كشفت دراسة طبية محكمة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية “BMJ” أن الإصابات التي يتعرض لها المدنيون في قطاع غزة تشبه تلك التي يتعرض لها الجنود في مناطق القتال، وفقاً لشهادات 78 عاملاً صحياً دولياً،وفقاً لصحيفة the guardian.
وقد أظهرت الدراسة المنشورة أمس الخميس أن 67% من الإصابات الناجمة عن الأسلحة في غزة كانت بسبب المتفجرات.
وتماثل هذه النسبة السجلات العسكرية الأمريكية للمقاتلين المصابين في العراق وأفغانستان، ما يشير إلى استخدام ذخائر عسكرية ضد المدنيين.
الدراسة شملت 78 طبيباً وممرضاً دولياً
وقد شملت الدراسة 78 طبيباً وممرضاً دولياً من المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا، عملوا في غزة لفترات تراوحت بين أسبوعين و12 أسبوعاً خلال الفترة من أغسطس 2024 إلى فبراير 2025.
واعتمد المسح على السجلات الطبية ومذكرات العمل التي احتفظ بها الأطباء خلال مهامهم، ووثق العاملون الصحيون 23,726 إصابة مرتبطة بالصدمات و6,960 إصابة ناجمة عن الأسلحة.
حيث أكد الباحثون أن هذه الأرقام تتماشى مع بيانات منظمة الصحة العالمية، مما يضفي مصداقية على النتائج.
العاملون الصحيون” الإصابات “شديدة بشكل غير معتاد“

وصف العاملون الصحيون الإصابات بأنها “شديدة بشكل غير معتاد”، مشيرين إلى استخدام ذخائر مصممة لإحداث أقصى قدر من تدمير الأنسجة.
وشكلت الحروق 18.3% من إجمالي الإصابات الصادمة، وهي نسبة أعلى من 11% المسجلة في الصراعات الأخرى.
وأشار الجراح البريطاني عمر التاجي، المؤلف الرئيسي للدراسة، إلى أن أكثر من 30% من الحروق كانت من الدرجة الثالثة والرابعة، أي أنها اخترقت جميع طبقات الجلد وصولاً إلى العظم.
ووصف التاجي مشاهدته لـ”كمية صادمة من الأطفال الذين وصلوا بحروق شديدة لدرجة أنه يمكن رؤية عضلاتهم وعظامهم”.
إصابات المتفجرات شكلت 66.6% من الصدمات المرتبطة بالأسلحة
شكلت إصابات المتفجرات 66.6% من الصدمات المرتبطة بالأسلحة، مؤثرة بشكل أساسي على الرأس بنسبة 27.8%، أما إصابات الأسلحة النارية فقد أثرت بشكل غير متناسب على الأطراف السفلية بنسبة 22.6%.
وكشفت الدراسة أن واحداً من كل عشرة مرضى بجروح الرصاص أصيب في الرأس، وفي حالات إصابات الأسلحة النارية، أصيب حوالي 40% من المرضى في الذراعين أو الساقين، مع إصابة أكثر من ربعهم في الأطراف من الجانبين.
مقارنة ما يحدث في غزة مع الصراعات السابقة
أكد ثلثا العاملين الصحيين الذين لديهم خبرة سابقة في مناطق الصراع أن الإصابات في غزة كانت “أسوأ شيء رأوه على الإطلاق”.
ووصف الأطباء الإصابات بأنها تشمل صدمات متعددة الأطراف، وكسور مفتوحة في الجمجمة، وإصابات واسعة في الأعضاء الداخلية.
وأشارت الدراسة إلى أن “نمط الإصابات في غزة يعكس شكلاً متطرفاً من الصدمات عالية الطاقة نادراً ما يُلاحظ في السكان المدنيين”.
وأضافت أن “الحجم والتوزيع والشدة العسكرية للإصابات تشير إلى أنماط ضرر تتجاوز تلك المبلغ عنها في الصراعات الحديثة السابقة”.
الحالات الطبية المصاحبة للإصابات
رصد العاملون الصحيون 4,188 شخصاً يعانون من أمراض مزمنة تتطلب علاجاً طويل المدى، جيث شكل سوء التغذية والجفاف أكثر الحالات الطبية العامة شيوعاً، يليهما تسمم الدم والتهاب المعدة والأمعاء.
وأظهرت النتائج أن سوء التغذية وصل إلى 20% من المرضى، متماشياً مع بيانات الأمم المتحدة عندما أُعلنت المجاعة في غزة في يوليو. أدى سوء التغذية إلى تفاقم فرص التعافي، مع “تأخير شفاء الجروح ووفيات يمكن الوقاية منها بسبب حالات قابلة للعلاج”.
الحاجة لأنظمة مراقبة مرنة وسط العداءات المستمرة
وخلص الباحثون إلى أن النتائج “تسلط الضوء على الحاجة الملحة لأنظمة مراقبة مرنة وخاصة بالسياق، مصممة للعمل وسط العداءات المستمرة وندرة الموارد والاتصالات المتقطعة”، وأن هذه الأنظمة ضرورية لتوجيه التدخلات الجراحية والطبية والنفسية وإعادة التأهيل المخصصة.
وأكدت الدراسة أن البيانات تعكس فقط أولئك الذين نجوا لفترة كافية للوصول إلى منشأة صحية وتم تقييمهم سريرياً، وليس إحصاءً كاملاً لجميع المتضررين، واستبعدت البيانات ضحايا الأسلحة المتفجرة عالية القوة الذين تم تدمير أجسادهم أو جعلها غير قابلة للتعرف عليها.
ويؤكد هذا البحث الحاجة الماسة لاستجابة إنسانية عاجلة ومتخصصة، ويقدم أدلة طبية موثقة على نطاق وشدة المعاناة الإنسانية في قطاع غزة.