رفضت ميرا موراتي، كبيرة مسؤولي التكنولوجيا السابقة في شركة أوبن إي آي والرئيسة التنفيذية الحالية لشركة “ثينكنغ ماشين لاب”، عرضاً مالياً ضخماً من شركة ميتا للاستحواذ على شركتها الناشئة، وفقاً لتقرير صحيفة وول ستريت جورنال. وأشار التقرير إلى أن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، عرض شراء الشركة مقابل مليار دولار أمريكي.
وبعد رفض موراتي للعرض، شنّ زوكربيرغ ما وصفته مصادر مطلعة بأنه “غارة شاملة” على موظفي الشركة الناشئة. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن زوكربيرغ تواصل مع أكثر من دستة من الموظفين البالغ عددهم خمسين في “ثينكنغ ماشين لاب” في محاولة لإقناعهم بالانضمام إلى قسم الذكاء الفائق الجديد في ميتا.
عروض مالية خيالية لاستقطاب أندرو تولوك المؤسس المشارك
استهدف زوكربيرغ بشكل خاص أندرو تولوك، الباحث البارز والمؤسس المشارك لشركة “ثينكنغ ماشين لاب”. وحسب ما ذكرته وول ستريت جورنال، عُرضت على تولوك حزمة تعويضات قد تصل قيمتها إلى 1.5 مليار دولار على مدى ست سنوات، تشمل مكافآت وخيارات أسهم مرتبطة بأداء أسهم ميتا.
تولوك، الذي يحمل درجة الماجستير من جامعة كامبريدج وحاصل على وسام الجامعة في الرياضيات من جامعة سيدني، عمل سابقاً في ميتا من عام 2012 إلى 2023 كمهندس متميز. وساهم خلال فترة عمله في تطوير أنظمة التعلم الآلي وإطار العمل PyTorch المستخدم على نطاق واسع في أبحاث الذكاء الاصطناعي.
انضم تولوك إلى أوبن إي آي في عام 2023 وعمل على نماذج التدريب المسبق والاستدلال لمنتج GPT-4، قبل أن يؤسس “ثينكنغ ماشين لاب” مع موراتي في أوائل عام 2025.
رفض جماعي من فريق موراتي لكل عروض ميتا
رغم العروض المالية الضخمة، رفض تولوك وجميع أعضاء فريقه العروض المقدمة من ميتا. وأكدت موراتي في مقابلة مع مجلة وايرد قائلة: “حتى الآن في ثينكنغ ماشين لاب، لم يقبل شخص واحد العرض”. وأوضحت المصادر أن العروض تراوحت بين 200 مليون دولار إلى مليار دولار على مدى عدة سنوات، مع ضمانات بدفع مبالغ تتراوح بين 50 و100 مليون دولار في السنة الأولى.
يُعتقد أن سبب رفض الفريق للعروض يعود إلى ثقتهم في القيمة طويلة المدى لأسهمهم في الشركة، والتي تقدر قيمتها حالياً بـ12 مiliار دولار، بالإضافة إلى إيمانهم برؤية موراتي والاستقلالية التي توفرها لهم الشركة الناشئة.
نفي رسمي من ميتا لتفاصيل العروض المالية
نفت ميتا التفاصيل المتعلقة بحجم العروض المالية المقدمة. وقال آندي ستون، المتحدث الرسمي باسم ميتا، إن التقارير حول حزمة التعويضات المقدمة لتولوك “غير دقيقة وسخيفة”، مؤكداً أن أي حزم تعويضات تعتمد على أداء أسهم الشركة. كما نفى ستون محاولة ميتا الاستحواذ على “ثينكنغ ماشين لاب”.
وأضاف ستون في بيان للصحافة: “قدمنا عروضاً لحفنة قليلة من الأشخاص في ثينكنغ ماشين لاب، وبينما كان هناك عرض واحد كبير، فإن التفاصيل غير صحيحة. وهذا يطرح السؤال: من يروج لهذه الرواية ولماذا؟”.
جهود توظيف واسعة من ميتا لمواجهة منافسيها في الذكاء الاصطناعي
لم تقتصر جهود ميتا التوظيفية على “ثينكنغ ماشين لاب” وحدها. ووفقاً للتقارير، تواصلت الشركة مع أكثر من مئة موظف في أوبن إي آي ونجحت في توظيف عشرة منهم على الأقل. كما استهدفت ميتا موظفين من شركات ذكاء اصطناعي أخرى مثل أنثروبيك التي أسسها داريو أموداي، الذي غادر أوبن إي آي سابقاً.
من بين النجاحات التي حققتها ميتا في استقطاب المواهب، انضمام مات ديتكي البالغ من العمر 24 عاماً، الذي رفض في البداية عرضاً بقيمة 125 مليون دولار. لكن زوكربيرغ تدخل شخصياً ورفع العرض إلى 250 مليون دولار مع ضمان دفع 100 مليون دولار في السنة الأولى، مما أقنع ديتكي بقبول العرض والانضمام للشركة.
نجاح باهر لشركة موراتي في جمع التمويل رغم عدم إطلاق منتجات
حققت “ثينكنغ ماشين لاب” نجاحاً استثنائياً في جمع التمويل رغم كونها شركة حديثة التأسيس. وأعلنت موراتي في يوليو الماضي أن شركتها جمعت ملياري دولار في جولة تمويل أولية بتقييم 12 مليار دولار، في صفقة قادتها شركة أندريسن هوروويتز للاستثمار.
شارك في جولة التمويل عمالقة التكنولوجيا مثل إنفيديا وسيسكو وخدمات ناو بالإضافة إلى شركة AMD. وتُعتبر هذه أكبر جولة تمويل أولية في تاريخ وادي السيليكون للشركات الناشئة.
أسست موراتي الشركة في فبراير 2025 بعد مغادرتها أوبن إي آي في سبتمبر 2024. وانضم إليها أكثر من عشرين من زملائها السابقين في أوبن إي آي، بما في ذلك جون شولمان، أحد العقول وراء تطوير ChatGPT.
خلفية موراتي ومسيرتها المهنية في عالم التكنولوجيا
وُلدت ميرا موراتي عام 1988 في ألبانيا، وحصلت على منحة دراسية في سن السادسة عشرة للدراسة في كندا. أكملت تعليمها الجامعي في كلية دارتماوث حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية.
بدأت مسيرتها المهنية في شركة زودياك إيروسبيس، ثم انتقلت للعمل في تسلا كمديرة منتجات أولى لسيارة موديل X. وبعدها انضمت إلى شركة Leap Motion التي تركز على تقنيات التحكم بالإيماءات والواقع المعزز.
التحقت موراتي بأوبن إي آي في عام 2018 كنائب رئيس للذكاء الاصطناعي التطبيقي والشراكات، وترقت إلى منصب كبيرة مسؤولي التكنولوجيا في عام 2022. وقادت تطوير تقنيات رائدة مثل ChatGPT وDALL·E وCodex وSora.
خلال أزمة القيادة في أوبن إي آي في نوفمبر 2023، تولت موراتي منصب الرئيسة التنفيذية المؤقتة بعد إقالة سام ألتمان. وكانت من بين القادة الكبار الذين شككوا في إدارته، رغم أن ألتمان عاد خلال أيام قليلة.
تصاعد حرب المواهب في قطاع الذكاء الاصطناعي
تُظهر هذه الأحداث تصاعد المنافسة الشرسة بين عمالقة التكنولوجيا لاستقطاب المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقت ميتا مؤخراً مختبر “الذكاء الفائق” بقيادة ألكسندر وانغ، مؤسس شركة Scale AI، الذي انضم لميتا بعد استثمار الشركة 14.3 مiliار دولار في شركته مقابل حصة 49%.
كما عين زوكربيرغ مؤخراً شنغجيا تشاو، أحد منشئي ChatGPT والباحث السابق في أوبن إي آي، كبير علماء مختبر الذكاء الفائق في ميتا. وقد نجح في استقطاب ثلاثة باحثين بنوا مكتب أوبن إي آي في زيوريخ وهم لوكاس باير وألكسندر كوليسنيكوف وشياوهوا زاي.
في المقابل، استجابت أوبن إي آي للضغوط بإعطاء مكافآت استثنائية تصل إلى ملايين الدولارات لحوالي ألف موظف، أي ثلث القوى العاملة لديها، خاصة الباحثين والمهندسين في الأقسام الحيوية. وقال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لأوبن إي آي، إن ميتا تقدم مكافآت توقيع تصل إلى 100 مليون دولار وحزم تعويضات سنوية أكبر.
رؤية موراتي لمستقبل الذكاء الاصطناعي الأخلاقي
تهدف “ثينكنغ ماشين لاب” إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر أماناً وموثوقية وقابلية للتخصيص مقارنة بالمنافسين. وقالت موراتي إن الشركة تطور ذكاءاً اصطناعياً متعدد الوسائط يتفاعل مع البشر بطرق طبيعية من خلال المحادثة والرؤية والتعاون.
وأعلنت موراتي أن الشركة ستكشف عن منتجها الأول خلال الشهرين المقبلين، والذي سيتضمن مكوناً مفتوح المصدر كبيراً لمساعدة الباحثين والشركات الناشئة في تطوير نماذج مخصصة. كما تعتزم الشركة نشر نتائجها العلمية لمساعدة المجتمع البحثي على فهم أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة بشكل أفضل.
تتبنى موراتي رؤية تركز على الاستقلالية والشفافية في تطوير الذكاء الاصطناعي، بعيداً عن قيود الشركات الكبرى. وهذا ما جذب فريقها للبقاء معها رغم العروض المالية الضخمة من ميتا، في إشارة إلى تغيير في ثقافة وادي السيليكون حيث تتفوق القيم والرسالة على المكاسب المالية قصيرة المدى.
