تواجه منصة الألعاب الإلكترونية الشهيرة “روبلوكس” (Roblox) انتقادات متزايدة ودعاوى قضائية في عدة دول عربية، حيث اتخذت الكويت والبحرين وعُمان وقطر إجراءات لحظر أو تقييد المنصة بسبب مخاوف سلامة الأطفال. تأتي هذه التحركات وسط تزايد المخاوف من التعرض لمحتوى ضار وممارسات غير آمنة على المنصة التي يستخدمها مئات الملايين من الأطفال حول العالم.
الحظر العربي المتسارع لروبلوكس: الكويت تقود الحملة ضد المنصة
أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات وتقنية المعلومات في الكويت (سيترا) في أغسطس 2025 عن حظر مؤقت لروبلوكس بعد تلقي شكاوى من أولياء الأمور والمنظمات العامة حول المخاطر التي تواجه الأطفال، بما في ذلك التعرض للاستغلال الإلكتروني والسلوكيات الضارة والمحتوى غير المناسب والمشتريات غير الآمنة داخل اللعبة.
جاء قرار الحظر بعد حملة عبر الإنترنت قادتها جمعية الإعلام الإلكتروني في الكويت، والتي نشرت مقاطع فيديو مناهضة لروبلوكس تحث أولياء الأمور على تقديم طلبات رسمية لحظر المنصة. وأكدت الهيئة أن الحظر مؤقت بانتظار مفاوضات مع الشركة المطورة، مشيرة إلى أن المنصة ستُعاد فقط إذا تمت إزالة المحتوى المسيء ووضع معايير أقوى لحماية الأطفال.
انتشار الحظر في دول الخليج
انضمت قطر إلى قائمة الدول التي حظرت روبلوكس في 13 أغسطس 2025، حيث أصبحت المنصة غير قابلة للوصول في البلاد بعد ضغط عبر وسائل التواصل الاجتماعي يطالب بحظر التطبيق بسبب مخاوف سلامة الأطفال. رغم أن التطبيق ما زال متاحاً للتحميل عبر متاجر أندرويد وآبل، إلا أن المستخدمين لا يستطيعون الوصول إليه أبعد من الصفحة الرئيسية.
في البحرين، أعلن النائب حمد الدويحي أنه سيقدم اقتراحاً لحظر روبلوكس، مشيراً إلى تقارير يومية عن المخاطر الأمنية المرتبطة باللعبة. وقال إنه يعمل مع السلطات لحظر المنصة لحماية الأطفال وتقليل التهديدات السيبرانية.
كما انضمت عُمان إلى قائمة الدول التي حظرت الوصول إلى المنصة، إلى جانب دول أخرى مثل الأردن وتركيا والصين، وفقاً لتقارير إعلامية عربية.
المخاوف الأمنية والمخاطر على الأطفال
تشير التقارير إلى أن روبلوكس، التي تضم أكثر من 80% من مستخدميها تحت سن 16 عاماً، تواجه انتقادات شديدة بسبب عدة مخاطر. حذر الخبير التقني السعودي تركي المحمود من أن الخطر الأكثر إلحاحاً يأتي من التواصل مع الغرباء عبر الدردشة داخل اللعبة، والتي تُعتبر نقطة بداية شائعة لاستغلال الأطفال عبر الإنترنت.
وأضاف المحمود أن خطراً آخر يكمن في العوالم الافتراضية التي ينشئها المستخدمون، والتي قد تحتوي على محتوى عنيف أو مخيف أو ذو إيحاءات جنسية. كما أشار إلى اعتماد اللعبة على عملتها الرقمية “روبوكس” (Robux) التي تشجع الأطفال على القيام بمشتريات متكررة قد لا يفهمونها، وأحياناً تصل إلى مبالغ كبيرة.
الإدمان والتأثير النفسي
أشار الخبراء إلى الطبيعة الإدمانية للعبة، التي تثير مخاوف حول اضطراب النوم وانخفاض التركيز. وأكد المحمود أنه بينما قد لا يكون الحظر الكامل دائماً قابلاً للتنفيذ، فإنه يحث العائلات على تخفيف المخاطر من خلال قفل أو تقييد وظائف الدردشة، وحظر الوصول إلى العوالم الافتراضية غير المناسبة، وتقييد وقت اللعب بساعة واحدة يومياً.
دعاوى قضائية متعددة تتهم الشركة بالإهمال
تواجه شركة روبلوكس موجة من الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة تتهمها بعدم حماية الأطفال من المحتوى الضار والاستغلال الجنسي. في أغسطس 2025، رفعت المدعية العامة في لويزيانا ليز موريل دعوى قضائية ضد روبلوكس تتهمها بفشلها في واجبها لحماية المستخدمين القاصرين من الضرر، مؤكدة أن المنصة تسمح للمفترسين الجنسيين بـ”الازدهار والتوحد والصيد وإيذاء الأطفال”.
قالت موريل في بيان إعلامي: “فشل روبلوكس في وضع بروتوكولات السلامة يعرض رفاهية أطفال لويزيانا للخطر. المنصة مليئة بالمحتوى الضار والمفترسين نتيجة تركيزها على نمو المستخدمين والإيرادات والأرباح على حساب سلامة القاصرين”.
حالات محددة لاستغلال الأطفال
في إحدى الحالات المؤثرة، رفعت أم في نورث كارولينا دعوى قضائية تتهم روبلوكس بالسماح لمفترس بإجبار ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات على إرسال صور صريحة مقابل عملة روبوكس الرقمية. وفقاً للشكوى، تنكر المفترس في هيئة طفل آخر على روبلوكس لكسب ثقة الفتاة قبل إجبارها على إرسال صور صريحة، وعندما قاومت، هددها بسحب العملة الرقمية.
تزعم الدعوى أن روبلوكس خلقت “جحيماً للأطفال” رغم تسويقها لنفسها كمنصة آمنة للأطفال. وتسلط الضوء على ضعف الضمانات، مشيرة إلى أن التسجيل في روبلوكس يتطلب فقط تاريخ الميلاد واسم المستخدم وكلمة المرور.
منذ يوليو 2025، رفعت شركة المحاماة دولمان لو غروب خمس دعاوى قضائية ضد روبلوكس في محاكم كاليفورنيا وجورجيا وتكساس، مع تقديم دعوى سادسة. وقال ماثيو دولمان، الشريك الإداري في الشركة، إن مكتبه يحقق في “مئات القضايا المماثلة” وينوي رفع المزيد من الدعاوى في الأشهر القادمة.
أرقام صادمة حول الاستغلال
كشف تحقيق أجرته بلومبرغ في يوليو 2024 أن وكالات إنفاذ القانون الأمريكية اعتقلت على الأقل 24 شخصاً لاستغلال القاصرين عبر روبلوكس منذ عام 2018، مع حدوث سبعة اعتقالات خلال الـ13 شهراً الماضية. وتضمن التقرير رؤى من موظفين مختلفين، أشار أحدهم إلى أن فريقه يتلقى تقارير لا تُحصى متعلقة بسلامة الأطفال يومياً، والتي تُعتبر ساحقة بالنسبة لهم للتعامل معها.
أفادت الشركة أنها أبلغت عن أكثر من 13,000 حادثة إلى المركز الوطني للأطفال المفقودين والمُستغلين في عام 2023. حوالي 40% من لاعبي روبلوكس تحت سن 13 عاماً، وذكرت الشركة في عام 2020 أن نصف جميع الأطفال الأمريكيين يستخدمون المنصة.
التحقيقات الحكومية والضغط السياسي
في فبراير 2025، ذكرت بلومبرغ نيوز أن روبلوكس تخضع للتحقيق من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لأسباب غير معروفة. من فبراير إلى مايو 2025، رفعت شركة المحاماة أنابول وايس أربع دعاوى قضائية مختلفة ضد روبلوكس نيابة عن الأطفال بسبب الاستغلال المزعوم من قبل البالغين.
في أبريل 2025، أرسل المدعي العام في فلوريدا جيمس أوثمير أمر استدعاء إلى روبلوكس حول استخدامات المنصة من قبل المستخدمين البالغين من العمر 16 عاماً فما دون بالإضافة إلى حماية المنصة للأطفال ضد “المحتوى للبالغين”.
تحديثات الأمان والرقابة
استجابت شركة روبلوكس للانتقادات من خلال إطلاق تحديثات تهدف إلى تعزيز سلامة الأطفال، وتوظف حوالي 3,000 مشرف. في عام 2024، تم تقييد ألعاب “التجمعات الاجتماعية” على اللاعبين الذين تزيد أعمارهم عن 13 عاماً، ونفذت المنصة ضوابط أبوية تحجب تلقائياً الرسائل المباشرة للمستخدمين تحت سن 13.
في عام 2025، تم تقييد ألعاب التجمعات الاجتماعية التي تضم مواقع خاصة مثل غرف النوم والحمامات على المستخدمين البالغين من العمر 17 عاماً على الأقل. كما تسمح روبلوكس لأولياء الأمور بتعطيل المعاملات الصغيرة داخل التطبيق وتحديد الألعاب التي يمكن لأطفالهم لعبها.
الذكاء الاصطناعي في الإشراف
أعلنت الشركة في أوائل أغسطس 2025 عن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف “اتصالات تعريض الأطفال للخطر” في وقت مبكر وتنبيه جهات إنفاذ القانون. كما بدأت الشركة في تنفيذ أداة إشراف مدفوعة بالذكاء الاصطناعي مصممة لاكتشاف اللغة الضارة المحتملة في محادثات المستخدمين.
وذكرت متحدثة باسم روبلوكس كاديا كوروما: “الزعم بأن روبلوكس ستعرض مستخدميها عمداً لخطر الاستغلال غير صحيح تماماً. بينما لا يوجد نظام مثالي، طبقت روبلوكس ضمانات صارمة مثل قيود على مشاركة المعلومات الشخصية والروابط ومشاركة الصور بين المستخدمين للمساعدة في حماية مجتمعنا”.
نصائح الخبراء في الإمارات: إجراءات الحماية في 10 دقائق
يحذر الخبراء في دولة الإمارات العربية المتحدة أولياء الأمور من ضرورة توخي الحذر عندما يلعب أطفالهم ألعاباً عبر الإنترنت مثل روبلوكس، مطالبين إياهم بأخذ “10 دقائق فقط” لجعل هذه المنصات أكثر أماناً. تشمل التوصيات فرض حدود زمنية وإضافة طبقات حماية إضافية لضمان بقاء الأطفال آمنين.
تقول لورا تريسترام، الشريكة المؤسسة لمنصة الدعم النفسي والعقلي لوميي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إنه يتطلب “عشر دقائق فقط” لجعل الألعاب عبر الإنترنت أكثر أماناً. وتنصح بـ”التحويل إلى حساب طفل، وإضافة مرشح العمر، وتثبيت رقم سري على الإنفاق، ودردشة الأصدقاء فقط، وتفعيل المصادقة الثنائية. إخفاء الأسماء الحقيقية والصور واختيار اسم لعب محايد. هذا أمان وليس سرية”.
المخاطر الرئيسية والحلول
أشار متحدث باسم شركة كاسبرسكي للأمن السيبراني إلى أن الأطفال يتعرضون لمجموعة واسعة من التهديدات من خلال الدردشة داخل الألعاب والمنتديات، تشمل التنمر السيبراني والمضايقة، حيث قد يواجه الأطفال سلوكيات مسيئة وإساءة لفظية. كما يمكن تعريض الأطفال لمحتوى غير مناسب، بما في ذلك المواد العنيفة أو الرسومية أو غير المناسبة للعمر المتداولة داخل الألعاب أو المنتديات.