ظلت مشكلة الكهرباء في العراق خلال السنوات الأخيرة منذ 2003 تؤرق المسؤولين والمواطنين العراقيين على حد سواء.
ففي كل موسم صيف تطل قطوعات الكهرباء برأسها على بلد ينتج ملايين البراميل من النفط يومياً، بحيث لا تنقصه الأموال على الاستثمار في قطاع الكهرباء، أو شراء المعدات والمحطات وقطع الغيار وغيرها.
ما الأسباب الحقيقة وراء أزمة الكهرباء!
منصة “لنا” تابعت الموضوع وتقصت عنه مع الدكتور عبد الرحمن المشهداني أستاذ التمويل الدولي في الجامعة العراقية في بغداد، والخبير الاقتصادي، وسألته أولا عن الأسباب الرئيسية في عودة أزمة الكهرباء كل صيف في العراق!
المشهداني، قال إن الأمر متوقع في كل صيف، وكذلك في ذروة الشتاء يُتوقع حدوث نفس القطوعات، مُعزياً ذلك لعدة أسباب، منها “بسبب محدودية انتاج الكهرباء في محطات الطاقة في العراق، فالانتاج الفعلي للكهرباء محدود يقدر بنحو 28000 ميغاواط والطلب الكلي نحو 52000 ميغاواط ومن الصعب تعويض هذا النقص مع ارتفاع الطلب اليومي”، مضيفاً أنه لا توجد خطط استراتيجية لبناء محطات كهربائية لانتاج الكهرباء لعشر سنوات قادمة مثلاً.

الاعتماد على الغاز الإيراني والشد والجذب في هذا الأمر
ومن بين الأسباب التي أوردها المشهداني، وراء أزمة الكهرباء، هي أن “8000 ميغاواط من انتاج المحطات الكهربائية تعتمد على الغاز الايراني وهذا الامر يظل بين شد وجذب في بعض الأحيان، حيث يكون هناك تشديد في العقوبات الامريكية على استيراد الغاز من ايران فتخفض إيران تجهيز الغاز فتحدث القطوعات، وفي أحيان أخرى تعاني إيران من مواسم الذروة بارتفاع درجات الحرارة في البلد فتحول الغاز الى محطاتها لسد حاجة الاستهلاك المحلي ويكون على حساب توريد الغاز للعراق”.
المشهداني: الفشل المتعاقب على وزارة الكهرباء سبب في الأزمة

وبرأي الدكتور عبد الرحمن المشهداني، فإن هناك سبب ثالث، يتمثل في “الفشل المتعاقب على وزارة الكهرباء بدءا من 2003 حتى اليوم، فكل خطط الوزراء والوزارات كانت لا تنسجم مع طبيعة وأجواء العراق”، على حد وصفه.
المشهداني أضاف أن “كل التعاقد يكون مع الشركات العالمية المنفذة على محطات غازية، وهذه المحطات يحصل بها انقطاع عندما ترتفع درجات الحرارة فتقارب 40 أو 45 درجة مئوية، وابتعدوا عن إنشاء وبناء محطات تعمل بالوقود الحراري، والعراق ينتج أكثر 4,5 مليون برميل من النفط ولديه شح في الغاز، ويتم اهمال المحطات التي تعمل بالوقود الثقيل وكان من الممكن أن يحل المشكلة”.
المشهداني: التعاقد مع الشركات الوهمية

في حديثه لمنصة “لنا” أوضح الخبير الاقتصادي أن عجز الحكومات يظهر في سوء إدارة العقود الكبرى، حتى عند التعامل مع شركات عالمية. وذكر مثالاً على ذلك بالتعاقد مع شركة ثانوية في ألمانيا، حيث تم تسليمها مبلغ مليار و850 مليون دولار نقداً، ليكتشف لاحقاً أن هذه الشركة لم تكن ذات وجود حقيقي، مما يعكس خللاً كبيراً في آليات التدقيق والمتابعة.
وأضاف كذلك الحال مع شركة كورية تم التعاقد معها على أساس بناء محطات وبعد تسليم المبلغ تبين أن الشركة وهمية.
وعلى موقعها الرسمي، أفادت هيئة النزاهة العراقية في بداية شهر مايو الماضي أفاد الهيئة “بتنفيذ عمليَّة ضبطٍ بإحدى دوائر الكهرباء في مُحافظة كربلاء، مُبيّنةً أنَّه تمَّ توقيف (٥) مُوظَّفين من بينهم مديرون؛ لاستيلائهم بغير حقٍّ على مالٍ مملوكٍ للدولة”، وأضافت الهيئة بأنه “… وتمَّ تحديد الموادّ المستولى عليها التي اشتملت على أعمدةٍ مُدوَّرةٍ ومشبكةٍ وأسلاكٍ ومُحوّلاتٍ وقابلوات”.
كما أوردت الهيئة أيضاً أنها “تمكَّنت من إعادة قرابة مليار دينار لمصلحة وزارة الكهرباء؛ نتيجة الإجراءات التحقيقيَّة الأصوليَّـة في قضيَّة المُخالفات الماليَّة بأحد العقود الذي أبرمته الشركة العامَّة لتوزيع كهرباء الرصافة (سابقاً) مع شركة تجارةٍ ومقاولاتٍ عامَّةٍ”.
حجم الأموال التي صُرفت من أجل معالجة أزمة الكهرباء
وفي سؤال لمنصة “لنا” عن الأموال التي صُرفت لحل المشكلة، فقد قسمها دكتور المشهداني لثلاثة أقسام
أولا: المرتبات والأجور
أوضح المشهداني لمنصة “لنا” أن جزءاً كبيراً من الأموال الحكومية يُخصص للرواتب والأجور. وأشار إلى أن بعض الوزارات، مثل الكهرباء، تعاني من تضخم كبير في أعداد الموظفين يتجاوز الحاجة الفعلية بأضعاف، مما يضع عبئاً مالياً على الدولة.
ثانياً: الجانب الاستثماري
يقول المشهداني إن ما صُرف من أموال في القسم الثاني المتعلق بالاستثمار تجاوز 100 مليار دولار على شراء المحطات والوقود والتجهيزات، ومنها المحطات الوهمية، ويضيف بقوله، “فالحكومة صرفت أكثر من 150 مليار – 170 مليار خلال السنوات الـ 20 الماضية ولم تحقق انجازاً في هذا الموضوع.
ثالثاً: المواطنون ومحطات التوليد الصغيرة

ما تبقى من صرف الحكومة على قطاع الكهرباء، عزاه المشهداني إلى الصرف الخاص للمواطنين على محطات التوليد الصغيرة المنتشرة وسط الأحياء في المدن، وقال، “وهذه خسائرها كبيرة لأن الحكومة ملزمة بتجهيز رقم كبير من الوقود يكلف الحكومة مليارات الدولارات سنوياً، لأن تمويل وقود هذه المولدات يتم بأسعار مدعومة، … وهذا أيضا كلفة لأن المواطن عليه دفع ما يعادل 100 دولار شهريا على عدد المنازل والمحلات”.
الحلول المنطقية والواقعية لأزمة الكهرباء في العراق
بحسب أستاذ التمويل الدولي في الجامعة العراقية في بغداد، والخبير الاقتصادي، فإنه لا يوجد منطق حالياً في إيجاد حل لمشكلة الكهرباء في البلاد، فلن تحل المشكلة إلا بالتعاقد مع شركات عالمية رصينة، وهذه الشركات يتم التعاقد معها بالمراحل الأربعة المعروفة لقطاع الكهرباء.
ويرى المشهداني أن الحكومة عليها النظر في هذه القطاعات وإيجاد الحلول لها، وهي قطاع التوليد، والنقل، والتوزيع، والجباية.
ويقول، موضحاً، “ففي قطاع التوليد لابد من إنشاء منظومات تعمل بالوقود المتوفر وتتناسب مع الأجواء العراقية، وشركة سيمنز يمكن أن تكون واحدة من الخيارات، كذلك يمكن لشركة جنرال إلكتريك المساهمة في قطاع التوليد”.

أما في قطاع النقل فيقول المشهداني، “يحتاج العراق لشركات في قطاع النقل، لأن هناك مشكلة في هذا القطاع، لأن الكثير من خطوط النقل من المحطات الرئيسية التي تجهز بها المدن أصبحت قديمة وتعرضت للكثير من العمليات الإرهابية، وتقطعت الأسلاك، فضلا عن الأحمال الزائدة”، مبيناً أن هذا القطاع يحتاج أيضاً لشركات عالمية للقيام بهذه الاصطلاحات.
المشهداني: الحلول الجزئية هي الأفضل، مع ضرورة وجود استراتيجية واضحة
ويرى المشهداني أن الحلول الجزئية هي الأفضل للعمل على مستوى المحافظات والربط بين محافظتين أو ثلاثة ومن ثم الربط على المستوى الوطني.

أما فيما يخص منظومات الطاقة الشمسية فلا يرى المشهداني فيها حلاً لأزمة الكهرباء، ويقول، ” فمحطات مثل محطة الناصرية عشرات الألواح لانتاج 1000 ميغاواط وهذا رقم قليل لا يكفي لمحافظة واحدة وكان الافضل بناء محطات حرارية”، على حد تعبيره،
المشهداني شدد في حديث مع منصة “لنا” على ضرورة وجود استراتيجية واضحة لوزارة الكهرباء لمعالجة المشكلة.




