إجراءات جديدة للحد من الولادات القيصرية

إجراءات جديدة للحد من الولادات القيصرية وتشجيع الولادة الطبيعية الآمنة، في خطوة تهدف لحماية صحة الأمهات والمواليد

فريق التحرير
فريق التحرير
إجراءات جديدة للحد من الولادات القيصرية

أصدرت وزارة الصحة والسكان المصرية، نهاية أغسطس الماضي، حزمة إجراءات تنظيمية ملزمة لجميع المنشآت الطبية الخاصة، بهدف تعزيز الولادة الطبيعية الآمنة وخفض معدلات العمليات القيصرية غير المبررة طبياً. تأتي هذه الخطوة استناداً إلى أحدث المعايير العالمية والإرشادات الصادرة عن المجلس الصحي المصري، لضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة للأمهات والمواليد.

صرح الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أن هذه الإجراءات تمثل خطوة محورية لرفع مستوى خدمات النساء والتوليد في القطاع الخاص، بما يتماشى مع المبادرة الرئاسية “الألف يوم الذهبية لتنمية الأسرة المصرية”. وأوضح أن الوزارة تهدف إلى تعزيز سلامة الأمهات والمواليد من خلال ضمان تطبيق أفضل الممارسات الطبية والمتابعة الدقيقة للتقارير الإحصائية الدورية.

التقارير الإحصائية الشهرية والمعايير المطلوبة

ألزمت الوزارة المنشآت الطبية الخاصة بتقديم تقارير إحصائية شهرية مفصلة تشمل عدة عناصر محورية. تشمل هذه التقارير إجمالي عدد الولادات في كل منشأة، ونسبة الولادات القيصرية وتصنيفها وفقاً لنظام “روبسون”، وتحليل أسباب إجراء العمليات القيصرية بناءً على بيانات “البارتوجرام”، والتحديات التي تواجه الفرق الطبية أثناء التنفيذ.

نظام “روبسون” لتصنيف الولادات القيصرية

يعتبر نظام تصنيف “روبسون” أداة عالمية معتمدة من منظمة الصحة العالمية منذ عام 2015 لتقييم ومراقبة ومقارنة معدلات العمليات القيصرية. يقوم هذا النظام بتصنيف جميع النساء في مرحلة الولادة إلى إحدى عشر مجموعات على أساس خمس خصائص أساسية يتم جمعها بشكل روتيني في جميع مستشفيات الولادة.

Advertisement

تشمل هذه الخصائص عدد حالات الحمل السابقة، وعدد الأجنة، والعمليات القيصرية السابقة، وبداية المخاض، وعمر الحمل، ووضعية الجنين. يهدف هذا التصنيف إلى مساعدة المرافق الصحية على تحديد وتحليل المجموعات التي تساهم أكثر أو أقل في معدلات العمليات القيصرية الإجمالية، ومقارنة الممارسات مع وحدات أخرى لديها نتائج أفضل.

تطبيق أداة “البارتوجرام” بشكل إلزامي

أكد الدكتور هشام زكي، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص، أن الوزارة ألزمت الفرق الطبية في أقسام النساء والتوليد بالقطاع الخاص بتطبيق المعايير المعتمدة من المجلس الصحي المصري. وأشار إلى أن أداة “البارتوجرام”، وهي أداة عالمية لرصد تطور مراحل المخاض، ستُستخدم بشكل إلزامي لمتابعة الولادات الطبيعية بدقة.

يعد “البارتوجرام” أداة لمراقبة حالة الأم والجنين أثناء الطور النشط من المخاض، والمساعدة في اتخاذ القرارات عند اكتشاف أية حالة غير طبيعية. العنصر الأساسي في هذه الأداة هو مخطط بياني لتسجيل تقدم توسع عنق الرحم وفقاً للفحص المهبلي، ويبدأ استخدام مخطط المخاض عند حدوث التوسع بمقدار 5 سم مع حدوث 3 انقباضات كل 10 دقائق.

معدلات الولادة القيصرية المرتفعة في مصر

تأتي هذه الإجراءات في ظل ارتفاع معدلات الولادة القيصرية في مصر إلى مستويات قياسية عالمية. أكدت الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة والسكان، أن معدلات الولادة القيصرية في مصر وصلت إلى 72%، مما يجعلها أعلى دولة في العالم في هذا النوع من الولادات. وأشارت إلى أن هذه النسبة تتجاوز بكثير التوصيات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية والتي تتراوح بين 10% إلى 15% فقط.

Advertisement

وصفت نائب وزير الصحة هذه النسبة بـ”الكارثية التي يجب التصدي لها”، مؤكدة أن الدراسات الطبية أظهرت أن الولادات القيصرية إذا تجاوزت 15% أو كانت أقل من 10%، فقد تزيد من خطر تعرض الأطفال لمضاعفات صحية غير ضرورية. وأضافت أن المعدلات المرتفعة من الولادة القيصرية أدت إلى ارتفاع في نسب المضاعفات الصحية لدى السيدات والأطفال في مصر.

الأسباب وراء ارتفاع معدلات الولادة القيصرية

ترجع الدكتورة عبلة الألفي ارتفاع هذه النسب إلى أسباب عدة مشتركة بين الأطباء والسيدات. وأوضحت أن هناك استسهالاً للولادة القيصرية بشكل عام وعدم انتباه لمخاطرها، حيث تطلب السيدات من الأطباء عدم الخضوع للولادة الطبيعية خوفاً من الألم أو لعامل السرعة، رغم أن قرار الولادة القيصرية يجب أن يخضع لقرارات وآليات طبية وليس للتفضيلات الشخصية.

كما أشارت إلى عامل افتقار المنظومة الصحية لمقومات الولادة الطبيعية وأبرزها عدم وجود قابلات مدربات لمساعدة الطبيب ومرافقة السيدة خلال عملية التوليد. وأضافت أن الوزارة تقوم حالياً بتدريب كوادر من القابلات في المحافظات سواء للمستشفيات الحكومية أو الخاصة بواقع 30 قابلة في كل محافظة.

آليات المتابعة والتقييم

يبدأ تطبيق هذه التقارير بنهاية شهر أغسطس الماضي، مع التزام مستمر بتقديمها دورياً. ولضمان التنفيذ الفعال، كلفت الوزارة مديريات الشؤون الصحية بالمحافظات بمتابعة تطبيق هذه الإجراءات وتقييم أداء المنشآت الطبية بشكل مستمر.

Advertisement

أوضح زكي أن تطبيق “تصنيف روبسون” يسهم في توثيق كل حالة ولادة وتحديد ما إذا كانت العملية القيصرية ضرورية طبياً، مما يعزز الشفافية ويسهل عمليات المراقبة والتقييم. كما أشار إلى أن السجلات الإلكترونية ستُستخدم لتسهيل تحليل البيانات ومتابعة الالتزام بالمعايير.

الأهداف الصحية والاقتصادية

عدّ عضو لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، الدكتور عبد المنعم شهاب، الإجراءات الجديدة التي أعلنتها وزارة الصحة “مهمة جداً”. وأوضح أن هذا الموضوع مهم على مستويين: الأول مستوى صحة الجنين والأم، والثاني على المستوى الاقتصادي لمغالاة بعض الأماكن في تقدير المقابل المادي للولادة القيصرية.

وتابع النائب أن الولادة الطبيعية هي الأمر الشائع الذي يجب أن يسود، والقيصرية هي استثناء لظروف طبية معينة يجب أن تكون لها معايير صارمة. وأكد ضرورة عمل وزارة الصحة على مراقبة تنفيذ هذه المعايير نظراً للجوء كثيرين إلى الولادة القيصرية سواء بدافع الاستسهال أو الخوف من جانب الأم، أو أحياناً باقتراح من المنشآت الطبية.

السياق الديموغرافي والإحصائي

يبلغ عدد المواليد سنوياً في مصر ما يقارب مليوني مولود، وبلغ في نهاية عام 2024 مليوناً و998 ألفاً، مسجلاً تراجعاً عن العام السابق له بنسبة انخفاض بلغت 3.8%، حيث وصلت الأعداد في عام 2023 إلى مليونين و45 ألف مولود. ووصل متوسط نسبة الولادات القيصرية في مصر إلى 72% خلال السنوات الأربع الماضية وفق إفادات سابقة لمسؤولين في وزارة الصحة.

Advertisement

التطوير المستمر والرؤية المستقبلية

تؤكد وزارة الصحة والسكان التزامها بدورها الرقابي والتنظيمي لضمان جودة الخدمات الصحية في القطاع الخاص من خلال آليات متابعة صارمة وتقييم دوري. وتهيب الوزارة بجميع المنشآت الطبية الخاصة التعاون الكامل لتحقيق هذه الأهداف حفاظاً على صحة الأم والطفل وسعياً لتعزيز مكانة مصر في تقديم خدمات صحية متميزة.

تمثل هذه الإجراءات خطوة مهمة في إطار الجهود الحكومية الشاملة لتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، خاصة في مجال صحة الأم والطفل الذي يعتبر من أولويات الدولة المصرية في خططها التنموية الصحية.