اهتزت إيطاليا هذه الأيام على وقع فضيحة رقمية ضخمة، بعد اكتشاف تداول ملايين الصور المفبركة والمعدلة رقمياً لنساء من مختلف الشرائح، من بينهن سياسيات رفيعات وفنانات، عبر منصات إباحية ومواقع مجهولة تستند إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق (Deepfake).
تفاصيل الفضيحة… من الضحايا إلى المنصات
تصدرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قائمة الضحايا، إلى جانب أختها أريانا ميلوني وزعيمة المعارضة إلي شلاين ومؤثرات وإعلاميات. بدأت الفضيحة حين اكتشفت ميلوني نشر صور مزيّفة لها ولشقيقتها على موقع إباحي شهير يدعى “Phica”، كان يضم أكثر من 700 ألف مشترك حتى لحظة إغلاقه بعد موجة من السخط والدعاوى القضائية.
اعتمدت المنصات على جمع صور النساء من حساباتهن العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم جرى تعديلها باستخدام الذكاء الاصطناعي، لتركيبها على أجساد أو في أوضاع خادشة للحياء، وتعميمها مع تعليقات مسيئة وإيحاءات جنسية، ما شكل انتهاكاً صادماً لخصوصية وكرامة الضحايا.
ردود فعل رسمية وقانونية
عبرت ميلوني عن “الاشمئزاز” وطالبت النساء بعدم الصمت والتوجه للسلطات فوراً، واعتبرت في تصريح لصحيفة كوريري ديلا سيرا أن ما حدث “انتهاك صارخ لكرامة المرأة والخصوصية الإنسانية”، محذرة من أن القوانين الإيطالية الحالية رغم تجريمها “الإباحية الانتقامية” بالسجن 6 سنوات منذ 2019 لم تعد كافية أمام التطور الخطير لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
بدورها تقدمت البرلمانية الأوروبية أليساندرا موريتّي بشكوى جنائية، ورأت أن مثل هذه المواقع تحرض فعلياً على الاغتصاب والعنف الجنسي. كما أغلقت السلطات مجموعة ضخمة على فيسبوك كانت تتداول نحو 30 ألف صورة خاصة، فيما اكتُشف منتدى إلكتروني جديد يضم أكثر من 200 ألف عضو وينشر آلاف الصور المشوّهة والمسيئة حتى لقاصرات.
تكنولوجيا بلا رقابة: الذكاء الاصطناعي في قفص الاتهام
تكشف الفضيحة الجانب السلبي من استخدام الذكاء الاصطناعي في تزييف صور وبيانات نساء عاديات ومؤثرات وسياسيات، حيث بات من الصعب التمييز بين الحقيقي والمزيف، وصار الهجوم على الخصوصية أكثر قسوة وانتشاراً من أي وقت مضى. واجهت إيطاليا ضغطاً مجتمعياً ومطالب واسعة من الضحايا والإعلام والمشرعين بسن تشريعات أوروبية أكثر صرامة، وتفعيل أدوات تكنولوجية لرصد وإزالة المحتوى المزيف قبل تفشيه مجدداً.
أبعاد اجتماعية وأخلاقية
تسلط الوقائع الضوء على معركة النساء والمجتمع مع تكنولوجيا لا تخضع لرقابة كافية، حيث لم تعد الانتهاكات الجنسية والابتزازات الرقمية قاصرة على حالات فردية بل باتت تهدد جيلاً كاملاً من النساء والفتيات، وسط غياب أدوات استباقية فعالة للحماية الرقمية. تحذر ميلوني بأن “التهديد لم يعد فردياً… إنه خطر عالمي يتطلب استجابة تشريعية وتكنولوجية فورية”.
خلاصة
أزمة الصور المفبركة في إيطاليا هذا العام باتت جرس إنذار عالمي حول مخاطر الذكاء الاصطناعي وتنامي جرائم التزييف الرقمي بلا رادع، ما يضع مجتمعاتنا أمام تحدي أخلاقي وتشريعي غير مسبوق، يتطلب تطوير القوانين، والوعي المجتمعي، وأدوات حماية النساء من عنف رقمي متصاعد لا يعترف بالحدود.