ملف خاص: الخلايا الجذعية، من علاج الأمراض إلى صناعة اقتصاد حيوي جديد

الخلايا الجذعية في الإمارات لم تعد مجرد علاج، بل استثمار صحي للمستقبل. ملف خاص يكشف الطب التجديدي، التخزين، وتجارب أمهات وخبراء.

فريق التحرير
فريق التحرير

ملخص المقال

إنتاج AI

الخلايا الجذعية أصبحت أملًا علاجيًا واستثمارًا استراتيجيًا، والإمارات مركزًا إقليميًا في هذا المجال. عالية عبد الرازق من سيل سيف أرابيا، أوضحت كيف تُستخدم الخلايا في تجديد الأنسجة وعلاج الأمراض، مع نظرة مستقبلية نحو علاجات شخصية وتخزين مدى الحياة.

النقاط الأساسية

  • الخلايا الجذعية قادرة على التجدد الذاتي وتستخدم في الطب التجديدي وعلاج أمراض مختلفة.
  • الإمارات تقود إقليميًا في مجال الخلايا الجذعية بفضل التشريعات والدعم الحكومي والبنية التحتية.
  • تخزين الخلايا الجذعية فرصة لا تعوض عند الولادة لحماية صحة الطفل مستقبلًا.

‎الخلايا الجذعية لم تعد مجرد مصطلح علمي معقّد، بل تحوّلت إلى أمل واقعي لآلاف المرضى حول العالم، وإلى استثمار استراتيجي للأسر التي تفكر في صحة أطفالها ومستقبلهم الطبي. في لقاء خاص أجرته منصة “لنا” مع عالية عبد الرازق، المديرة التنفيذية للعمليات في سيل سيف أرابيا، كشفت لنا أبعاد هذا العلم المتسارع، وكيف تحولت الإمارات إلى مركز إقليمي في هذا المجال، إلى جانب تجارب حقيقية لأمهات ومؤثرات تحدّثن للمنصة عن قرارهن بتخزين الخلايا الجذعية لأطفالهن.

عالية عبد الرازق، المديرة التنفيذية للعمليات في سيل سيف أرابيا

‎ما هي الخلايا الجذعية ولماذا تُعدّ ثورة في الطب التجديدي؟

‎تشرح عالية أن الخلايا الجذعية هي الخلايا الوحيدة في الجسم القادرة على التجدد الذاتي والتحوّل إلى أنواع مختلفة من الخلايا، مثل خلايا الدم والغضاريف والأعصاب والعضلات. هذه القدرة الفريدة تجعلها أساس الطب التجديدي، لأنها تتيح إصلاح الأنسجة والأعضاء المتضررة بدلاً من الاكتفاء بعلاج الأعراض السطحية.
‎وتوضح أن الخلايا الجذعية تُستخدم حاليًا في علاج أمراض الدم والسرطان ونقص المناعة وبعض الاضطرابات الوراثية، إضافة إلى تطبيقات في التهابات المفاصل وتجديد الغضاريف، ودعم علاجات الخصوبة وأمراض المناعة الذاتية. أما مستقبلها فيتجه نحو علاجات شخصية لكل مريض وفق بصمته الجينية، واستبدال الأنسجة التالفة بأخرى جديدة، والمساهمة في إبطاء الشيخوخة عبر دمج الخلايا الجذعية مع تقنيات التعديل الجيني والخلايا الجذعية المحفّزة.

‎كيف تسهم الخلايا الجذعية في تجديد القلب والمفاصل والجلد؟

‎توضح عالية أن إدخال الخلايا الجذعية في الجسم لا يعني مجرد حقن خلايا، بل إطلاق شبكة من الإشارات الحيوية. فهي قادرة على دعم تجديد الغضاريف بدلًا من استبدال المفاصل بالكامل، وعلى تحفيز تجدد أنسجة القلب والعضلات ضمن إطار الطب التجديدي.
‎وتضيف أن استخدام الخلايا الجذعية الذاتية – من الشخص نفسه – يعد من أكثر التطبيقات الواعدة، لأن الجسم يتقبلها بشكل أفضل. ومع تقدم العمر يقلّ عدد هذه الخلايا، حتى في الجلد، ما يفسّر انخفاض إنتاج الكولاجين وظهور التجاعيد. تعمل الخلايا الجذعية عبر إطلاق هرمونات نمو وإكسوسومات تساعد الخلايا على إصلاح نفسها، فيتحسن أداء الجسم “من الداخل إلى الخارج”.

‎تطور سوق تخزين الخلايا الجذعية عالميًا وموقع الإمارات

Advertisement

‎ترى عالية أن سوق تخزين الخلايا الجذعية شهد نموًا هائلًا؛ فبعد أن كان التركيز على دم الحبل السري فقط، توسع اليوم ليشمل تخزين أنسجة الحبل السري والخلايا الجذعية البالغة مدى الحياة، مع دمجها في العلاجات الجينية الحديثة مثل CAR‑T. وتصف الصورة المستقبلية بأنها عالم يمتلك فيه كل فرد “ملف خلايا” خاصًا به كما يملك ملفًا طبيًا أو تأمينًا صحيًا.
‎وعن موقع الإمارات، تؤكد أن الدولة لا تكتفي بالمواكبة، بل أصبحت في موقع القيادة الإقليمية، بفضل تشريعات متقدمة منذ عام 2020، ودعم حكومي صريح للبحث العلمي في الطب التجديدي، والبنية التحتية الصحية المتطورة، ووجود مراكز معتمدة عالميًا، وازدهار السياحة العلاجية المرتبطة بالعلاجات الخلوية.

‎بنوك الخلايا الجذعية في الإمارات… خبرة تمتد لعقدين

‎تشير عالية إلى أن الإطار التنظيمي لبنوك الخلايا الجذعية في الإمارات حديث نسبيًا، لكن بعض البنوك – ومنها البنك الذي تعمل به – بدأ العمل منذ عام 2005 ويحتفل اليوم بمرور 20 سنة.
‎تروي أن البداية كانت مع أبحاث على الثلاسيميا والأنيميا المنجلية، حين كان العلاج بالخلايا الجذعية يُستخدم لعلاج عدد محدود من الأمراض يتراوح بين 5 و20 حالة. اليوم يوجد أكثر من 4000 تجربة سريرية حول العالم، مع علاجات مثبتة لأكثر من 80 حالة مرضية، ما يفتح الباب أمام توسع كبير في الاستخدام خلال السنوات القادمة.

‎فرصة واحدة عند الولادة… لماذا تخزين دم وأنسجة الحبل السري؟

‎تشدد عالية على أن الأم تملك “فرصة واحدة فقط” للحصول على أنقى وأغنى خلايا جذعية لطفلها: لحظة الولادة. تقول إن دم وأنسجة الحبل السري لا يمكن استعادتهما لاحقًا، وإذا لم يتم تخزينهما في تلك اللحظة تضيع الفرصة للأبد.
‎وتشرح الفرق بين الاثنين:

دم الحبل السري: غني بالخلايا المكوّنة للدم، ويُستخدم في أمراض الدم ونقص المناعة واللوكيميا واللمفوما والاضطرابات الجينية، وتصفه بأنه “جهاز المناعة لطفلك داخل كيس”.

Advertisement

أنسجة الحبل السري: غنية بالخلايا الجذعية الميزنكيمية، المفيدة في تجديد الأنسجة، علاج الالتهاب، أمراض المناعة الذاتية، العظام والأعصاب والجروح وعلاجات التجديد، وتشبهها بـ”صندوق الإصلاح والتجديد للمستقبل”.

‎وتؤكد أن لكل منهما دورًا مختلفًا، لذا تقدّم البنوك الجادة باقات تشمل الاثنين معًا، وأحيانًا أوعية وأنسجة إضافية وخلايا جاهزة للاستخدام.

‎التكلفة… بين فكرة الرفاهية والقرار العقلاني

‎تتوقف عالية عند المفهوم الشائع: “لن نستخدمها، فلماذا ندفع؟”، وتوضح أن نسبة استخدام الخلايا المخزنة ترتفع مع ظهور علاجات جديدة، وأن قيمتها الحقيقية تكمن في فتح خيارات مستقبلية لا تكون متاحة لمن لم يقم بالتخزين.
‎وتذكر أن بعض الباقات في الإمارات تبدأ من نحو 18 ألف درهم لتخزين يمتد 30 سنة، أي حوالي 600 درهم سنويًا، بينما قد تصل تكلفة استخراج الخلايا لاحقًا من الدم أو العظام في بعض الحالات إلى أرقام تقترب من مليون درهم أو أكثر. وتشدد على أن العملية آمنة وغير مؤلمة، وتتم بعد الولادة باستخدام المشيمة والحبل السري اللذين يتم التخلص منهما أصلًا، مع ضرورة تحرّي جودة واعتمادية البنك المختار.

‎من غرفة الولادة إلى المختبر… رحلة العينة خطوة بخطوة

‎توضح عالية أن العملية تبدأ بتدريب الأطباء والقابلات المعتمدين على جمع العينات بشكل صحيح، ثم تُنقل في حقيبة خاصة مع ضبط درجات الحرارة ونظام تتبع دقيق. تصل العينات إلى المختبر خلال نحو أربع ساعات، حيث تُجرى فحوصات لدم الأم ودم الحبل السري للتحقق من العدّ الخلوي، والحيوية، وخلو العينات من التلوث والأمراض المعدية.
‎بعد ذلك تُحفظ الخلايا تحت درجة حرارة تقارب ‑196 مئوية في نيتروجين سائل، ما يضمن إمكانية استخدامها لعقود لاحقة. وتشير إلى أن البنك الذي تعمل فيه هو الوحيد في الإمارات الحاصل على اعتماد AABB لدم الحبل السري والخلايا الميزنكيمية، وأول مختبر في العالم يحصل على ISO خاص بالبيوبانك، مع سعي جارٍ للحصول على اعتماد FACT.

Advertisement

‎تجارب علاجية واقعية… من سرطانات الدم إلى التهابات المفاصل

‎تذكر عالية أن البنك تعامل مع حالات حقيقية استخدمت فيها الخلايا المخزنة لعلاج اللوكيميا، الأنيميا المنجلية، اللمفوما، بالإضافة إلى بعض العلاجات بالخلايا الجذعية للبالغين. وتكشف أنه خلال عام واحد فقط تم تنفيذ أكثر من 150 عملية “إطلاق” للخلايا إلى مراكز علاج داخل وخارج الإمارات.
‎ومع توسع تخزين أنسجة الحبل السري، أصبح بالإمكان تقديم علاجات تجديدية للآباء والأجداد أيضًا، مثل الحقن الوريدي لتحسين الوظائف العامة، واستخدام الخلايا في علاج التهاب المفاصل وتجديد الغضاريف ضمن برامج الطب التجديدي.

‎أمراض المناعة الذاتية… بين العلم ونمط الحياة

‎توضح عالية أن الخلايا الجذعية تُعد واعدة في بعض أمراض المناعة الذاتية لأنها مضادة للالتهاب وتسهم في إعادة التوازن للجهاز المناعي عبر الإكسوسومات وعوامل النمو. وتشير إلى وجود حالات دخلت في “هدوء تام” مثل بعض حالات الصدفية، مع تحفّظ علمي بأن هذه العلاجات لا تزال تحتاج إلى مزيد من التثبيت في بروتوكولات قياسية.
‎وتلفت الانتباه إلى أن الفحوصات الجينية لا تُعد حكمًا بالإصابة، بل خرائط للاستعدادات، يمكن تغيير مسارها إلى حد كبير عبر نمط الحياة، التغذية، الرياضة وإدارة التوتر، مؤكدة أن ارتفاع مستويات الضغط النفسي في الحياة الحديثة جعل أمراض المناعة الذاتية أكثر شيوعًا.

‎تجارب مؤثرين… منصة “لنا” تستمع لقصص من خضن التجربة

‎في إطار إعداد هذا الملف، تواصلت منصة “لنا” مع أمهات ومؤثرات خضن تجربة تخزين الخلايا الجذعية لأطفالهن، وشاركن دوافعهن ومشاعرهن حول القرار.
‎من بين هذه التجارب تجربة الإعلامية والمؤثرة رحاب المهيري، التي روت للمنصة كيف اتخذت قرار التخزين بدافع الإحساس بالمسؤولية تجاه مستقبل أطفالها الصحي، وكيف ساعدها فهمها المبكر لمفهوم “التأمين البيولوجي” على تجاوز ترددها الأولي. تجربة أخرى هي تجربة عفراء السطي، التي تحدثت عن رحلتها منذ لحظة تلقي المعلومات، مرورًا بالتواصل مع البنك، وحتى استلام شهادة التخزين، وكيف غيّرت هذه التجربة نظرتها لمفهوم التخطيط الصحي للأسرة. هذه اللقاءات منحت المادة الصحفية بعدًا إنسانيًا، وربطت العلم بحياة الناس اليومية.

Advertisement

ما علاقة الخلايا الجذعية بنمو الاقتصاد؟ وهل نحن أمام سوق يتغيّر في العالم والإمارات؟

‎توضح عالية أن الخلايا الجذعية لم تعد مجرّد ملف طبي أو تقنية علاجية، بل تحوّلت إلى قطاع اقتصادي متكامل يجمع بين البحث العلمي، التصنيع الحيوي، البنوك الحيوية، السياحة العلاجية، وشركات التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي.
‎هذا القطاع—الذي يُعرف عالميًا بالاقتصاد الحيوي—يُعد اليوم من أسرع القطاعات نموًا، لأنه يخلق وظائف عالية المهارة للأطباء والباحثين والمختصين، ويفتح أبوابًا جديدة للاستثمار في المختبرات المتقدمة، وشركات الأدوية، والمراكز العلاجية التي تعتمد على الطب التجديدي.

‎وتشير إلى أن سوق الخلايا الجذعية عالميًا يتجه نحو نمو سنوي متسارع خلال السنوات المقبلة، مدفوعًا بارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، وزيادة متوسط العمر، والتوسع في علاجات الطب الشخصي التي تعتمد على الخلايا الجذعية والتقنيات الجينية.

‎أما في الإمارات، تقول عالية، فالوضع يشير بوضوح إلى أننا أمام قطاع يتحول إلى رافد اقتصادي فعلي. إذ تشهد الدولة إطلاق مراكز متخصصة في أبوظبي ودبي، وتوسّع مشاريع البنوك الحيوية، ونموًا ملحوظًا في السياحة العلاجية التي تستقطب مرضى من المنطقة والعالم للحصول على علاجات بالخلايا الجذعية والطب التجديدي.
‎وتضيف أن هذه الاستثمارات لا تعود فقط بالنفع على صحة الأفراد، بل تعزّز موقع الإمارات كلاعب رئيسي في اقتصاد المعرفة والابتكار الصحي، وتدعم رؤيتها الهادفة لبناء اقتصاد متنوع قائم على التكنولوجيا المتقدمة والبحث العلمي

‎مستقبل العلاج بالخلايا الجذعية خلال عشر سنوات

‎تنهي عالية الحوار برؤية واضحة للمستقبل: الانتقال من العلاجات التجريبية إلى بروتوكولات قياسية في مجالات عديدة، مع علاجات شخصية لكل مريض، ودمج الخلايا الجذعية مع تقنيات تعديل الجينات، وظهور علاجات وقائية لإطالة العمر الصحي، إلى جانب أنظمة تخزين خلايا مدى الحياة كجزء طبيعي من الرعاية الصحية المتقدمة.
‎وترى أن من يختار اليوم الاستثمار في معرفة هذا المجال وخياراته، سواء بالتخزين أو بمتابعة التطورات العلاجية، يمنح نفسه وأسرته فرصة إضافية للوقاية والعلاج بجودة أعلى في الغد، مؤكدة أن “الخلايا الجذعية ليست موضة طبية، بل مسار طويل لإعادة تعريف معنى الشفاء نفسه”.‎

Advertisement