أعلنت الحكومة الأسترالية يوم الأربعاء قرارها الجديد بإدراج منصة يوتيوب ضمن قانونها الرائد عالمياً لحظر وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون سن السادسة عشرة. هذا القرار يمثل تراجعاً عن الموقف السابق للحكومة التي استثنت المنصة المملوكة لشركة غوغل في البداية.
أكدت وزيرة الاتصالات الأسترالية أنيكا ويلز في مؤتمر صحفي أن الحكومة “تضع الآباء أولاً قبل المنصات”. وقالت ويلز إن الهدف هو أن “يعرف الأطفال من هم قبل أن تفترض المنصات هويتهم”. وأضافت أنه “رغم وجود مكان لوسائل التواصل الاجتماعي، لا يوجد مكان للخوارزميات المفترسة التي تستهدف الأطفال”.
البيانات المثيرة للقلق وراء القرار
جاء القرار بعد توصية من مفوضة الأمان الإلكتروني الأسترالية جولي إنمان غرانت الشهر الماضي. استندت التوصية إلى بحث أجرته المفوضية شمل 2600 طفل تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاماً، والذي كشف أن 37% من الأطفال واجهوا محتوى ضاراً على يوتيوب، وهي أعلى نسبة مقارنة بأي منصة أخرى.
أوضحت غرانت في خطابها أمام النادي الصحفي الوطني أن يوتيوب “أتقن ميزات التصميم المقنعة” باستخدام “خوارزميات غامضة تقود المستخدمين إلى أنفاق أرانب لا يمكنهم مقاومتها”. وأشارت إلى أن “هذه ليست معركة عادلة عندما يتعلق الأمر بأطفالنا مقابل مواقع التواصل الاجتماعي”.
تفاصيل تطبيق الحظر
ستدخل القيود الجديدة حيز التنفيذ في العاشر من ديسمبر 2025. بموجب هذا القانون، لن يُسمح للأطفال دون 16 عاماً بإنشاء حسابات نشطة على يوتيوب أو الاشتراك في القنوات. ومع ذلك، سيظل بإمكان الأطفال مشاهدة مقاطع الفيديو دون تسجيل الدخول أو تحت إشراف الوالدين.
ستبقى منصة يوتيوب كيدز معفاة من الحظر نظراً لميزات التفاعل المحدودة فيها. كما ستستمر إمكانية استخدام المعلمين للمحتوى التعليمي في الفصول الدراسية من خلال حساباتهم الخاصة.
عقوبات مالية صارمة
تواجه منصات التواصل الاجتماعي التي تفشل في منع الأطفال دون 16 عاماً من إنشاء حسابات غرامات تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (حوالي 32.2 مليون دولار أمريكي). يشمل الحظر أيضاً منصات أخرى مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وسناب تشات وإكس.
استُثنيت من القانون الجديد منصات الألعاب الإلكترونية وتطبيقات المراسلة والخدمات الصحية والتعليمية، حيث تشكل مخاطر أقل على الأطفال دون 16 عاماً.
ردود فعل المنصات المتضررة
أعربت شركة يوتيوب عن معارضتها الشديدة للقرار، مؤكدة أن “موقفنا واضح: يوتيوب هو منصة لمشاركة الفيديو تحتوي على مكتبة من المحتوى المجاني عالي الجودة، ويُشاهد بشكل متزايد على شاشات التلفزيون. إنه ليس وسيلة تواصل اجتماعي”. وأضافت الشركة أنها “ستنظر في الخطوات التالية وستواصل التعامل مع الحكومة”.
سبق أن احتجت منصات أخرى مثل تيك توك وميتا على الإعفاء الأولي ليوتيوب، واصفة إياه بأنه “غير منطقي” و”هزلة”. قالت إيلا وودز-جويس، مديرة السياسات في تيك توك أستراليا، إن يوتيوب حصل على “صفقة مميزة” تمنحه ميزة غير عادلة.
محاولات الضغط والتأثير
كشفت الوزيرة ويلز عن تفصيل مثير، حيث أرسلت شركة غوغل فريق إدارة فرقة الأطفال الموسيقية الأسترالية “ذا ويغلز” لمحاولة إقناعها بالإبقاء على الإعفاء. قالت ويلز على برنامج توداي شو: “كان ذلك بيغ ويغل. كانت هذه شركة ويغلز، الإدارة حول الويغلز”.
وأضافت: “الويغلز مؤسسة أسترالية عزيزة. لكن كما قلت لهم، أنتم تحتجون على أن حق توأمي البالغين من العمر أربع سنوات في الحصول على تسجيل دخول يوتيوب أهم من حقيقة أن أربعة من كل عشرة من أقرانهم سيواجهون ضرراً عبر الإنترنت على يوتيوب”.
الموقف الحكومي الراسخ
دافع رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي عن القرار قائلاً: “وسائل التواصل الاجتماعي لها مسؤولية اجتماعية وليس هناك شك في أن الأطفال الأستراليين يتأثرون سلباً بالمنصات الإلكترونية لذا أدعو لوقف هذا”. وأضاف: “أريد أن يعرف الآباء الأستراليون أننا ندعمهم”.
ظهر ألبانيزي في المؤتمر الصحفي إلى جانب ثلاثة آباء فقدوا أطفالهم بسبب أضرار متعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن “وسائل التواصل الاجتماعي تسبب ضرراً اجتماعياً لأطفالنا”.
التحديات التقنية المرتقبة
تعمل الحكومة الأسترالية حالياً على اختبار تقنيات التحقق من العمر، بما في ذلك تحليل الأصوات وحركات اليد وتقنيات مسح الوجه لتقدير العمر. الهدف هو تطوير نظام لا يتطلب من المستخدمين تقديم وثائق هوية حساسة مثل رخص القيادة أو جوازات السفر.
شركة شيرينغ الأسترالية المختصة في تقنية البلوك تشين تشارك في التجربة الحكومية باستخدام منصة الهوية الرقمية القائمة على البيانات البيومترية. تقدر تكلفة برنامج الاختبار بـ6.5 مليون دولار أسترالي، ومن المتوقع صدور التقرير النهائي في وقت لاحق من العام 2025.
تهديدات قانونية وتصعيد النزاع
هددت شركة غوغل بمقاضاة الحكومة الأسترالية إذا تم إدراج يوتيوب في الحظر، مدعية أن القيود قد تؤثر على الحرية الدستورية الضمنية للتواصل السياسي. هذا النزاع يذكر بالخلاف السابق بين غوغل وأستراليا عام 2021 حول قانون مساومة وسائل الإعلام الإخبارية.
أكدت الوزيرة ويلز أن الحكومة “لن تنترس من التهديدات القانونية عندما يتعلق الأمر بالحماية الحقيقية للأطفال الأستراليين”. وقالت إنها تشبه التحدي بـ”تعليم أطفالكم السباحة في المحيط المفتوح مع التيارات وأسماك القرش، مقارنة بالمسبح المحلي”.
نظرة إلى المستقبل
من المتوقع أن تنشر الحكومة الأسترالية التقرير النهائي حول تجربة تقنيات التحقق من العمر قبل دخول القانون حيز التنفيذ في ديسمبر 2025. ستحدد هذه النتائج كيفية تطبيق الحظر عملياً وما هي التقنيات التي ستُعتمد.
يُعتبر القانون الأسترالي الأول من نوعه عالمياً، حيث يحظر على الأطفال دون 16 عاماً استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون أي استثناءات للموافقة الأبوية أو للحسابات الموجودة مسبقاً. تراقب دول أخرى مثل المملكة المتحدة وإيرلندا وسنغافورة واليابان التجربة الأسترالية بعناية، مع احتمالية تطبيق قوانين مماثلة.
يثير هذا القانون تساؤلات مهمة حول التوازن بين حماية الأطفال من الأضرار الرقمية وضمان حقوقهم في الوصول إلى المعلومات والتعبير عن أنفسهم في البيئة الرقمية. كما يطرح تحديات تقنية وقانونية معقدة حول كيفية التحقق من العمر دون انتهاك الخصوصية أو إنشاء حواجز أمام الوصول المشروع للمحتوى التعليمي والترفيهي.