في الرابع من آب/أغسطس 2020، دوّى انفجار ضخم في مرفأ بيروت، مُخلّفًا وراءه مشهدًا كارثيًا غير مسبوق في العاصمة اللبنانية. أكثر من 230 قتيلًا، و6500 جريح، وأضرار هائلة لحقت بالبنية التحتية والمنازل والمستشفيات. الانفجار الذي سبّبته كميات ضخمة من نترات الأمونيوم المخزّنة منذ سنوات في العنبر 12، اعتُبر من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
سُرعان ما أدّى الحادث إلى استقالة الحكومة، لكن المسار القضائي للكشف عن الحقيقة ظل متعثّرًا، تائهًا بين التعطيل السياسي والتجاذبات القضائية.
تحقيقات متعثرة ومواقف متقلبة
في البداية، تولّى القاضي فادي صوان التحقيق العدلي، لكن دعاوى “الارتياب المشروع” من قبل سياسيين مدعى عليهم أطاحت به في فبراير 2021. تَسلّم الملف من بعده القاضي طارق البيطار، الذي أعاد تحريكه عبر استدعاءات شملت وزراء ونوابًا، بينهم علي حسن خليل وغازي زعيتر، ما فجّر حملة سياسية ضده، وخصوصًا من حزب الله، الذي اتهمه بالتسييس وهدد صراحة بمواجهة ما وصفه بـ”النهج الاستنسابي”.
ومع توجيه أصابع الاتهام للحزب بفرض نفوذ فعلي على المرفأ والمطار، تعمّقت الشكوك حول مدى معرفته أو تورطه في ما جرى.
الذكرى الخامسة: هل تغيّر شيء؟
في الذكرى الخامسة، عاد الملف إلى الواجهة، مدفوعًا بتبدّل في التوازنات الداخلية أضعف بعض القوى المعطِّلة، وأعاد الحياة إلى مسار قضائي بدا لفترة طويلة ميتًا سريريًا.
المفارقة الأبرز هذا العام كانت في تغيّر نبرة الخطاب الرسمي. فقد أعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون التزام الدولة الكامل بكشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين، قائلًا إن “العدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال الجميع دون تمييز”، ومشددًا على أن “دماء الشهداء لن تذهب سدى”.
رغم ذلك، لا يزال أهالي الضحايا ينتظرون العدالة، ولا تزال أسئلتهم القديمة معلّقة: من جاء بهذه المواد؟ ومن سمح ببقائها؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟
خمس سنوات مرّت، وما زال الجرح مفتوحًا… فيما الحقيقة تُصارع كي ترى النور.




