تشهد فرنسا أزمة سياسية غير مسبوقة تتمثل في تعاقب أربعة رؤساء وزراء خلال فترة عشرين شهراً فقط، وهو وضع يعكس حالة عدم الاستقرار السياسي الذي يهدد أسس النظام السياسي للجمهورية الخامسة.
تعاقب الحكومات الفرنسية في زمن قياسي
بدأت هذه الأزمة بحكومة إليزابيث بورن التي استقالت في يناير 2024 بعد مواجهة صعوبات في تمرير الإصلاحات الحكومية وسط معارضة برلمانية شديدة.
خلفها غابرييل أتال البالغ من العمر 34 عاماً، والذي أصبح أصغر رئيس وزراء في تاريخ فرنسا الحديث، لكن حكومته قدمت استقالتها في يوليو 2024 عقب نتائج الانتخابات التشريعية المبكر.ة
في سبتمبر 2024، عيّن الرئيس إيمانويل ماكرون ميشيل بارنييه البالغ من العمر 73 عاماً رئيساً للوزراء، لكن حكومة بارنييه سقطت في ديسمبر 2024 بعد ثلاثة أشهر فقط، لتصبح أقصر الحكومات عمراً في تاريخ الجمهورية الخامسة.
في ديسمبر 2024، تولى فرانسوا بايرو البالغ من العمر 73 عاماً منصب رئيس الوزراء، ليصبح سادس رئيس وزراء في عهد ماكرون والرابع في عام 2024 وحده.
لكن مصيره لم يكن أفضل من أسلافه، إذ أطاح به البرلمان في سبتمبر 2025 بعد تصويت بحجب الثقة بنتيجة 364 صوتاً مؤيداً مقابل 194 صوتاً معارضاً.
جذور الأزمة السياسية في فرنسا
تعود جذور هذه الأزمة إلى نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يونيو ويوليو 2024. حيث أفرزت تلك الانتخابات برلماناً منقسماً بشكل حاد، حيث تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري المشهد بـ193 نائباً، متفوقاً على حزب النهضة بقيادة ماكرون الذي حصل على 166 نائباً، بينما حل التجمع الوطني اليميني في المرتبة الثالثة بـ142 نائباً.
هذا التوزيع غير المسبوق للمقاعد خلق حالة من الشلل السياسي، إذ لا يحظى أي من الكتل بالأغلبية المطلقة المطلوبة وهي 289 مقعداً من أصل 577 مقعداً في الجمعية الوطنية.
أزمة الميزانية والديون العامة من أكبر التحديات أمام الحكومات الفرنسية
حيث تسعى فرنسا لخفض عجزها المالي الذي يُتوقع أن يبلغ أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام.
تتمثل إحدى أكبر التحديات التي واجهتها الحكومات المتعاقبة في مسألة الميزانية والديون العامة المتفاقمة.
وقد اقترحت حكومة بايرو خطة تقشف قاسية تهدف إلى توفير 44 مليار يورو من خلال تقليص النفقات العامة وإلغاء عطلتين رسميتين، لكن هذه الخطة أثارت معارضة شديدة من قبل أحزاب اليسار واليمين المتطرف.
المستقبل السياسي في فرنسا
أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس ماكرون سيعيّن رئيساً جديداً للوزراء خلال الأيام المقبلة، ليكون خامس رئيس وزراء في أقل من عامين، لكن الخيارات المتاحة أمام ماكرون محدودة في ظل انقسام البرلمان وعدم وجود أغلبية واضحة.
ويواجه ماكرون معضلة حقيقية، فهو “لا يريد الحكم مع اليسار ولا يستطيع الحكم من دونه إذا أراد غطاء برلمانياً”، كما أن اليمين التقليدي سارع إلى القول إنه لن يشارك في حكومة يترأسها اشتراكي.