يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة محورية للشركات في سعيها نحو تحقيق النمو وتقليل تكاليف العمالة، خاصة مع تزايد الضغوط التنافسية التي تواجهها الشركات للحفاظ على قدرتها التنافسية. وقد اعتمدت الشركات في قطاعات متنوعة تشمل البرمجيات السحابية والوجبات السريعة والتجارة الإلكترونية أدوات الذكاء الاصطناعي داخلياً لتحسين الإنتاجية وتجربة العملاء وسلاسل التوريد، مما أدى إلى انخفاض الاعتماد على العمالة البشرية في بعض المجالات.
الاتجاه المتزايد نحو استبدال العمالة بالذكاء الاصطناعي
تكشف البيانات الحديثة أن نصف الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أنهم قد يستبدلون الوظائف بالذكاء الاصطناعي، مع ارتفاع هذا الرقم بين المديرين التنفيذيين في الإدارة العليا. وأظهرت دراسة أجرتها منصة «ترينغو» أن العاملين في المعرفة يقضون 41% من وقتهم في مهام متكررة يمكن أتمتتها، في حين يُفيد 67% من المديرين التنفيذيين أن فرقهم مثقلة بفائض المعلومات.
وفقاً لتقديرات البحث في شركة غولدمان ساكس، يمكن للابتكارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أن تحل محل 6-7% من القوى العاملة الأميركية إذا تم تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. كما تشير تقديرات المحللين في نفس المصرف الاستثماري إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ثلثي جميع المهن، ولكن التكنولوجيا الجديدة تخلق أيضاً عدة وظائف جديدة، مما قد يخفف من وطأة التحول للعمال المتضررين.
أمثلة من الشركات الكبرى على استخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير التكاليف
مايكروسوفت وبايبال
حققت شركة مايكروسوفت وفورات سنوية كبيرة تقدر بمئات الملايين من الدولارات من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي في أدوار الدعم، مؤكدة أن «التفاعل البشري غير ضروري» لتحسين الإنتاجية في هذه المناصب. وذكر الرئيس التنفيذي لشركة بايبال في وقت سابق من هذا العام أن روبوت العملاء الخاص بالشركة يقلل من حجم المكالمات الهاتفية والتفاعلات النشطة.
كلارنا وأوبس ودوولينغو
أعلنت شركة الخدمات المالية السويدية كلارنا أن أدوات الدردشة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والأنظمة المؤتمتة يمكنها تنفيذ المسؤوليات التي كان يقوم بها العمال البشر سابقاً، مثل الرد على استفسارات العملاء وإدارة عمليات الاسترداد.
أفادت شركة يو بي إس بنيتها إنهاء خدمات 20,000 موظف في أوائل عام 2025، في واحدة من أكبر التخفيضات في تاريخها البالغ 116 عاماً. أكدت الرئيسة التنفيذية كارول تومي أن التطورات في التكنولوجيا، وخاصة التعلم الآلي، سهلت هذه التخفيضات من خلال أتمتة المهام مثل إنشاء المقترحات لفرق المبيعات، والتي اعتمدت سابقاً على متخصصي التسعير البشر.
بدوره، تبنت شركة دوولينغو استراتيجية «الذكاء الاصطناعي أولاً» تخطط للتخلص التدريجي من المتعاقدين البشر للمهام التي يمكن للذكاء الاصطناعي أداؤها، وأنهت عقود 10% من قوتها العاملة المتعاقدة، منسبة هذا التحول إلى الانتقال نحو الذكاء الاصطناعي لترجمة المحتوى.
قطاع الوجبات السريعة يقود التحول التكنولوجي
ماكدونالدز وشيبوتلي
تستثمر شركة ماكدونالدز في الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وطورت بالشراكة مع آي بي إم تقنية أخذ الطلبات الآلية التي تتيح للعملاء تقديم الطلبات دون التفاعل مع موظف بشري. هذه التقنية ستسرع عملية الطلب وتحسن رضا العملاء، كما تخطط الشركة لتنصيب أذرع روبوتية صناعية مكلفة ستقوم بقلي البطاطس وشوي البرغر بدقة وسرعة ولكن دون شكاوى أو إضرابات.
من جهتها تستخدم شركة شيبوتلي الذكاء الاصطناعي والأتمتة لإدارة المهام المتكررة والتي تستغرق وقتاً طويلاً بكفاءة أكبر، حيث قدمت الشركة «شيبي»، وهو روبوت يصنع رقائق التورتيلا، ونظام طهي مدفوع بالذكاء الاصطناعي يخبر الموظفين بما يطبخون ومتى.
يم براندز
تطبق شركة يم براندز التي تمتلك علامات تجارية مثل كنتاكي فرايد تشيكن وتاكو بيل وبيتزا هت هذه التقنيات في ما يقرب من 3,000 من متاجرها الأميركية. تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للتنبؤ بالطلب على الطعام، مما يساعد الشركة على تقليل الهدر وتحسين إدارة المخزون.
قطاعا الشحن والتجارة الإلكترونية يعتمدان الأتمتة
أمازون ويو بي إس
كشف آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، في يوليو الماضي أن الشركة تشغل أكثر من مليون روبوت عبر مرافقها، مما يعزز كفاءة التكلفة ويوفر للعملاء أوقات تسليم أسرع وبتكاليف أقل. وفي يونيو 2025، حذرت أمازون موظفيها من أن الذكاء الاصطناعي سيساعد الشركة على الحصول على قوة عمل أصغر في المستقبل، حيث قال جاسي إن «إدخال المزيد من الذكاء الاصطناعي التوليدي والوكلاء يجب أن يغير الطريقة التي نؤدي بها مهامنا».
خلال مناقشة أرباح الربع الثاني في مايو، أشار الرئيس التنفيذي ليو بي إس إلى أن زيادة الأتمتة والروبوتات ستمكن الشركة من «أن تصبح أقل اعتماداً على العمالة البشرية».
الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي
وفقاً للخبراء، تشمل الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي ممثلي خدمة العملاء وموظفي إدخال البيانات وعمال المستودعات وموظفي الوجبات السريعة ومحللي أبحاث السوق على المستوى المبتدئ. كما تواجه مهن أخرى مثل مسؤولي المحاسبة والباحثين القانونيين مخاطر عالية للأتمتة.
من ناحية أخرى، تشير الدراسات إلى أن الوظائف التي تتطلب التفكير الإبداعي والمهارات الاجتماعية والقدرة على التكيف ستكون أقل عرضة للاستبدال. كما أن المهن كثيفة العمالة في البناء والحرف المهارية والتركيب والإصلاح والصيانة تُعتبر في خطر أقل من التهديدات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.
التأثير على سوق العمل والاقتصاد
يقدر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن الوصول إلى مساعدة الذكاء الاصطناعي مثل جي بي تي زاد الإنتاجية لوكلاء دعم العملاء بنسبة 14%. وتشير تقديرات غولدمان ساكس إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيرفع مستوى إنتاجية العمل في الولايات المتحدة والأسواق المتطورة الأخرى بحوالي 15% عند تبنيه بالكامل ودمجه في الإنتاج العادي.
من المتوقع أن تزيد البطالة المؤقتة الناجمة عن اعتماد التقنيات الموفرة للعمالة معدل البطالة الأميركي بـ 0.3 نقطة مئوية مع كل نقطة مئوية واحدة من الزيادة في نمو الإنتاجية المدفوعة بالتكنولوجيا، ولكن التأثير عادة ما يكون عابراً ويميل إلى الاختفاء بعد سنتين.
استجابة الشركات والعمال للتحول التكنولوجي
رغم التحديات، تتخذ بعض الشركات الذكية نهجاً مختلفاً تماماً عبر الاستثمار في برامج إعادة التدريب التي تحول قوتها العاملة إلى فرق تعاونية مع الذكاء الاصطناعي. أنفقت أمازون 700 مليون دولار على إعادة تدريب 100,000 موظف للمناصب عالية المهارة، حيث لم تلغِ الوظائف بل رفعتها، فأصبح عمال المستودعات فنيي روبوتات وموظفو إدخال البيانات محللي بيانات.
وفي المقابل، أظهر استطلاع حديث أن 49% من باحثي العمل من الجيل زد الأميركي يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي قد قلل من قيمة تعليمهم الجامعي في سوق العمل. كما تتوسع الشركات الأميركية في عملياتها التجارية في الهند، حيث يمكن توظيف المهنيين المهرة بتكاليف أقل بكثير، مما يزيد من حدة المنافسة على الأدوار المكتبية.
التوقعات المستقبلية والاستعداد للتحول
يتوقع الخبراء فترة تحويلية تتراوح من 10 إلى 30 سنة سيعيد خلالها الذكاء الاصطناعي تشكيل غالبية الوظائف. يشير تقرير من ماكينزي إلى أنه بحلول عام 2030، قد يتم أتمتة حوالي 30% من العمالة الأميركية الحالية، مع تعديل 60% بشكل كبير من خلال تدخلات الذكاء الاصطناعي.
ويتوقع غولدمان ساكس أنه بحلول عام 2045، قد تكون ما يصل إلى 50% من الوظائف مؤتمتة بالكامل، مدفوعة إلى حد كبير بالتطورات في الذكاء الاصطناعي التوليدي والروبوتات. بينما تشير تقديرات سابقة من غولدمان ساكس إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى فقدان 300 مليون وظيفة، مع مواجهة 25% من القوى العاملة العالمية للأتمتة.
في الختام، يبرز الذكاء الاصطناعي كقوة تحويلية جذرية تعيد تشكيل بيئة العمل عبر القطاعات المختلفة. فبينما تجني الشركات فوائد كبيرة من ناحية خفض التكاليف وتحسين الكفاءة، تواجه القوى العاملة تحديات حقيقية تتطلب إعادة تقييم المهارات والاستثمار في التدريب والتطوير لمواكبة هذا التحول التكنولوجي الذي لا مفر منه.