شهدت الساحة الدولية زخماً دبلوماسياً كبيراً خلال الأيام الماضية، حيث أعلنت خمس عشرة دولة غربية عزمها الاعتراف بدولة فلسطين أو استعدادها الإيجابي لهذه الخطوة، وذلك في أعقاب اختتام المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية في نيويورك الذي عقد تحت الرئاسة المشتركة للسعودية وفرنسا.
إعلان فرنسا كشرارة البداية
أطلق وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الأربعاء، دعوة دولية للانضمام إلى تحرك يهدف للاعتراف بدولة فلسطين، حيث كتب عبر منصة إكس “في نيويورك مع 14 دولة أخرى، توجه فرنسا نداء جماعياً: نعبر عن عزمنا الاعتراف بدولة فلسطين وندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا”.
جاء هذا الإعلان غداة صدور “إعلان نيويورك” الذي أطلقه المؤتمر الوزاري المنعقد في الأمم المتحدة حول حل الدولتين في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وأكد بارو أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الدول المشاركة في النداء الجماعي
انضمت إلى جانب فرنسا أربع عشرة دولة أخرى في توقيع النداء الجماعي، وهي: كندا وأستراليا وأندورا وفنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا.
من بين هذه الدول، أعربت تسع دول لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية عن “استعداد بلادها أو اهتمامها الإيجابي” في الاعتراف بها، وهي: أندورا وأستراليا وكندا وفنلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والبرتغال وسان مارينو.
بريطانيا تنضم للقطار
أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الثلاثاء، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل ما لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء الوضع في غزة. وقال ستارمر إن هذا سيكون “جزءاً من عملية تفضي في نهاية المطاف إلى السلام والأمن لشعوب المنطقة”.
اشترط ستارمر على إسرائيل عدة شروط منها: وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وعدم ضم أراضٍ من الضفة الغربية، والالتزام بعملية سلام دائمة تؤدي إلى حل الدولتين.
كندا تعلن موقفها التاريخي
أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، الأربعاء، عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. وقال كارني إن “فرص حل الدولتين تتلاشى أمام أعيننا” بسبب توسيع المستوطنات والأعمال الأحادية التي تقوم بها إسرائيل.
ربطت كندا اعترافها بشروط محددة تتضمن التزام السلطة الفلسطينية بإصلاحات جذرية للحوكمة وإجراء انتخابات عامة في عام 2026 لا يمكن لحركة حماس المشاركة فيها، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
مالطا تؤكد عزمها
أعلن رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا، الثلاثاء، أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، قائلاً إن “موقفنا يعبّر عن التزامنا بالجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط”.
مؤتمر نيويورك وإعلانه التاريخي
صدر “إعلان نيويورك” في ختام المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، والذي عقد برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا بمشاركة أكثر من عشرين دولة ومنظمة دولية.
شدد الإعلان على ضرورة اتخاذ “خطوات ملموسة ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها” لإنهاء الحرب في غزة وتنفيذ حل الدولتين، مؤكداً أن “الاعتراف بدولة فلسطين وتجسيدها عنصران أساسيان لا غنى عنهما في تحقيق حل الدولتين”.
السياق والتطورات السابقة
يأتي هذا الزخم في أعقاب اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج رسمياً بدولة فلسطين في مايو 2024، تلتها سلوفينيا في يونيو من العام نفسه. هذه الخطوات كسرت المحظور في السياسة الغربية وأطلقت موجة اعترافات جديدة.
وصف السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور قرار بريطانيا بـ”التاريخي”، مؤكداً أن “مؤتمر نيويورك يطلق قطار الاعتراف بدولة فلسطين” وأن “هناك 10 إلى 15 دولة ستعلن قريباً موقفها من الاعتراف بدولة فلسطين”.
التحديات والمعارضة
واجهت هذه الإعلانات معارضة من إسرائيل والولايات المتحدة. اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن الاعتراف بدولة فلسطين سيكون بمثابة “مكافأة لحماس”. ومن جانبها، رفضت إسرائيل هذه الخطوات واعتبرتها “مكافأة للإرهاب”.
تشير هذه التطورات إلى تحول كبير في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، حيث تتزايد الدعوات للاعتراف بدولة فلسطين كخطوة نحو تحقيق السلام الدائم في المنطقة وإنهاء دائرة العنف المستمرة منذ عقود.




