موسم الرياض بلا مصريين؟ جدل، رسائل، وتحولات غير مسبوقة في المشهد الفني العربي
في تحوّل دراماتيكي أثار ضجة واسعة، أعلن المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، أن فعاليات موسم الرياض المقبل ستقام من دون مشاركة الفنانين المصريين، مع توجّه نحو الاعتماد الكامل تقريبًا على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين، بالإضافة إلى تقديم المسرحيات المحلية وبعض المسرحيات السورية والعالمية.
تصريح آل الشيخ جاء صريحًا ليُنهي سنوات من الحضور المصري القوي في كل موجات الترفيه الكبرى في السعودية، ويطرح أسئلة عميقة حول أسباب القرار وانعكاساته على الساحة الفنية في مصر والخليج.
مفاجأة كبيرة وحديث منصات التواصل
القرار الذي صيغ كتدوينة مقتضبة على منصات التواصل الاجتماعي انتشر كانتشار النار في الهشيم. اعتبر كثير من المصريين والخليجيين أنه يمثل “صدمة” خاصة أن موسم الرياض ارتبط لعدة سنوات بعروض ومسرحيات مصرية ضخمة، وحضور أبرز نجوم الكوميديا والغناء والمسرح المصري.
وعلى الفور، انطلقت حملات إلكترونية تهاجم القرار، وتربط بين الفن المصري وقوة مصر الناعمة التي كانت، ولا تزال، مفردة رئيسية في صياغة الذوق الفني الخليجي والعربي لعقود. أشار ناشطون إلى أن الفن المصري صنع وجدان أجيال من الخليجيين والسعوديين على السواء، متسائلين: “هل ينجح موسم الرياض من دون موسيقى ولهجة وقصص مصرية؟”.
موسم الحضور ثم الغياب: أرقام وتجارب
تاريخيًا، كان للفنانين المصريين النصيب الأكبر في موسمي الرياض السابقين؛ فقد شارك أكثر من 50 موسيقيًا مصريًا بقيادة أسماء لامعة مثل حازم الأصبجي، إلى جانب عشرات العروض المسرحية والحفلات الغنائية، لدرجة أن الفترة الممتدة من 2019 حتى 2022 اعتُبرت “ذروة” التأثير المصري في الرياضة والترفيه السعودي. بل وُقعت شراكات رسمية وجرى عقد صفقات رعاية إنتاجية وثقافية على أرفع مستوى، آخرها في فبراير .
تبريرات سعودية واستقلال فني
في المقابل، دافع سعوديون عن توجه موسم الرياض الجديد، معتبرين أن من حق المملكة تطوير كوادرها والاستثمار في المواهب المحلية والخليجية، وأن التجربة المصرية كان لا بد لها أن تكون “جسرًا” وليست بديلاً دائمًا. أشاد البعض بأن الإجراء يمثل خطوة ناضجة تعزز هوية الفن السعودي والخليجي وتتيح للمواهب الجديدة فرصة الظهور، تمامًا كما فعلت مصر في بدايات نهضتها الفنية.
ورد آخرون بأن القرار نابع من رغبة سعودية في تنويع مصادر الإبداع وعدم الاتكاء الدائم على مصر، مشددين على أن حضور المسرح السوري كمكمل يعكس حرص الهيئة على الثراء والتجدد لا الاستبعاد العدائي.
غضب مصري ونقاش جدوى التجربة
من الجانب المصري، انقسمت الآراء بين من رأى القرار “إهانة للفن المصري” واستبعادًا غير مبرر سيؤثر على نجاح الموسم، ومن رأى فيه فرصة ضرورية للعودة لتركيز الجهود على الداخل المصري، وبناء صناعة الترفيه والمؤسسات الإنتاجية الوطنية.
وأكد كثير من النقاد ونشطاء السوشيال ميديا أن “القيمة الفنية الحقيقية لا تهتز بقرار موسمي”، وأن المصريين مازالوا يمتلكون الريادة تاريخيًا، مطالبين المنظومة الثقافية المصرية باستعادة ضبط أدواتها وهويتها بدلاً من تصدير الإبداع لصالح مواسم عابرة مهما بلغت شعبيتها أو عوائدها.
خلفية سياسية أم مناخ متغير؟
بينما أشار البعض، خاصة من رواد مواقع التواصل، إلى أن القرار قد يعتبر مؤشراً لمسافة سياسية متزايدة بين القاهرة والرياض، نفى مسؤولون وكتاب سعوديون ذلك بقوة، مؤكدين أن القرار فني بحت ولا يحمل أي دلالات دبلوماسية، بل يجيء ضمن “استراتيجية التوطين” وتحقيق الاستقلالية في القطاعات الإبداعية والثقافية.
هل ستصمد المعادلة الجديدة؟
المشهد اليوم أمام تحويلة حقيقية: هل ينجح موسم الرياض من دون المصريين؟
- البعض يراهن على قوة الذاكرة الفنية المصرية لدى الجمهور الخليجي، ويرى أن غيابهم قد يكون مجرد مرحلة انتقالية.
- وآخرون يؤمنون أن التجربة السعودية قد تكون بداية حقيقة لانفتاح عربي أوسع، وربما تغيير تركيبة سوق الترفيه العربي إلى الأبد.
يبقى المؤكد أن المشهد الثقافي العربي سيبقى بحاجة لحوار واعٍ حول أدوار الجميع، وأن الريادة والانفتاح لا يصنعهما قرار فردي بل زمن كامل من العمل والابتكار والتجديد. القصة أبعد من موسم وأضخم من ساحة عرض: إنها مسألة هوية، طموح، وذاكرة ثقافية لشعوبٍ يصعب أن تختصرها أي توجيهات رسمية.