عجائب رأس الخيمة الطبيعية: من جبل جيس إلى غابات القرم

عجائب رأس الخيمة الطبيعية تجمع الجبل والصحراء والقرم والوديان في الإمارة الأكثر تنوعاً بيئياً بالإمارات، وتُبرز ريادتها الإقليمية في السياحة المستدامة وحفظ الأصالة البيئية.

فريق التحرير
فريق التحرير
جبل جيس وجمال التضاريس

ملخص المقال

إنتاج AI

تحتضن رأس الخيمة، الملقبة بـ"إمارة الطبيعة"، أربعة نظم بيئية متميزة، مما جعلها الوجهة الأولى في الشرق الأوسط التي تنال شهادة "الوجهات المستدامة". تشمل معالمها جبل جيس، ومحمية الوادي الطبيعية، ومحمية الزوراء، والأودية التي تعكس التزام الإمارة بالموازنة بين التنمية والسياحة.

النقاط الأساسية

  • رأس الخيمة تلقب بـ"إمارة الطبيعة" لتنوعها البيئي الفريد وتاريخها الممتد لـ 7000 عام.
  • الإمارة ملتزمة بالسياحة المستدامة، وحازت شهادة "الوجهات المستدامة" الفضية من "إيرث تشيك".
  • توازن رأس الخيمة بين التنمية والحفاظ على البيئة، ما يجعلها نموذجًا يحتذى به إقليميًا.

في أقصى شمال دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تلاقت ذات يوم طرق التجارة القديمة تحت نجوم الصحراء، حازت رأس الخيمة لقب “إمارة الطبيعة”. هذا اللقب ليس نتاج طموح تسويقي بقدر ما هو حقيقة جيولوجية؛ إذ تحتضن ضمن حدودها أربعة نظم بيئية متمايزة شكّلت مسار الحضارة الإنسانية على مدى أكثر من 7,000 عام. من أعلى قمة في الإمارات إلى مجاري القرم المتشابكة، ومن كثبان الصحراء التي نحتتها الرياح إلى برك الجبال الموسمية، تقدّم رأس الخيمة مشهداً تتلاقى فيه تضاريس آسرة مع رعايةٍ متأنية للبيئة.


لقد رسّخ التزام الإمارة بموازنة تنمية السياحة مع حفظ البيئة مكانتها بوصفها الوجهة الأولى في الشرق الأوسط التي تنال شهادة “الوجهات المستدامة” الفضية من “إيرث تشيك”. وتُعدّ هذه الشهادة إقراراً بنهجٍ يرى في الكنوز الطبيعية تراثاً لا يُستبدل، لا مجرد مواقع جذبٍ سياحي. والنتيجة وجهةٌ تمكّن عشّاق المغامرة من اختبار بيئاتٍ عذراء والمساهمة في صونها على المدى الطويل.

الجوهرة المتوَّجة… جبل جيس


بارتفاعٍ يبلغ 1,934 متراً فوق مستوى سطح البحر، يفرض جبل جيس حضوره بهيبة الزمن الجيولوجي. فهو جزءٌ من جبال الحجر ويُمثّل قسماً مكشوفاً من قشرةٍ محيطيةٍ دُفعت نحو الأعلى خلال العصر الطباشيري المتأخر، ما صنع واحداً من أبرز مجمّعات “الأوفيوليت” في العالم. وقد تشكّل هذا الجبل عبر “الانطباق” (Obduction) وهي عملية نادرة تُدفَع فيها صخور قاع المحيط فوق الكتل القارية— فنتج عن ذلك تضاريس ذات قيمةٍ علمية وجمالية استثنائية.


طوّرت الإمارة شبكةً واسعة من مسارات المشي على جبل جيس؛ فبعد أن كانت ستة مسارات محددة بطولٍ إجمالي يبلغ 16 كيلومتراً، أصبحت اليوم منظومة شاملة تمتد إلى 94 كيلومتراً من دروب التنزّه. وتتصدّر هذه الشبكة «مسار قمة الغاف»، الذي يقود المغامرين إلى ارتفاع 1,640 متراً فوق سطح البحر – وهو أعلى نقطة متاحة للعامة في دولة الإمارات. وتكافئ رحلة الذهاب والعودة البالغة 8.6 كيلومترات أصحاب الهمم المتوسطة بإطلالاتٍ بانورامية تمتد من سلسلة جبال الحجر حتى سواحل الخليج العربي.


وللباحثين عن تحدياتٍ تقنيةٍ أكبر، يقدّم الجبل مسارات “فيا فيراتا” بدرجات صعوبةٍ متفاوتة. أصعبها «جلفار سكِير»، الذي يتطلّب عبور خمس مقاطع من درجاتٍ معدنية وتسلقٍ بدنيٍ وحَبْوٍ على الصخور، قبل ختام التجربة بانزلاقٍ هوائي مثير. وتتوازن هذه المغامرات مع خياراتٍ ألطف، منها «مسار التين» المستوي بطول 1.2 كلم، و«مسار السِّدر» السهل بطول 1.6 كلم بين هواء الجبال ومناظرها الفسيحة.

Advertisement


أما “جيس فلايت” فيبقى أبرز معالم الجبل: أطول «زيبلاين» في العالم بطول 2.83 كيلومتر. على ارتفاع 1,680 متراً فوق سطح البحر، يحلّق المشاركون فوق أخاديدٍ درامية بسرعاتٍ تصل إلى 160 كيلومتراً في الساعة، عابرين ثلاث دقائق من الطيران اختبرها أكثر من 120,000 عاشقٍ للإثارة منذ عام 2018. وتوفّر “جولة جيس سكاي” تجربةً جوّيةً أكثر تأمّلاً عبر خمسة كيلومترات من خطوط الانزلاق المتصلة بجسرٍ علوي مدهش، يتيح استيعاب المشهد بوتيرةٍ أكثر هدوءاً.

رمالٌ عتيقة: مشاهد الصحراء


خارج نطاق الجبال، تمتد كثبان رأس الخيمة كرُبىً فخارية اللون نحو الآفاق، وقد صاغتها رياحٌ ودهور. وتشكل هذه المناظر جزءاً كبيراً من تضاريس الإمارة، وتقوم بدور ملعبٍ طبيعيٍ وملاذٍ للحياة الفطرية في آنٍ واحد. تمتد “محمية الوادي الطبيعية” على أكثر من ألف فدان من نظامٍ بيئيٍ صحراويٍ محمي، وتوفّر موئلاً للمها العربي والغزلان وشبكةٍ دقيقة من النباتات والكائنات المتأقلمة مع الجفاف.


وتتجاوز التجربة الصحراوية في رأس الخيمة مجرّد “التطعيس”، على الرغم من أن متعة تسلّق الكثبان بسيارات الدفع الرباعي تبقى ركناً أصيلاً من الجذب. يتيح التزلّج على الرمال تواصلاً أكثر حميمية مع الكثبان، فيما تمنح قوافل الجمال الإيقاع الذي أتاح للرحّل عبور هذه الدروب قروناً طويلة. ومع حلول الليل وانخفاض الحرارة، تنكشف طبقةٌ أخرى من الصحراء؛ إذ تنشط كائناتها تحت سماءٍ مرصّعةٍ بالنجوم على نحوٍ ندر أن يراه ساكنو المدن.


وتقدّم المخيمات الصحراوية المتناثرة في المنطقة فرصاً للانخراط في تقاليد بدوية تحوّلت من ضروراتٍ معيشية إلى تعبيراتٍ ثقافية. تحتفي هذه التجارب بالبراعة التي مكّنت الإنسان من الازدهار في بيئاتٍ قاسية، مع توفير إقامةٍ معاصرة تراعي التراث والمشهد الطبيعي. وتزيد أنواعٌ نادرة كالمها العربي وثعلب الصحراء والقط الصحراوي من القيمة البيئية لهذه اللقاءات.

القرم والحياة البحرية

Advertisement


حيث تعانق الصحراء البحر، تكشف سواحل رأس الخيمة الممتدة 64 كيلومتراً عن نظمٍ بيئية ذات تنوّعٍ حيوي استثنائي واعترافٍ دولي. تصوغ غابات القرم – وتغلب عليها فصيلة “طأفيسينيا مارينا” (القرم الرمادي) – مجاري مائيةً متداخلةً تعمل “حاضنات” للحياة البحرية وملاذاتٍ للطيور المهاجرة. وقد أُدرجت «محمية الزوراء» كأراضٍ رطبة ذات أهميةٍ دولية بموجب اتفاقية رامسار، وهي تضم بحيرة مدٍّ وجزرٍ بمساحة كيلومترين مربعين تؤوي 58 نوعاً من الطيور، بينها طيور الفلامنغو الشهيرة التي تخوض المياه الضحلة.


ويكشف التجديف بالكايك في هذه القنوات عن منظورٍ حميم لعلم البيئة الساحلي لا تتيحه اليابسة. يتحرّك المجذّفون عبر ممراتٍ ضيقة تحت أشجارٍ ملحيةٍ تنقّي المغذّيات بجذورها وتوفّر مأوى ليرقات الأسماك والسرطانات ولا حصر من اللافقاريات. لا يكسر الصمت سوى نداءات الطيور ووقع المجاديف، فينشأ اتصالٌ عميق بإيقاعات الطبيعة الضائعة في صخب الحياة الحديثة.


ويمتد المشهد البحري إلى ما وراء القرم ليشمل شعاباً مرجانية تحتضن أعلى تنوّعٍ في دولة الإمارات. تدعم الشعاب في شمال رأس الخيمة تجمعاتٍ استثنائية من المرجانين الصلب واللين، صانعةً مناظرَ تحت الماء تجتذب الكائنات البحرية والغواصين على السواء. وبينما تهدِّد تغيّرات المناخ والأنشطة البشرية هذه النظم عالمياً، تستفيد شعاب الإمارة من جهود حمايةٍ نشطة تشمل تقييد الصيد وحماية المواطن، بإشراف “هيئة حماية البيئة والتنمية”.


وتُجسّد “منطقة خور المزاحمي المحمية” – أول محمية طبيعية في الإمارة – هذا النهج في الصون. فهي ملاذٌ ساحلي بالغ الأهمية لتعشيش السلاحف الخضراء المهددة وتغذيتها، كما تدعم تجمعاتٍ سمكيةً متنوّعة تحفظ التوازن البيئي وتساند مجتمعات الصيد المحلية. وقد رصد برنامج وسم السلاحف التابع للهيئة 475 سلحفاة خضراء ضمن مبادراتٍ بحريةٍ أوسع.

الوديان والبرك الموسمية


تُخفي جبال الحجر شبكاتٍ من الأودية – مجاري أنهارٍ عتيقة تعود للحياة مع أمطار المواسم لتغدو ممراتٍ للنماء. ويمثّل “وادي شوكة”، الواقع على بُعد 40 كيلومتراً من مركز مدينة رأس الخيمة، مثالاً لهذه المناظر الخفية حيث تُفسح التضاريس الصخرية المجال لبركٍ طبيعية وشلالاتٍ متقطّعة. ويُعزّز هذا النظام وجود “سد شوكة” بسعته البالغة 275,000 مترٍ مكعب، ما يوفّر فرصاً ترفيهية ووظائف أساسية لإدارة المياه.

Advertisement


وتدعم هذه المسطحات المائية الموسمية نُظماً بيئية تختلف جذرياً عن محيطها الجاف. إذ تزدهر حدائق النخيل في الأودية، لتشكّل ممراتٍ خضراء توفّر مواطن للكائنات واستراحةً للمسافرين. ويبرز التباين بين صلابة الجبال وخضرة بطون الأودية شاهداً على قدرة الطبيعة على التكيّف والتجدّد.


وتستلزم استكشافات الأودية استعداداً بدنياً واحتراماً لطبائعها؛ إذ قد تتبدّل مستويات المياه سريعاً بفعل أمطارٍ بعيدة أو تغيّراتٍ موسمية، ما يفرض الحذر على الزوار. غير أن العوائد تُغري: بركٌ عذبة للسباحة بعد مساراتٍ مُجهدة، ومشاهد محيطة تمنح فرص تصويرٍ لا تتاح في المواقع الأكثر سهولة وصولاً.

موازنة التنمية والحفاظ


تعكس مقاربة رأس الخيمة لتطوير السياحة فهماً متقدّماً للعلاقة بين النمو الاقتصادي وحفظ البيئة. فقد صيغت “استراتيجية السياحة المتوازنة” بالشراكة مع «إيرث تشيك» لتضع أطر التنمية المستدامة التي تحمي الأصول الطبيعية وتثري تجربة الزائر. وأسفرت هذه المقاربة عن نتائج قابلة للقياس: إذ حققت منشآتٌ سياحية مشاركة تحسيناتٍ في كفاءة الطاقة بنسبة 23%، وخفضت انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 29%، وقلّصت النفايات الإجمالية بنسبة 61%.


ويمتد برنامج “مسؤولية رأس الخيمة” بهذه المبادئ عبر قطاع السياحة، وقد نالت 24 منشأة شهاداتٍ لممارساتها المستدامة. وتطبّق الفنادق أنظمةً شاملة لإدارة المخلفات – إذ تُحوِّل بعضُها ما يصل إلى 100% من النفايات بعيداً عن المكبّات – وتستثمر في حفظ المياه وحلول الطاقة المتجددة. وتُظهر هذه الجهود أن الضيافة الفاخرة وحماية البيئة يمكن أن تتعايشا بنجاح.


ولا تقتصر المبادرات على البنى التحتية السياحية، بل تشمل حمايةً على مستوى المشهد الطبيعي. فقد استزرعت “هيئة حماية البيئة والتنمية” أكثر من 100,000 شتلة قرم في مشاتلها، ونظّمت حملات تشجيرٍ مجتمعية تشرك السكان في استعادة المواطن. كما تحدِّد المناطق البحرية المحمية أنشطة الصيد والرياضات المائية داخل النُّظُم الحسّاسة، ما يتيح للشعاب والأسماك التعافي ويمنح منافع بعيدة المدى للحياة الفطرية والسياحة معاً.

Advertisement

الجغرافيا تصوغ التجربة الإنسانية


أثّرت تنوّعات رأس الخيمة الطبيعية عميقاً في أنماط الاستيطان والتطوّر الثقافي عبر آلاف السنين. وتكشف الأدلة الأثرية عن سكنٍ متصلٍ يعود إلى 7,000 عام، ما يجعلها من أقدم المناطق المأهولة باستمرارٍ في العالم. لقد خلقت التفاعلات بين الجبل والصحراء والساحل والواحات فرصاً جذبت حضاراتٍ متعاقبة، وفي الوقت نفسه فرضت استراتيجيات تكيفٍ لا تزال حاضرة في الثقافة المعاصرة.


طوّرت مجتمعات الجبال تقاليد مميّزة تتلاءم مع الارتفاع وتبدّل الفصول، فيما صاغت مجتمعات الساحل مهاراتٍ ملاحيةً وشبكات تجارةٍ ربطت شبه الجزيرة العربية بأسواقٍ بعيدة. وأتقن أهل الصحراء أساليب حياةٍ بدوية توازن بين الحركة وإدارة الموارد، فانبثقت ممارساتٌ ثقافية تحتفي بالضيافة والمعرفة البيئية. وتبقى هذه البصمات الجغرافية ملموسة في العمارة والحِرف والعادات الاجتماعية التي تُبقي خيط الوصل مع الماضي.


وقد جعل الموقع الاستراتيجي عند مدخل الخليج العربي من رأس الخيمة حلقة وصلٍ محورية بين طرق التجارة الداخلية والملاحة البحرية. فجذبت هذه الميزة التجارَ والحِرفيين والعلماء الذين أضافوا إلى تنوّع المنطقة الثقافي، وفي الوقت نفسه تكيفوا مع شروطها المحلية. ومن هذا التفاعل وُلدت هويةٌ متفرّدة تكرّم التراث وتحتضن الابتكار.


تُبرهن رحلة رأس الخيمة نحو ريادة السياحة المستدامة إقليمياً بحلول 2025 أن حماية البيئة والتنمية الاقتصادية يمكن أن تتقدّما معاً. ويعكس الهدف المعلن بجذب 3.5 مليون زائر سنوياً بحلول 2030 ثقةً بهذا النهج المتوازن، وتوقعاتٍ بنموٍّ يعزّز الأصول الطبيعية لا أن ينتقص منها.


ويتوقّف نجاح هذا النموذج على الاستثمار المتواصل في جهود الصون، وبنى تحتية تقلّل الأثر البيئي، وبرامج توعوية تُشرك الزائر في مسؤولية الحفظ. ومن خلال التعامل مع العجائب الطبيعية باعتبارها أصولاً لا تُعوَّض وليست موارد قابلة للاستنزاف، تخلق رأس الخيمة قيمةً تتجاوز عائدات السياحة إلى دعم البحث العلمي، وصون التنوع الحيوي، وحفظ الثقافة.

Advertisement


إن مناظر الإمارة — من قمم جبل جيس العتيقة إلى قنوات القرم المتشابكة — أكبر من أن تكون محطاتٍ للمغامرة أو الاستجمام فحسب؛ فهي تجسيدٌ لاندماج النشاط الإنساني مع العمليات الطبيعية على نحوٍ ناجح، ونموذجٌ للتنمية المستدامة يمكن لمناطق أخرى أن تحتذي به. وفي عالمٍ يزداد انشغالاً بالتحديات البيئية، تقدّم رأس الخيمة دليلاً ملموساً على أن الحفظ والتقدّم قادران على المضي جنباً إلى جنب، لصناعة إرثٍ يليق بالمشاهد التي تُلهمه.