.
أما من ناحية السيناريو، فقد اجتهد كريم سرور في بناء شخصية “حمزة” وتطوير الصراع الداخلي الذي يمر به، لكن بعض مشاهد الحوار جاءت مباشرة ومفتقرة للواقعية، مما أضعف أحيانًا الإيقاع العام. كذلك بدت بعض التحولات الدرامية متسرعة أو غير مبررة بالكامل، نتيجة طول فترة التحضير والتصوير، وتبدّل الزوايا الدرامية أحيانًا. ومع ذلك، فإن القصة تحمل خلفية قوية ورسالة واضحة حول معنى الانتماء، والاختيار تحت ضغط الحياة، ما يجعل الفيلم أعمق مما يبدو من الوهلة الأولى.
الأداء التمثيلي لباقي طاقم العمل تراوح بين الجيد والمتوسط، حيث نجح بعض الممثلين مثل محمود حجازي ومحمد علي رزق في لفت الانتباه، بفضل التزامهم بشخصياتهم رغم تعقيداتها، بينما عانى البعض الآخر من الفتور في الحضور أو ضعف اللهجة، وهو أمر يمكن تبريره جزئيًا بطبيعة الإنتاج وتوزيع الأدوار. جميلة عوض أدت دورها بحساسية واضحة، وأضفت لمسة عاطفية على الفيلم، لكن مساحة شخصيتها لم تُستغل بالكامل دراميًا.
بالنهاية، فإن “في عز الضهر” هو عمل يحتمل القراءة كخطوة أولى على طريق أفلام الأكشن المصرية بطابع عالمي، وربما يحمل في داخله بذور نجاح قادم في المستقبل إذا أُعيدت صياغة المعادلة بشكل أذكى.