شهدت أسعار الأسمنت في السوق المصرية انخفاضًا ملحوظًا خلال الثلاثين يومًا الماضية، إذ تراجعت بنسبة 25% تقريبًا لتسجل 4000 جنيه للطن، وذلك بعد ارتفاعات غير مسبوقة شهدتها السوق خلال الأشهر الماضية. وجاء هذا التراجع نتيجة اتفاق بين الشركات المصنعة والحكومة على ضخ كميات إضافية في السوق المحلي وتوسيع الإنتاج لتلبية الطلبين المحلي والتصديري، بحسب ما أفاد به مسؤولان في القطاع في تصريحات للشرق.
تفاصيل الاتفاق وتأثيره على السوق
قال أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، إن الانخفاض جاء بعد “ضخ كميات كبيرة في السوق من قبل الشركات، عقب اجتماع جمع وزير الصناعة، كامل الوزير، بممثلي الشركات، حيث تم الاتفاق خلاله على خفض الأسعار وزيادة المعروض المحلي”.
وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت الحكومة قرارًا بتجميد خفض الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت إلى أجل غير مسمى، بعد تعليق مؤقت استمر في شهري مايو ويونيو، بهدف مواجهة الزيادات السعرية الحادة وتعزيز العرض المحلي.
انخفاضات متوقعة إضافية
توقّع الزيني أن تستمر الأسعار في الهبوط، مدعومة بإعادة تشغيل عدد من خطوط الإنتاج المتوقفة، وهو ما أكده أيضًا أحمد شيرين كريم، رئيس شعبة الأسمنت بغرفة مواد البناء باتحاد الصناعات. وأوضح كريم أن هناك خطوات فعلية لإعادة تشغيل تلك الخطوط بالتعاون مع الحكومة، ضمن مساعٍ مشتركة لتوفير المزيد من المعروض وخفض الأسعار.
الطاقة الإنتاجية ومعدلات التصدير
تضم السوق المصرية حاليًا 23 شركة أسمنت، بإجمالي 46 خط إنتاج، بطاقة مرخصة تبلغ 76 مليون طن سنويًا، في حين تصل الطاقة الفعلية إلى نحو 85 مليون طن، مقابل استهلاك محلي لا يتجاوز 47 مليون طن. وحقق قطاع الأسمنت رقمًا قياسيًا في حجم التصدير خلال عام 2024 بلغ 20 مليون طن، مقارنة بـ13.4 مليون طن في عام 2023.
مستويات الأسعار والربحية
أشار هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث في شركة “الأهلي فاروس”، إلى أن أسعار الأسمنت مرشحة للتراجع إلى مستوى يتراوح بين 65 و70 دولارًا للطن (ما يعادل 3250 إلى 3500 جنيه تقريبًا)، مقارنةً بحوالي 80 دولارًا حاليًا. وأكد أن هذا النطاق يُعد مرضيًا جدًا للشركات من حيث هامش الربح.
وأضاف أن التراجع مدعوم باستثمارات جديدة ضختها الشركات لزيادة الطاقة الإنتاجية، مع إعادة تشغيل خطوط كانت متوقفة، ما يعكس تحسنًا واضحًا في ربحية الشركات مقارنةً بالأربع سنوات الماضية.
إلغاء نظام الحصص الإنتاجية
أوضح جنينة أن الشركات باتت قريبة من العمل بطاقتها القصوى للمرة الأولى منذ العام الماضي، وذلك بعد قرار الحكومة بإلغاء نظام الحصص الإنتاجية، الذي طُبق في يوليو 2021. وكان النظام يُلزم الشركات بإنتاج نسب محددة من طاقتها القصوى بهدف تنظيم السوق وتقليص الفوائض التي تسببت في خسائر.
ومع زيادة الطلب وتحسّن صادرات القطاع، قررت الحكومة رفع هذا النظام، مع فرض سقف غير معلن على التصدير.
انتعاش البناء الفردي وزيادة الطلب المحلي
ساهمت منظومة تراخيص البناء والتصالح على المخالفات في زيادة الطلب المحلي، حيث استأنف المواطنون أعمال البناء تدريجيًا، لا سيما في القرى والمراكز، وهو ما يُعرف بعودة “بناء الأهالي”، بعد وقف جزئي لأعمال البناء منذ عام 2020.
جهود حكومية لإعادة تشغيل المصانع
أعلنت وزارة الصناعة عن اتفاق مع الشركات لتقديم دعم فني وتشغيلي لإعادة تشغيل 9 خطوط إنتاج متوقفة جزئيًا، عبر التواصل المباشر لتحديد التحديات ووضع حلول مناسبة.
الفارق بين المحلي والتصدير
رغم الانخفاض، لا تزال الأسعار المحلية مرتفعة بنحو 60% مقارنة بأسعار التصدير. وقال المحلل المالي آدم خليل إن الطن المعبأ للتصدير يُباع حاليًا بسعر بين 45 و60 دولارًا، بينما يُباع محليًا بنحو 80 دولارًا.
وقدّر خليل القدرة الفعلية القصوى لمصانع الأسمنت في مصر حاليًا عند 75 مليون طن سنويًا من أصل 85 مليون طن مسجلة على الورق، مرجعًا الفارق إلى تقادم وتوقف بعض خطوط الإنتاج.
وتوقّع خليل أن تشهد السوق المحلية انخفاضًا جديدًا في الأسعار خلال ما تبقى من عام 2025، بمعدل يتراوح بين 400 إلى 500 جنيه للطن، بدعم من زيادة المعروض وتوازن ضوابط التصدير والبيع المحلي.