بعد مرور 24 عامًا على صدور الجزء الأول من فيلم “السلم والثعبان”، يعود المخرج طارق العريان مجددًا بمشروع سينمائي يحمل الاسم نفسه، ولكن برؤية جديدة وقصة مختلفة تحت عنوان “السلم والثعبان: أحمد وملك”. هذه العودة ليست مجرد استحضار للحنين، بل محاولة لإعادة صياغة واحدة من التجارب السينمائية التي شكّلت وعي جيل كامل من عشّاق الأفلام الرومانسية في مصر مطلع الألفية.
الجزء الأول من الفيلم، الذي عُرض عام 2001، شكّل لحظة فارقة في مسيرة السينما المصرية المعاصرة، إذ قدّم شكلاً بصريًا مختلفًا عن السائد وقتها، وتناول العلاقات العاطفية بجرأة وصدق نادريْن. كان طارق العريان آنذاك مخرجًا شابًا يهوى التجريب، واعتمد في سرده على الإيقاع السريع والمونتاج الموازي والموسيقى التصويرية كأدوات سردية، فخرج الفيلم بروح شبه أوروبية داخل قالب مصري، منحته فرادة وحضورًا دائمًا في الذاكرة السينمائية. ورغم بساطة القصة، فإنها تركت أثرًا عاطفيًا لدى شريحة واسعة من الجمهور، لا سيما الشباب الذين وجدوا في علاقة “حازم” و”ياسمين” انعكاسًا لتقلبات حياتهم العاطفية.
لكن نجاح الفيلم الأول لم يكن محض مصادفة، بل ثمرة توازن بين نص متماسك لأحمد محفوظ، ورؤية إخراجية ناضجة، وأداء تمثيلي صادق من هاني سلامة وحلا شيحة، إلى جانب طاقة كوميدية مدهشة قدمها أحمد حلمي. ورغم مرور أكثر من عقدين على عرضه، لا يزال الفيلم يُذكر ضمن أبرز الأفلام التي تناولت العلاقات بتجرد دون وعظ أو إدانة، وهو ما خلق له قاعدة جماهيرية كبيرة لا تزال تتذكره حتى الآن.
الجزء الجديد، والذي يأتي بعنوان “السلم والثعبان: أحمد وملك”، لن يكون امتدادًا تقليديًا لما سبق، بل إعادة قراءة لفكرة العلاقة العاطفية، ضمن إطار درامي اجتماعي معاصر، حسبما أكّد صناع الفيلم. القصة الجديدة من تأليف أحمد حسني، وتتناول علاقة تجمع بين شاب وفتاة في الزمن الحالي، بعناصر درامية تعبّر عن تعقيدات الحب المعاصر وتحولاته تحت ضغط العالم الرقمي، والخيارات الفردية السريعة، وتغير معايير الارتباط. ويبدو أن الرهان هذه المرة ليس فقط على استحضار الاسم القديم، بل على تقديم معالجة جديدة تخاطب جيلاً مختلفًا يعيش تحوّلات نفسية واجتماعية أكثر تعقيدًا من جيل 2001.

اختيار عمرو يوسف وأسماء جلال للبطولة يحمل دلالات واضحة على التوجه نحو جمهور شاب، مع رغبة في تقديم طاقة تمثيلية تنتمي لهذا الجيل. عمرو يوسف يملك حضورًا قويًا، بينما تُعد أسماء جلال من الوجوه التي أثبتت نفسها في السنوات الأخيرة. لكن في الوقت ذاته، يقف الفيلم أمام تحديات حقيقية؛ أولها التوقعات المرتفعة من جمهور الفيلم الأول، الذي ما زال يراه عملًا أيقونيًا. وثانيها أن الزمن تغيّر.
الجمهور الذي استقبل فيلم “السلم والثعبان” عام 2001 بترحيب بالغ، واحتفى برومانسيته وتفاصيله البصرية الحالمة، ليس هو الجمهور نفسه الذي سيقف أمام شباك التذاكر اليوم. قبل أكثر من عقدين، كانت السينما المصرية تمر بمرحلة انتقالية، وكان جمهورها متعطشًا لتجارب مختلفة تعكس مشاعره وتطرح أسئلته عن الحب والعلاقات دون خطب أخلاقية أو نهايات نمطية، فوجد في قصة “حازم وياسمين” صدقًا عاطفيًا وجمالية سردية لم تكن مألوفة حينها، لكن اليوم، تغيرت المعادلة.
في ظل هذه المعطيات، تبقى احتمالات النجاح مرهونة بقدرة العمل الجديد على المحافظة على التيمة العاطفية التي أحبّها الجمهور، مع تطوير أدوات السرد والإخراج بما يتناسب مع روح العصر. فالفيلم يجب ألا يكون مجرد نسخة محدثة من الأول، ولا محاولة لإرضاء جمهور قديم، بل تجربة قائمة بذاتها، تنجح في إقناع جمهور اليوم بأنها جديرة بالمشاهدة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتمكن “السلم والثعبان: أحمد وملك” من بناء أثره الخاص والابتعاد عن ظل الجزء الأول، أم سيظل دومًا فيلمًا يقارن بذاك الذي سبق وترك علامة يصعب تكرارها؟