تشهد الضفة الغربية هذه الأيام أزمة اقتصادية خانقة باتت تهدد استقرار المجتمع والمؤسسات، في الوقت الذي يجري فيه الحديث الدولي عن خطة السلام الأمريكية الجديدة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، والتي ترسم الخطوط العريضة لدولة فلسطينية مستقبلية، بحسب رويترز.
أسباب الانهيار الاقتصادي في الضفة الغربية
أرجع تقرير حديث للبنك الدولي التدهور الاقتصادي الكبير في الضفة الغربية إلى عدة عوامل متراكبة، أبرزها القيود الإسرائيلية الشديدة على حركة التجارة، وتوقف تحويل جزء كبير من أموال المقاصة الضريبية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، وتأثير الصراع المستمر في قطاع غزة منذ أكثر من عامين.
فقد أقدمت السلطات الإسرائيلية، منذ مايو 2025، على احتجاز ما يقارب 10 مليارات شيكل (نحو 2.96 مليار دولار) من أموال الضرائب المخصصة للسلطة، الأمر الذي أدى إلى عجز السلطات الفلسطينية عن دفع رواتب الموظفين كاملة ودفع المقاولين والمتعهدين مستحقاتهم.
وخلال الأشهر الأخيرة، خفضت السلطة الفلسطينية نسبة الرواتب المدفوعة إلى 70% ثم 60% وفي يونيو انخفضت النسبة إلى أقل من 50%. هذا النقص المالي الحاد انعكس مباشرة على مجمل الاقتصاد المحلي.
كما أُغلقت معظم الممرات الاقتصادية الحيوية بفعل استمرار توسع المستوطنات الإسرائيلية وشبكة نقاط التفتيش، مما أدى إلى تمزيق أسواق العمل وسلاسل الإمداد وزيادة تكاليف النقل والتشغيل للشركات الفلسطينية.
تداعيات الأزمة على المجتمع والخدمات العامة في الضفة الغربية
وتسبب النقص الحاد في السيولة المالية بانخفاض حاد في تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، حيث أكدت وزارة الصحة الفلسطينية وجود نقص خطير في الأدوية ولوازم العمليات الجراحية العامة.
ويُشير مسؤولون في السلطة إلى تعطل قدرة الوزارات على توفير المستلزمات اليومية للجهات الحكومية.
وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، مع تقديرات رسمية بوصول نسبة الفقر في الأراضي الفلسطينية إلى نحو 40% منتصف 2025، مقارنة مع 29% فقط في عام 2023.
وشهد الناتج المحلي الإجمالي للضفة انكماشاً بنسبة 25% في الربع الأول من 2024، وفق بيانات البنك الدولي، وهي واحدة من أسوأ الانكماشات في التاريخ الاقتصادي للمنطقة.
أزمة في النظام المالي والمصرفي الفلسطيني
وقد حذرت تقارير مصرفية من خطر حقيقي على النظام المالي الفلسطيني، خاصة مع استنزاف عملة الشيكل الإسرائيلي وارتفاع مديونية الحكومة للقطاع المصرفي المحلي.
كما تشير التقديرات إلى أن فجوة التمويل في السلطة قد تتجاوز 1.8 مليار دولار نهاية 2024، وهو ضعف فجوة العام الماضي، ما يهدد استدامة الخدمات العامة وخطر الانهيار الشامل.
التحديات أمام خطة ترامب لبناء الدولة الفلسطينية
رغم أن خطة ترامب تنص على إعادة إعمار غزة وتأهيل الاقتصاد الفلسطيني عبر حزم استثمارية دولية ونموذج اقتصادي جديد برعاية قوى إقليمية، إلا أن الواقع في الضفة الغربية يعاكس هذه الطموحات.
إذ تتطلب الدولة الفلسطينية اقتصاداً قوياً، في حين تُخنق الضفة الغربية بقيود الاحتلال والاستيطان ونقص الأموال والموارد.
ويحذر خبراء اقتصاد ومسؤولون فلسطينيون من أن استمرار “الحرب المالية” الإسرائيلية وتجميد الإيرادات سيعيق أي إمكانية لبناء مؤسسات دولة قابلة للحياة اقتصادياً وإدارياً.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بأنها تُجهض بصورة ممنهجة جميع المقومات الأساسية لقيام دولة فلسطينية، من خلال تشديد الحصار الاقتصادي وتطبيق سياسات تكرس التبعية والضعف المؤسسي للضفة الغربية.