أثار النائب اللبناني إلياس جرادة موجة من الجدل الواسع في الأوساط اللبنانية بعد تقديمه اقتراح قانون جديد للأحوال الشخصية يتضمن عقود زواج محددة الصلاحية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد. جاء الاقتراح في إطار مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية يهدف إلى إلغاء سائر القوانين الطائفية المعمول بها في الجمهورية اللبنانية حالياً.
تفاصيل المقترح المثير للجدل
أوضح النائب إلياس جرادة خلال مقابلة مع قناة الجديد أن اقتراحه ينص على أن يكون عقد الزواج محدد المدة بخمس سنوات، مؤكداً أن هذا لا يعني انتهاء الزواج تلقائياً. وفقاً للمقترح، يدخل العقد تلقائياً في فترة انفصال إجبارية مدتها ثلاثة أشهر عند انتهاء المدة المحددة، يقرر بعدها الطرفان ما إذا كانا يرغبان في تجديد العقد أم الانفصال نهائياً.
برر جرادة اقتراحه بقوله: “أحياناً تصبح العلاقة الزوجية عامل قهري ولا تعود صحية على الصعيد النفسي والعائلي، فلماذا تستمر العلاقات بالخلافات؟ إنها تصبح قتلاً نفسياً للطرفين وللعائلة وللأولاد في ظل جحيم عائلي”. وأضاف أن فترة الانفصال الإجبارية تهدف إلى إتاحة المجال للشخص ليكتشف ما إذا كان يعيش في علاقة قهرية أم لا.
الهدف من وراء الاقتراح
أكد النائب جرادة أن هاجسه الأساسي هو حماية بناته من الوقوع أسيرات لأي ضغط نفسي أو اجتماعي أو ديني غير مدرك. وأوضح أن المشروع يهدف إلى إلغاء القوانين الطائفية للأحوال الشخصية واستبدالها بقانون مدني موحد يؤسس لمستقبل أجيال تختار مصيرها الأفضل. وقال: “رهاننا على التغيير هو عمل تراكمي، رهاننا على الجيل الجديد أكثر الذي نعتبره متحرراً من كل هذه الأثقال الطائفية والقبلية والتقليدية”.
ردود فعل متباينة على المقترح
انقسمت ردود الفعل اللبنانية بين مؤيد ومعارض للاقتراح. على مواقع التواصل الاجتماعي، تحول المقترح إلى مادة للتندر والسخرية، حيث شبهه البعض بـ”اشتراك إنترنت أو عقد إيجار شقة مفروشة”. وظهرت تعليقات ساخرة مثل “شو رأيك نمدد… أو خلينا نوقف هون؟”.
في المقابل، برزت أصوات شبابية وحقوقية رأت في الطرح خطوة جريئة لكسر احتكار الطوائف للأحوال الشخصية وفتح الباب أمام قانون مدني موحد. كما أيد البعض الفكرة معتبرينها حرية واختيار، بينما عارضها آخرون لكونها تتنافى مع قدسية الزواج.
معارضة دينية وطائفية
عبرت شخصيات دينية من مختلف الطوائف عن رفض قاطع للمقترح، معتبرة أنه يتناقض مع المبادئ الدينية التي ترى في الزواج ميثاقاً غليظاً لا يرتبط بمهل زمنية. وذهب البعض إلى حد وصف الطرح بأنه يفتح الباب أمام التساهل في الزواج وتفكك الأسرة، مشددين على أن الحل لا يكمن في تشريعات مدنية، بل في “إصلاح أخلاقي وروحي” يعزز قيم العائلة والاستقرار.
السياق القانوني الحالي في لبنان
يأتي هذا الاقتراح في ظل نظام لبناني معقد للأحوال الشخصية، حيث يخضع قانون الأحوال الشخصية لنظام قانوني متجذر بعمق في الانتماء الديني. وفي ظل غياب قانون مدني موحد، تُنظم مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث من خلال ما لا يقل عن 15 قانوناً للأحوال الشخصية، كل منها خاص بإحدى الطوائف الدينية الـ18 المعترف بها رسمياً من قبل الدولة.
ويؤدي هذا النظام إلى شكل مجزأ من المواطنة قائم على الهوية الطائفية، كما يُكرّس التمييز الهيكلي، لا سيما ضد النساء. وقد فشلت جميع المحاولات السابقة لإدخال قانون زواج مدني في لبنان، بما في ذلك المشروع الأكثر تقدماً الذي قدمه الرئيس إلياس الهراوي عام 1998.
المبررات الاجتماعية للاقتراح
لا يمكن تجاهل الواقع المتفاقم للطلاق في لبنان، حيث سجلت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الانفصال، مع غياب إطار قانوني موحد لحماية الطرف الأضعف، وغالباً ما تكون المرأة. فكل طائفة تطبق قوانينها الخاصة، ما يُنتج خللاً كبيراً في العدالة والإنصاف، ويُبقي الكثير من النساء عالقات في زيجات قسرية أو يعانين من انتزاع حضانة الأطفال أو حرمانهن من الحقوق المادية بعد الطلاق.
آراء المراقبين والخبراء
يرى بعض المراقبين أن الاقتراح كان ليحظى بتأييد أوسع لو استثنى بند المدة الزمنية القابلة للتجديد، خصوصاً في بلد طائفي كلبنان حيث ما زال الزواج المدني بحد ذاته محل خلاف. فبدل أن يتحول النقاش إلى صراع حول “مدة العقد”، كان الأجدى التركيز على الهدف الأعمق وهو إقرار قانون مدني موحد ينظم الزواج والطلاق والحضانة على أسس عادلة وحقوقية، بعيداً عن المرجعيات الطائفية.
موقف الجمعيات النسوية والحقوقية
ترى العديد من الجمعيات النسوية أن فتح باب الزواج المدني، ولو بصيغة التجديد، قد يفتح كوة في جدار الطائفية الصلب ويمهد الطريق لمساءلة النظام القائم، وصولاً إلى قانون مدني موحد يعترف بحقوق المرأة كاملة داخل الزواج وبعده. وقد تقدمت جمعية “كفى عنف واستغلال” سابقاً بمشروع قانون أحوال شخصية موحد وصل إلى المجلس النيابي ونال توقيع تسعة نواب.
يبقى اقتراح النائب جرادة مثيراً للانقسام، لكنه بلا شك أعاد تسليط الضوء على واقع قانون الأحوال الشخصية الطائفي والحاجة إلى نقاش صريح حول حقوق المرأة والأسرة في لبنان. وبين من يراه مدخلاً لتفكيك الطائفية ومن يعتبره تهديداً للأسرة، يبقى السؤال الأساسي: هل آن الأوان فعلاً لإقرار قانون مدني موحد يُنهي التمييز ويمنح الجميع حقوقهم بعيداً عن هيمنة الطوائف؟