يُعد البرنامج النووي الإيراني من أبرز الملفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إذ بدأت طهران تطويره منذ خمسينيات القرن الماضي، ومر بمراحل متباينة حتى بلغ مرحلة متقدمة أثارت قلق المجتمع الدولي.
نظرة عامة على البرنامج النووي الإيراني
انطلق البرنامج النووي الإيراني عام 1957 ضمن مبادرة “الذرّة من أجل السلام” بدعم أمريكي. أنشئ أول مفاعل أبحاث في طهران عام 1967، ووقعت إيران اتفاقيات لتوسيع قدراتها النووية في السبعينيات. إلا أن الثورة الإسلامية عام 1979، ثم الحرب مع العراق، جمدتا تلك الطموحات.
استأنفت إيران برنامجها في التسعينيات بمساعدة دولية، إلا أن جوانب سرية، مثل مشروع “عماد”، أثارت شبهات حول نوايا عسكرية. في 2002، كشف معارضون وجود منشآت نطنز وأراك، مما فجر أزمة دولية.
أدى اتفاق 2015 إلى الحد من تخصيب اليورانيوم مقابل رفع جزئي للعقوبات. لكن الانسحاب الأمريكي عام 2018 دفع إيران لتوسيع تخصيبها تدريجيًا، حتى وصل إلى 60%، ما زاد المخاوف من اقترابها من امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي.
المنشآت النووية الرئيسية في البرنامج النووي الإيراني
- نطنز: يعد المركز الأساسي، ويضم منشأة سطحية وأخرى تحت الأرض تعرف بـ”FEP”. يحتوي على نحو 16 ألف جهاز طرد مركزي، بينها طرازات متطورة. تعرض الموقع لهجوم كبير عام 2021، وتسعى إيران لتحصينه أكثر بحلول 2025.
- فوردو: تقع تحت جبل قرب مدينة قم، واكتُشفت عام 2009. رغم تجميد أنشطتها ضمن اتفاق 2015، أعادت إيران تشغيلها ورفعت التخصيب تدريجيًا إلى 60%. أفادت تقارير بتعرضها لقصف أمريكي في يونيو 2025.
- أصفهان: يحتوي على مرافق لتحويل اليورانيوم وتصنيع مكونات الطرد المركزي. تعرضت أجزاء من المجمع لأضرار في الهجمات الأخيرة، دون تسجيل تسرب إشعاعي.
- خنداب (أراك): مفاعل ماء ثقيل لأغراض طبية، مع إمكانية إنتاج البلوتونيوم. تم تعطيله بموجب اتفاق 2015، وتخطط إيران لتشغيله مجددًا عام 2026 بعد إعادة تصميمه.
منشآت بحثية ومرافق داعمة
يضم البرنامج النووي الإيراني مفاعل أبحاث في طهران تحت إشراف دولي، يستخدم وقودًا مخصبًا بنسبة 20%. كما يشمل مركز TRC لصناعة مكونات الطرد المركزي، وورشة “TESA” في كرج، والتي تعرضت لأضرار خلال الهجمات الأخيرة.
أما مفاعل بوشهر، فهو الوحيد المستخدم لإنتاج الكهرباء. يُدار من قبل شركة روسية ويعمل بوقود معاد التصدير إلى روسيا، ما يقلل من خطر الانتشار النووي. نُفي رسميًا تعرّضه لقصف في يونيو 2025.
الهجمات العسكرية على البرنامج النووي الإيراني
في يونيو 2025، نفذت إسرائيل والولايات المتحدة ضربات جوية مركزة على منشآت نطنز وأراك وأصفهان. أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدمير المصنع التجريبي في نطنز، كما لحقت أضرار جزئية بمرافق أصفهان، دون رصد تسرب إشعاعي.
رغم تقارير عن استهداف منشأة فوردو، أكدت إيران أنها أخلت الموقع من المواد الحساسة قبل الهجوم، ولم تسجل أضرار كبيرة فيه. كذلك، طالت الهجمات بعض المباني القديمة في بوشهر، لكنها لم تؤثر على المفاعل الرئيسي.
الرقابة الدولية ومواقع غير معلنة
تخضع المنشآت النووية الإيرانية المعروفة لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن الوكالة عثرت على آثار يورانيوم في مواقع غير مصرّح عنها مثل فَرامين وتورقوزآباد ومروان، مما أثار شكوكًا بشأن وجود أنشطة عسكرية سابقة.
رغم النفي الإيراني المتكرر، لم تقدم طهران إجابات مرضية للوكالة حول تلك الآثار، مما يزيد من غموض نواياها النووية.
مستقبل البرنامج النووي الإيراني
يرجّح مراقبون أن تؤدي الضغوط الدولية المتزايدة إلى تصعيد إضافي من إيران، حيث يعمل برلمانيون على مشروع قانون للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار. كما تسعى طهران لتطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة وبناء مواقع جديدة محصنة.