تواصل حركة “حماس” دفع رواتب موظفيها في قطاع غزة رغم مرور نحو عامين من الحرب الدائرة وغياب النظام المصرفي، عبر نظام محكم من الرسائل المشفرة واللقاءات السرّية، مضيفة بذلك فصلاً جديداً عن كيفية صمود المنظومة الإدارية تحت القصف والحصار.
كيف يعمل النظام السري؟
يعتمد نظام “حماس” لتوزيع الرواتب على إرسال رسائل نصية مشفرة للموظفين (أو أزواجهم)، غالبًا تحمل عبارات رمزية مثل “فلان يدعوك لفنجان قهوة” مع الإشارة إلى زمان ومكان اللقاء. يذهب الموظف إلى الموقع المحدد (غالبًا بين الأنقاض أو قرب مدارس الإيواء)، فيستقبله شخص مجهول ليسلّمه ظرفًا مغلقًا يحتوي على المال نقداً، ويغادر فوراً دون نقاش أو تفاصيل إضافية، في أجواء يشوبها ترقب أمني شديد وخطر الاستهداف الإسرائيلي.
وبحسب الشهادات الميدانية، يتكرر تسليم الرواتب ـ التي باتت لا تتجاوز 20% من الراتب الأصلي ـ كل عشرة أسابيع تقريباً، وبعض المستلمين أكدوا حصولهم على نحو 300 دولار في الدفعة الأخيرة، غالباً بأوراق نقدية بالية أو ممزقة. موظفون أكدوا أن العملية محفوفة بالمخاطر وذكر أحدهم أنه يودع عائلته في كل مرة، تحسباً للقصف أو المداهمات المفاجئة.
مصادر الأموال وكيفية التمويل
تستند حركة “حماس” في تمويل هذه الرواتب إلى مخزون نقدي كبير كان قد تم تخزينه في أنفاق سرية تحت الأرض قبل الحرب ـ وتقدّر التقارير هذا المبلغ بنحو 700 مليون دولار وأضعافها من الشواقل. جزء من التمويل يأتي من الضرائب المستمرة على المواد والأغذية والسجائر التي تُباع بأسعار مضاعفة، بالإضافة إلى الدعم الخارجي الذي كان يرد قبل الحرب وإلى اقتصادات الأزمة التي تطورت داخل القطاع.
تغيُّر الخطة والاختباء من الاستهداف
نقاط تسليم الرواتب تتغير باستمرار حسب الوضع الأمني، ويجري أحياناً توزيع الأموال في مخيمات النازحين أو مدارس الإيواء لحماية المستلمين من المخاطر. وتفيد تقارير أن إسرائيل استهدفت مراراً نقاط توزيع الرواتب، ما أدى إلى سقوط ضحايا، وكان آخرها مقتل إسماعيل برهوم المسؤول المالي للحركة في غارة على مستشفى ناصر بخان يونس.
استمرار المعاناة الإنسانية
رغم استمرار دفع المرتبات بشكل جزئي، إلا أن الوضع الإنساني يبقى مأساوياً مع شح الغذاء وارتفاع الأسعار وأزمات العمل، حيث يشير معلمون وموظفون حكوميون إلى أن معظم الأموال الموزعة تكون غير صالحة للتداول أو يصعب صرفها بالكامل، ما يدفعهم لمقايضة جزء منها أو اللجوء لصفوف المساعدات الإنسانية.
خلاصة
أثبتت منظومة “حماس” قدرتها على الاستمرار مالياً عبر شبكات سرية مرنة رغم ضراوة الحرب واستهداف بنيتها، ما أعاد الجدل حول مصادر تمويل الحركة وواقع الحياة اليومية للموظفين في غزة اليوم، وسط تحذيرات دولية من تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية مع استمرار الحصار.




