يقدّم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الحالية واحداً من أبرز عروضه ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة من خلال عرض فيلم “القصص”، أحدث أعمال المخرج المصري النمساوي أبو بكر شوقي.
ويأتي تقديم الفيلم في المهرجان ليمنحه مساحة واسعة للتفاعل مع جمهور متعدّد الخلفيات، إذ يعرض عملاً يمتد على أكثر من عقدين من زمن التحولات الاجتماعية والسياسية في مصر، مستعيناً ببنية سردية تتدرج عبر مراحل متتابعة، تربط بين الحكايات الفردية والتغيّرات الكبرى التي شهدتها البلاد.
تبدأ أحداث الفيلم داخل منزل مصري من الطبقة المتوسطة في أواخر الستينات، حيث تعيش الأسرة التي يتناولها العمل بين روتين الحياة اليومية وتقلبات الواقع الخارجي، يختار الفيلم نقطة انطلاق ترتبط بعام 1967، ثم ينتقل إلى سنوات الحرب والعبور، ويتابع المحطات الممتدة على وقع المتغيرات التي طالت المجتمع المصري خلال السبعينات والثمانينات. وتنعكس هذه التحولات على تفاصيل بسيطة داخل الأسرة؛ مثل متابعة نشرات الأخبار، وتبادل الحديث حول ما يدور في الشارع، وملاحظة تبدّل شكل البيوت والاحتياجات والاهتمامات.
في دائرة السرد الأسري، يظهر الأب الذي يعمل في وزارة الزراعة ويتعامل مع ضغط العمل وتحولاته، بينما تنشغل الأم بإدارة شؤون المنزل وانتظار مولود جديد، وتتبع الكاميرا أبناء الأسرة الثلاثة وهم يكبرون في سياق يتبدل فيه كل شيء من حولهم.
يبرز ضمن ذلك حلم الابن “أحمد” بتعلم الموسيقى، ومحاولته تطوير موهبته في العزف على البيانو، الأمر الذي يقوده لاحقاً للتواصل مع فتاة نمساوية عبر مراسلات تتطور تدريجياً، وتتحول إلى علاقة تمتد خارج حدود البلد، وتجعل من سفره ودراسته للموسيقى محطة محورية في مسار تطوره.
يرصد الفيلم أيضاً الأثر المباشر للأحداث الكبرى على تفاصيل حياة الأسرة، فالمشاهد تتراوح بين لحظات تتابع فيها العائلة مباراة لكرة القدم، وأخرى تتابع فيها خطابات سياسية وأخباراً عاجلة تتغير بمعدل سريع، فيما تلقي الأجواء الاجتماعية بظلالها على الأحلام الشخصية للأبناء ومساراتهم المهنية.
وتتقاطع هذه الحكايات مع رحلات السفر والعودة، وما تحمله من اختلافات ثقافية وتجارب معيشية جديدة، تظهر لاحقاً في طريقة تفاعل الشخصيات مع واقعها.
جرى تصوير “القصص” بين القاهرة وفيينا، واستعان بفرق إنتاج وصناع من مصر والنمسا، ويشارك في التمثيل عدد كبير من النجوم، من بينهم أمير المصري، ونيللي كريم، وأحمد كمال، وصبري فواز، وفاليري باشنر، وكريم قاسم، وعمرو عابد، وممثلون آخرون من أجيال مختلفة، مما يعكس توجه الفيلم نحو تقديم صورة ممتدة لعائلة متعددة الأصوات والملامح.
ويأتي عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر بعد حصوله على دعم “صندوق البحر الأحمر” خلال مراحل تطويره وإنتاجه، وهو الدعم الذي ساعد في إنجاز العمل وتصويره بين بلدين مختلفين، ويعود الفيلم اليوم إلى المهرجان كعمل مكتمل يقدَّم لجمهور واسع من السينمائيين والمهتمين، ضمن منصة تمنحه فرصة كبيرة للتفاعل مع جمهور عربي ودولي، خاصة أن مضمونه يلامس تاريخاً قريباً عاشه الجمهور في المنطقة واستعادته السينما من خلال منظور أسري.
وعقب عرضه في المهرجان، شهد الفيلم حضوراً لافتاً على السجادة الحمراء، حيث أعرب العديد من الفنانين المصريين عن تقديرهم للعمل بعد مشاهدته. فقد أشادت ليلى علوي بالجهد المبذول في إعادة بناء الفترات الزمنية المختلفة، مؤكدة إعجابها بعرض الحكايات من زوايا متعددة داخل العائلة. أما إلهام شاهين فاعتبرت الفيلم عملاً متقناً في تفاصيله الإنتاجية وتقديمه لحقبة طويلة من الزمن عبر حكايات صغيرة. ومن جانبها أثنت لبلبة على أداء الممثلين وتفاعلهم مع البيئة الدرامية، مشيرة إلى أن بناء الشخصيات منح العمل طابعاً إنسانياً واضحاً.
وتمنح هذه الإشادات بعد العرض الأول للفيلم في المهرجان زخماً إضافياً لمشاركته في المسابقة الرسمية، حيث ينتقل العمل إلى جمهور متخصص يترقب الأعمال التي تستعيد فترات تاريخية من خلال حكايات قريبة من الحياة اليومية. ويضع الفيلم نفسه ضمن الأعمال التي تستند إلى الذاكرة الاجتماعية بوصفها إطاراً لمتابعة تغييرات واسعة عاشتها عائلات مختلفة خلال العقود الماضية، في سياق يعرض الماضي من زاوية إنسانية دون تقديم أحكام أو تبني مواقف مباشرة تجاه الأحداث السياسية.
من 1967 إلى الثمانينات: كيف يعيد فيلم “القصص” كتابة التاريخ من داخل غرفة المعيشة؟
يقدم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عرض فيلم “القصص” للمخرج أبو بكر شوقي، مستعرضًا التحولات الاجتماعية والسياسية في مصر عبر قصة عائلة متعددة الأجيال.




