قُتل خمسة صحفيين من قناة الجزيرة بينهم المراسل البارز أنس الشريف في قصف إسرائيلي مُتعمد استهدف خيمة الصحفيين خارج بوابة مستشفى الشفاء في مدينة غزة، مساء الأحد. اعترف الجيش الإسرائيلي بتنفيذ العملية وزعم أن الشريف “إرهابي” يتظاهر بصفة صحفي.
وأكد الدكتور محمد أبو سلمية مدير مستشفى الشفاء أن القصف أسفر عن مقتل سبعة أشخاص بينهم خمسة صحفيين، مشيراً إلى أن الغارة استهدفت بشكل مباشر خيمة الصحفيين المقامة أمام المستشفى. وأصيب ثمانية أشخاص آخرون جراء القصف الذي نفذته طائرة إسرائيلية مُسيرة.
الضحايا والتفاصيل
شملت قائمة الضحايا من الصحفيين المراسلين أنس الشريف (28 عاماً) ومحمد قريقع، إلى جانب المصورين إبراهيم زاهر ومحمد نوفل ومعمن عليوة. كان الشريف من أبرز وجوه قناة الجزيرة في تغطية الأحداث من شمال قطاع غزة منذ بداية الحرب قبل أكثر من عشرة أشهر.
نشر الشريف في دقائقه الأخيرة على منصة إكس تقريراً عن “قصف إسرائيلي مكثف ومركز” على مدينة غزة، وظهر في فيديوه الأخير صوت الانفجارات القوية والضوء البرتقالي يضيء السماء المظلمة. كما نُشرت وصيته المُعدة مسبقاً والتي جاء فيها: “إن وصلتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي”.
الاعتراف الإسرائيلي بالاستهداف المُتعمد
أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً على تليغرام اعترف فيه بتنفيذ الغارة وزعم أن الشريف “قاد خلية إرهابية في حماس وكان مسؤولاً عن تطوير هجمات صاروخية ضد المدنيين الإسرائيليين وقوات الجيش”. ادّعت إسرائيل امتلاكها “وثائق ومعلومات استخباراتية” تثبت هذه الاتهامات دون تقديم أدلة قابلة للتحقق.
وأشار البيان الإسرائيلي إلى اتخاذ تدابير “لتقليل الخسائر المدنية” قبل تنفيذ الضربة، بما في ذلك استخدام ذخائر دقيقة ومراقبة جوية. لكن منظمات حقوق الإنسان رفضت هذه المبررات واعتبرتها محاولة لتبرير استهداف الصحفيين.
إدانة دولية واسعة وتحذيرات سابقة
أعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان عن “قلقها العميق” من التهديدات المتكررة ضد الشريف، واصفة الاتهامات الإسرائيلية بأنها “غير مُبررة” وجزء من استراتيجية “لإسكات التقارير عن الإبادة الجماعية في غزة”.
كانت لجنة حماية الصحفيين قد حذّرت في يوليو من خطر يتهدد حياة الشريف بسبب “حملة تشهير” شنّها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. قال الشريف حينها: “حملة أدرعي ليست مجرد تهديد إعلامي أو تدمير للصورة، بل تهديد حقيقي للحياة”.
أدانت لجنة حماية الصحفيين مقتل الشريف وزملائه، مؤكدة أن “نمط إسرائيل في وصف الصحفيين بالمسلحين دون تقديم أدلة موثوقة يُثير تساؤلات جدية حول نواياها واحترامها لحرية الصحافة”. وأشارت اللجنة إلى أن 186 صحفياً قُتلوا منذ بداية الحرب، معظمهم فلسطينيون.
السياق الأوسع لاستهداف الإعلاميين
يأتي مقتل الصحفيين الخمسة في إطار حملة منهجية لاستهداف الإعلاميين الفلسطينيين، حيث أفادت نقابة الصحفيين الفلسطينيين بمقتل 232 إعلامياً منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023. وسجّلت منظمة مراسلون بلا حدود أكثر من 200 قتيل من العاملين في الإعلام، مما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية للصحفيين في القرن الحادي والعشرين.
منعت إسرائيل دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، مما جعل الصحفيين المحليين الشهود الوحيدين على ما يجري في القطاع المحاصر. كما دمّرت القوات الإسرائيلية 48 مؤسسة إعلامية في غزة حسب التقارير.
ردود الأفعال الإعلامية والرسمية
وصفت شبكة الجزيرة الهجوم بأنه “اغتيال مُتعمد” و”محاولة يائسة لإسكات الأصوات قُبيل احتلال غزة”، مؤكدة أن الشريف كان “من أشجع صحفيي غزة”. وقالت الشبكة إن الشريف وزملاءه كانوا “من آخر الأصوات المتبقية في غزة التي تنقل الواقع المأساوي للعالم”.
من جانبها، اعتبرت حركة حماس التي تحكم غزة أن مقتل الصحفيين قد يُشير إلى بداية هجوم إسرائيلي موسّع، محذّرة من أن “اغتيال الصحفيين وترهيب من تبقّى منهم يُمهد لجريمة كبرى تخطط لها قوات الاحتلال في مدينة غزة”.
التوقيت والسياق السياسي
جاء استهداف الصحفيين بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عن خطط لتوسيع العمليات العسكرية في غزة، حيث قال إنه “أمر الجيش بإدخال صحفيين أجانب أكثر” إلى القطاع. لكن هذا الإعلان تزامن مع تصعيد عنيف استهدف آخر فريق إعلامي من الجزيرة في شمال غزة.
كان مجلس الأمن الإسرائيلي قد صادق على استراتيجية للسيطرة على مدينة غزة، مما أثار انتقادات دولية واسعة. وحذّرت الأمم المتحدة من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى “عواقب كارثية” وتنتهك القانون الدولي.
يُشار إلى أن الصراع الذي بدأ في السابع من أكتوبر 2023 أسفر عن مقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني حسب وزارة الصحة في غزة، بينما قُتل حوالي 1200 إسرائيلي في الهجوم الأولي لحماس. ولا تزال حماس تحتجز 49 رهينة إسرائيلية، يُعتقد أن 27 منهم متوفون.




