أعلنت المصرف المركزي السوري خطته لإصدار أوراق نقدية جديدة بحذف صفرين من قيمة الليرة السورية، في خطوة تهدف إلى تسهيل التداول واستعادة ثقة المواطنين في العملة الوطنية. وقد فقدت الليرة أكثر من 99% من قيمتها منذ اندلاع الحرب عام 2011، حيث صار سعر الصرف يقارب 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، مقارنة بنحو 50 ليرة قبل الحرب.
حذف الأصفار يعني أن ألفي ليرة ستحول إلى نحو 20 ليرة جديدة. وهذه العملية لا تزيد القوة الشرائية، لكنها تجعل الأرقام أقل حجماً وأسهل قراءةً وحساباً، خصوصاً عند تحديد الأسعار ودفع الأجور. كما تسهم في خفض تكاليف الطباعة والحوسبة المحاسبية التي تثقل كاهل القطاع المصرفي والتجاري.
تجارب دولية
تركيا
اتخذت تركيا خطوة مماثلة في يناير 2005، حين ألغت ستة أصفار من الليرة القديمة، محولةً كل مليون ليرة قديمة إلى ليرة جديدة واحدة. هدفت هذه الخطوة إلى مكافحة التضخم المزمن الذي بلغ متوسطه نحو 38% سنوياً في التسعينيات. نفّذت الحكومة إجراءات نقدية صارمة بالتوازي مع حذف الأصفار، ما ساعد في استقرار الأسعار نسبياً وتقليل التعقيدات المحاسبية.
رومانيا
في يوليو 2005، حذفت رومانيا أربعة أصفار من عملتها «الليو»، فاستبدلت 10 آلاف ليو قديم بليو جديد واحد. رافق ذلك برنامج ضيق للإنفاق ورفع سعر الفائدة. أسهمت هذه الإجراءات في احتواء التضخم الذي تجاوز 100% قبل عام التغيير، ثم انخفض تدريجياً بعد ذلك.
ألمانيا
تعرضت ألمانيا لانهيار عملتها بعد الحرب العالمية الثانية، فحذفت أصفاراً من المارك الألماني عام 1948. تمّ ذلك ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية شاملة شملت تحرير الأسعار وتحويل الديون، ما مهد لانطلاق «المعجزة الاقتصادية» الغربية.
زيمبابوي
في 2009، ألغت حكومة زيمبابوي عشرين صفراً من الدولار المحلي بعد تضخم تجاوز مليارات في المائة. لكن غياب أي إصلاح حقيقي للصرف والنظام المالي أفضى إلى فشل فادح وتبني عملات أجنبية عملياً.
آليات التنفيذ والتحديات
يتطلب حذف الأصفار طباعة أوراق نقدية جديدة وتعديل البرمجيات المصرفية، إضافةً إلى حملات توعوية لتوضيح قيمة الوحدة الجديدة. وتكمن المخاطر في احتمال رفع الأسعار استغلالاً للتغيير، إذا لم تترافق العملية مع مراقبة حكومية مشددة لأسعار السلع والخدمات. كما قد يسيء بعض التجار تطبيق الأرقام الجديدة لصالحهم، مما يعيد التضخم سريعاً إذا لم يُعتمد ضبط مالي صارم.
هل تنقذ الخطوة الاقتصاد السوري؟
على الرغم من الفوائد النفسية والتنظيمية لحذف الأصفار، فإن التعافي الحقيقي للاقتصاد يحتاج إلى إجراءات أوسع:
خفض عجز الميزانية عبر إصلاح الإنفاق الحكومي.
تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص.
تنشيط النشاط الإنتاجي والزراعي عبر سياسات داعمة للمستثمرين.
استقرار سعر الصرف وتعزيز احتياطات النقد الأجنبي.
بدون هذه الإصلاحات الموازية، ستبقى عملية حذف الأصفار مسكناً مؤقتاً لا يصل بالاقتصاد السوري إلى برّ الأمان. وهي إذا نجحت وظرفتها مواتية، فقد تساهم في تيسير المعاملات اليوميّة، ولكنها لا تشفي الاقتصاد من أمراضه المزمنة.