دخلت قضية مديرة الأعمال التركية الشهيرة عائشة باريم مرحلة أكثر تعقيداً بعدما أصدرت محكمة إسطنبول قراراً بتمديد حبسها الاحتياطي في سجن مرمرة، على خلفية اتهامات تتعلق بمحاولة الإطاحة بالحكومة وتوجيه عدد من الفنانين لدعم احتجاجات “غيزي بارك” التي اندلعت عام 2013. ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه تركيا انقساماً سياسياً حاداً وتزايداً في الجدل حول حرية التعبير ودور الفنانين في الحياة العامة.
عائشة باريم، التي تُعرف في الأوساط الفنية بأنها “مديرة أعمال النجوم”، ارتبط اسمها بإدارة مسيرة أبرز وجوه الدراما التركية مثل هاندة أرشيل، بيرجي أكالاي، خالد أرغنش، بيرغوزار كوريل، وسيريناي ساريكايا. وقد ساهمت في بناء نجاحات هؤلاء الفنانين محلياً وعالمياً، ما جعلها شخصية محورية في صناعة الترفيه التركية. غير أن حياتها المهنية انقلبت رأساً على عقب بعد اتهامها بالمشاركة في تنظيم لقاءات بين الفنانين والناشطين خلال الاحتجاجات، وهو ما تنفيه باريم بشدة مؤكدة أنها “لم تمارس يوماً عملاً سياسياً، واقتصرت مهامها على إدارة العقود الفنية فقط”.
الجلسة الأخيرة للمحاكمة تحولت إلى حدث مثير للرأي العام، حيث حضرها عدد كبير من النجوم الأتراك الذين عبّروا عن تضامنهم العاطفي معها. وقد شوهدت الممثلة هاندة أرشيل وهي تغادر المحكمة باكية، فيما بدا خالد أرغنش متأثراً للغاية وهو يصف باريم بأنها “أم النجاح الفني ورفيقة الدرب في أصعب المراحل”. المشهد دفع وسائل الإعلام التركية إلى تسليط الضوء على البعد الإنساني للقضية أكثر من بعدها القانوني.
وخلال المحاكمة، انهارت باريم أمام القاضي وأجهشت بالبكاء، مشيرة إلى أنها تعاني من فقدان وعي متكرر داخل السجن بالإضافة إلى مشاكل خطيرة في القلب والدماغ، وهو ما أكدته تقارير طبية قدمها فريق دفاعها. وناشدت المحكمة أن “تمنحها حقها في الحياة والرعاية الصحية”، مؤكدة أنها لم ترتكب أي جريمة سوى الوقوف إلى جانب الفنانين في حياتهم المهنية. غير أن المحكمة رفضت طلب الإفراج المشروط، وحددت مطلع أكتوبر موعداً للجلسة المقبلة.
ردود الفعل على قرار التمديد لم تتوقف عند الفنانين، بل امتدت إلى الشارع التركي حيث تصدّر وسم يحمل اسمها منصات التواصل الاجتماعي، وتحوّل إلى منصة للتعبير عن الغضب من استمرار اعتقالها. البعض اعتبر أن محاكمتها سياسية بامتياز وأنها تدفع ثمن قربها من رموز فنية لهم آراء معارضة، بينما رأى آخرون أن القضية تمثل اختباراً جديداً لمدى التزام القضاء التركي بالمعايير الدولية للعدالة.
فريق الدفاع عن باريم أعلن عزمه التقدم بطلب استرحام قضائي وإنساني خلال الأيام المقبلة، مع تصعيد الملف إلى مؤسسات حقوق الإنسان الدولية. وقال محاميها إن استمرار احتجازها “لا يهدد حياتها المهنية فقط، بل يهدد حياتها الشخصية أيضاً، وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً قبل فوات الأوان”.
قضية عائشة باريم أصبحت اليوم أكثر من مجرد ملف قضائي، إذ باتت رمزاً للتقاطع بين السياسة والفن في تركيا، ومؤشراً على حجم التوتر الذي يعيشه الوسط الفني في بلد لطالما اعتُبر رائداً في تصدير الدراما إلى العالم العربي وأوروبا. ومع اقتراب موعد الجلسة المقبلة، تبقى الأنظار شاخصة نحو قاعة المحكمة في إسطنبول، حيث ينتظر الجمهور والفنانون على حد سواء ما إذا كانت العدالة ستمنح باريم فرصة للحرية أم ستستمر معركتها خلف القضبان.