اقترحت الحكومة الدنماركية قانوناً رائداً يُعتبر الأول من نوعه في أوروبا، يمنح جميع المواطنين حقوقاً تشبه حقوق الملكية الفكرية على ملامحهم الصوتية والبصرية، بهدف مكافحة تقنيات التزييف العميق المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
أعلنت وزارة الثقافة الدنماركية في 26 يونيو 2025 عن اقتراحها لتعديل قانون حقوق الطبع والنشر الدنماركي، حيث حصلت على دعم واسع من جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان. يهدف هذا التشريع المقترح إلى حماية المواطنين من الاستخدام غير المصرح به لصورهم وأصواتهم في المحتوى المزيف المولد بالذكاء الاصطناعي.
نطاق القانون وآليات التطبيق
يشمل القانون المقترح حماية شاملة ضد “المحاكيات الرقمية المولدة بطريقة واقعية” للخصائص الشخصية والجسدية للأفراد، بما في ذلك الوجه والصوت والجسم. وفقاً لوزير الثقافة الدنماركي ياكوب إنجل شميدت، فإن القانون “يرسل رسالة واضحة لا لبس فيها بأن كل شخص له الحق في جسده وصوته وملامح وجهه”.
ينص التشريع على منع مشاركة أي محتوى مزيف واقعي لشخص دون موافقته المسبقة، مع إمكانية مطالبة المنصات الرقمية بإزالة هذا المحتوى. كما يتيح للأفراد المتضررين المطالبة بتعويضات مالية في حالة الاستخدام غير المصرح به لصورهم أو أصواتهم.
يتضمن القانون استثناءات محددة للمحاكاة الساخرة والنقد السياسي والفن، بشرط ألا تسبب هذه المحتويات أضراراً جسيمة أو تنشر معلومات مضللة. كما يحمي القانون بشكل خاص الفنانين المؤدين من التقليد الرقمي غير المصرح به لأعمالهم الفنية.
الجدول الزمني للتطبيق والدعم السياسي
خضع مشروع القانون للمشاورات العامة خلال صيف 2025، ومن المتوقع أن يُطرح للتصويت في البرلمان الدنماركي في خريف 2025. يحظى المشروع بدعم يصل إلى 90% من أعضاء البرلمان، وفقاً للتصريحات الحكومية.
في حالة إقراره، سيدخل القانون حيز التنفيذ في 31 مارس 2026. ستواجه المنصات الرقمية التي تفشل في إزالة المحتوى المزيف غرامات مالية كبيرة، كما أكد وزير الثقافة الدنماركي.
السياق العالمي والمبادرات المماثلة
تأتي هذه المبادرة الدنماركية في ظل تزايد المخاوف العالمية من تقنيات التزييف العميق وتأثيرها على الديمقراطية والأمان الشخصي. أشار وزير الثقافة إلى أن “التكنولوجيا تجاوزت التشريعات” وأن هناك حاجة ملحة لحماية الأفراد من سوء استخدام الذكاء الاصطناعي.
على الصعيد الدولي، اتخذت دول أخرى خطوات مماثلة ولكن بنطاق أضيق. وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2025 تشريعاً يجرم نشر الصور الحميمة دون موافقة، بما في ذلك المحتوى المزيف. كما طبقت كوريا الجنوبية العام الماضي إجراءات لمكافحة المحتوى الإباحي المزيف.
الآثار على منصات التقنية والمستقبل الأوروبي
يتوقع أن يؤثر القانون بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا العاملة في الدنمارك، حيث ستكون ملزمة بتطوير آليات فعالة لاكتشاف وإزالة المحتوى المزيف. تشمل هذه المنصات فيسبوك وإنستغرام وتيك توك ويوتيوب وغيرها.
تخطط الدنمارك لتوسيع نطاق هذا القانون على المستوى الأوروبي خلال فترة رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي في 2025-2026. قد يصبح هذا التشريع نموذجاً يُحتذى به في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، خاصة مع تزايد الضغوط لتطوير إطار قانوني شامل لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي.
يمثل هذا القانون خطوة جريئة نحو إعادة تعريف مفهوم الهوية الرقمية وحماية الأفراد في عصر الذكاء الاصطناعي. إذا نجح في تطبيقه، فقد يشكل سابقة مهمة للتشريعات الدولية في مجال حماية الهوية الرقمية ومكافحة التزييف العميق.