أعلنت شركة ستاربكس إغلاق 900 متجر ذات الأداء الضعيف في أمريكا الشمالية بالإضافة إلى تقليص عدد من الوظائف الإدارية والتنفيذية خلال عام 2025، في خطوة اعتبرها متابعو السوق واحدة من أقوى موجات التغيير في قطاع المقاهي العالمي منذ سنوات. القرار يأتي في ظل تحديات اقتصادية غير مسبوقة مرّت بها الشركة، على رأسها تراجع المبيعات في الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر سوقين تشغيليين لها، بالإضافة إلى تصاعد المنافسة مع العلامات منخفضة التكلفة، وتغير سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم بعد سنوات النمو القياسي الذي حققته ستاربكس.
تفاصيل خطة الإغلاق والهيكلة
وفقاً للبيانات الرسمية، ركزت ستاربكس قرار إغلاق المتاجر على الفروع الأقل نمواً أو تلك الواقعة في مناطق تشبّعت بالفعل بوجود منافسين أو أظهرت بياناتها المالية ضعفاً في الأداء على مدى أربعة أرباع متتالية. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في توفير نحو مليار دولار من التكاليف التشغيلية على مدى العامين المقبلين، مع إتاحة الفرصة لإعادة توزيع الموارد الاستثمارية على المتاجر الأعلى ربحية والأسواق الواعدة مثل الخليج والصين.
أما عن الوظائف، فإن التخفيضات ستطول نحو 900 وظيفة معظمها من الوظائف الإدارية والدعم والتنسيق ومواقع المكاتب الرئيسية، فيما أكدت الشركة أنها لن تمس العاملين في الصفوف الأمامية أو فرق تقديم الخدمة في المقاهي، ضماناً لاستمرارية تجربة العميل وجودة التحضير والخدمة. وقد أدت هذه الإجراءات إلى حالة قلق في الأوساط النقابية الأمريكية، فيما دافعت ستاربكس بأن التطوير ضروري للتماشي مع عمليات الإصلاح والتحول الرقمي الذي تتبناه منذ سنوات لمواجهة ركود مبيعات قطاع الأغذية والمشروبات عالمياً.
أسباب التراجع المؤقت
شهدت ستاربكس خلال 2024 و2025 ضغوطاً متراكمة؛ فقد انعكست حملات المقاطعة التي طالت العلامات الغربية في بعض الأسواق، ومنها المنطقة العربية والشرق الأوسط، على تراجع أعداد الزبائن وتباطؤ حركة النمو في كثير من المدن. كما أشار خبراء المال إلى أن إرتفاع تكاليف المواد الخام، واشتداد المنافسة من علامات القهوة المحلية والعالمية الأقل تكلفة، شكلت أيضاً تحدياً إضافياً للشركة التي تسعى للحفاظ على مكانتها الرائدة عالميًا.
استراتيجيات المواجهة
رغم عمليات الإغلاق والتقليص المؤقت للوظائف، لم تخف الإدارة ثقتها في قدرة العلامة على التعافي طويل المدى، إذ وضعت خططًا للتوسع في الأسواق الصاعدة وخاصة آسيا والشرق الأوسط، من خلال افتتاح أكثر من 500 فرع جديد في دول ومناطق مختلفة خلال الأعوام المقبلة لتعويـض المبيعات وتوسيع الحضور العالمي. من جهة أخرى، تبني الشركة نموذجًا تشغيليًا أكثر مرونة يسمح بتقليل التعقيد الإداري وجعل فرق خدمة العملاء أقرب للمستهلك مع الاستثمار في تحديث التصميم الداخلي للمقاهي وتقديم المزيد من الحلول الذكية في تجربة الطلب والدفع وأسلوب الخدمة.
أثر الخطوة على سوق العمل والاقتصاد المحلي
من الواضح أن سياسة ستاربكس الأخيرة ستلقي بظلالها على آلاف الموظفين، ما يطرح من جديد قضية الحماية الوظيفية والبحث عن خيارات إعادة تأهيل الموظفين المتضررين في قطاع الخدمات السريعة. في الوقت ذاته، أشار محللون إلى أن خطوة تقليص الهياكل الإدارية خيار منطقي لتحسين الربحية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، خاصة مع التوجه العالمي لتبسيط الهياكل وتقليل النفقات في قطاعات الأغذية والمشروبات التي تعاني ركوداً جزئياً.
هل تتغير تجربة ستاربكس؟
يركز التطوير على تقديم خدمات رقمية أسرع وتجربة ضيافة متجددة، منها التوسع في خدمات الطلب المسبق والدفع الذكي عبر الهاتف، وإطلاق تصاميم جديدة لمناطق الجلوس ومفاهيم مريحة لنقاط البيع، مع تحسين العروض على المشروبات والأطعمة لمواءمة أذواق الزبائن الجدد والحفاظ على جمهورها الحالي.
نظرة مستقبلية
ما حدث مع ستاربكس يعكس قلق عمالقة قطاع الضيافة حول العالم أمام واقع اقتصادي جديد، لكنه يؤكد في الوقت نفسه قدرة الشركات الكبرى على التحول السريع والاستجابة للتحولات الاقتصادية وتغييرات أنماط الاستهلاك إذا ما توافرت الإرادة والمرونة الإدارية. ويبقى أمام ستاربكس فرصة جديدة للنمو إذا نجحت في استهداف الأسواق الديناميكية وحافظت على الإبداع في تقديم منتجاتها وتجربة زبائنها رغم رياح التغيير.
في النهاية، خطوة إغلاق 900 متجر وتقليص الوظائف خيار صعب في المدى القريب، لكنها قد تشكل نقطة انطلاق إيجابية لتعزيز قوة العلامة التجارية وضمان استدامة الأعمال في سوق عالمي يزداد تقلباً يوماً بعد يوم.