في مشهد فني دائم التغير، تبقى قرارات الفنانات المتعلقة بارتداء الحجاب أو خلعه محل جدل واسع وتفاعل مجتمعي كبير. ذلك لأن الفن، في وعينا الجمعي، ليس فقط أداءً أو موهبة، بل مساحة مفتوحة للهوية، والجسد، والتدين، والحرية. حين قررت الفنانة اللبنانية أمل حجازي مؤخرًا خلع الحجاب بعد سنوات من ارتدائه، أثارت موجة جديدة من النقاشات، التي لا تتعلق بها وحدها، بل تمتد إلى تاريخ طويل من الفنانات اللاتي مررن بالتجربة ذاتها، ما بين انسحاب من الأضواء وعودة مفاجئة، أو تذبذب بين الحجاب والفن.
أمل حجازي تخلع الحجاب
قرار أمل حجازي أعاد للأذهان مشاهد مشابهة لفنانات كثيرات سبقنها في الطريق ذاته. فالبعض ارتدى الحجاب إيمانًا أو بحثًا عن السلام النفسي، بينما رأى فيه البعض الآخر محاولة للهروب من ضغوط الحياة الفنية. ثم تأتي لحظة أخرى، لا تقل صراحةً أو شجاعة، لحظة الخلع، وهي لا تعبّر بالضرورة عن تراجع أو تخلي، بل عن إعادة تموضع واختيار جديد.
شاهيناز، المغنية المصرية التي بدأت انطلاقتها من برنامج “ستار ميكر”، اختارت الحجاب في ذروة شهرتها عام 2008، وابتعدت تمامًا عن الغناء التجاري، مكتفية بالأناشيد والأغاني الوطنية. لكن بعد تسع سنوات، قررت العودة إلى الفن وخلع الحجاب. عبّرت عن تلك المرحلة بأنها كانت تعاني من ضغوط نفسية كبيرة بعد ولادة ابنها، وأن ارتداء الحجاب جاء في لحظة بحث عن الاستقرار الداخلي، لكنها لاحقًا وجدت أن الحجاب يحول دون تواصلها الكامل مع جمهورها، فاختارت العودة لما كانت عليه. لم تنكر شاهيناز أن قرارها شخصي بحت، ولا يجوز لأحد محاسبتها عليه.
عبير صبري أيضًا عاشت التجربة ذاتها. ارتدت الحجاب وابتعدت عن التمثيل، ثم قدمت برامج دينية، قبل أن تخلعه وتعود إلى الساحة الفنية بأدوارها الجريئة، وتُواجه بانتقادات حادة. لم تخف عبير من المواجهة، وأكّدت أنها خلعت الحجاب لأنها أرادت العمل، فالفن بالنسبة لها ليس مجرد مهنة، بل أسلوب حياة.
الفنانة نورهان اختارت الانسحاب من الساحة الفنية بعد نجاح كبير في أعمال مثل “عائلة الحاج متولي”، وظهرت لفترة وهي ترتدي الحجاب، لكنها بعد انفصالها عن زوجها، عادت للتمثيل دون حجاب.
موناليزا، الفنانة التي عُرفت بعد نجاح فيلم “همام في أمستردام”، اعتزلت الفن بعد سنوات قليلة، وارتدت الحجاب وهاجرت للولايات المتحدة. لكن بعد أكثر من عقد من الزمان، ظهرت مجددًا دون حجاب، معلنة نيتها العودة للتمثيل. بالنسبة لها، لم يكن الحجاب نهاية، بل محطة توقفت فيها لتعيد ترتيب حياتها، قبل أن تستأنفها مجددًا على طريقتها لكن لم تستطع التواجد بنفس القوة وابتعدت عن الساحة الفنية.

من بين هذه الأسماء أيضًا، تظهر الفنانة صابرين، التي تُعد واحدة من أبرز الأسماء التي خاضت التجربة بكل تناقضاتها. صابرين ارتدت الحجاب لسنوات طويلة، واستمرت في تقديم أعمال فنية وهي محجبة مستخدمة الشعر المستعار في بعض الأدوار، محاولة التوفيق بين التزامها الديني وحبها للفن.
لكن تلك المرحلة لم تستمر إلى ما لا نهاية، حيث قررت لاحقًا خلع الحجاب، مع تأكيدها أن القرار لم يكن سهلاً أو سريعًا، بل جاء بعد صراع نفسي طويل. صابرين قالت في أكثر من حوار إنها حاولت الالتزام بالحجاب على قدر استطاعتها، لكنها لم تحتمل ضغوط التناقض بين مظهرها وأدوارها، فاختارت أن تخلع الحجاب وتواجه الجميع بوضوح، معتبرة أن علاقتها بربها لا يُحددها ملبس.
ولم تقتصر هذه التحولات على جيل بعينه، فقد خاضت فنانات مخضرمات مثل سوسن بدر، وشهيرة، وعفاف رشاد التجربة نفسها. سوسن بدر، مثلاً، ارتدت الحجاب لمدة عامين بعد زلزال 1992، الذي وصفته بأنه كان نقطة تحوّل روحي، لكنها خلعته لاحقًا حين شعرت أن ارتداءه لا يعبر عن فهمها الحقيقي للدين. أما شهيرة، فظهرت أكثر من مرة بما يشبه “الحجاب المتحرر” أو قبعة تغطي الرأس جزئيًا، ثم خلعت الحجاب تمامًا بعد سنوات طويلة من الاعتزال، معلنة عودتها إلى الحياة العامة من جديد.
عودة أمل حجازي اليوم، في ظل مجتمع بات أكثر انفتاحًا على تعدد التجارب، تحمل في طياتها رسالة صريحة: أن الحجاب ليس النهاية، كما أن خلعه ليس بداية للانفلات. إنه قرار ذاتي، يمس الإنسان في عمقه، ويجب أن يُفهم بعيدًا عن التصنيف والتقييم القاطع.
وقالت أمل بعد خلعها الحجاب “لم أخلع حيائي، هذا ديني وسألقى الله به”. تصريحها يعكس تيارًا جديدًا يتشكل في الوعي العربي، تيار يرى أن الإيمان لا يتعارض مع الفن، وأن المظهر لا يُختزل في تقييم الأخلاق.