أصدرت السلطات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة تحذيراً صارماً لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وحذرتهم من نشر أو الرد على أي محتوى بطريقة سلبية أو مسيئة أو تشهيرية. هذا التحذير المُشدد جاء وسط تزايد عدد القضايا المُبلغ عنها، والتي تورط فيها مستخدمون نشروا تعليقات مسيئة تستهدف صُناع المحتوى شخصياً.
تصاعد قلق السلطات من إساءة استخدام التعليقات
أكد العقيد عمر أحمد أبو الزود، مدير إدارة التحريات والمباحث الجنائية في شرطة الشارقة، أن إساءة استخدام قسم التعليقات أصبح مشكلة متكررة. وقال العقيد أبو الزود إن “التعليق على منشور عام لا يمنح أي شخص الحق في الاعتداء اللفظي، أو السخرية، أو إهانة الآخرين”، مشدداً على أن السلطات ملتزمة باتخاذ إجراءات حازمة ضد الجرائم الرقمية التي تهدد الانسجام الاجتماعي.
كما حذر العقيد أبو الزود من أن “القانون واضح، الإهانات عبر الإنترنت، حتى داخل سلاسل التعليقات أو الردود، هي جريمة يُعاقب عليها”. وأشار إلى أن العديد من المستخدمين لا يزالون غير مدركين أن مثل هذه التعليقات، حتى الردود القصيرة، قد تؤدي إلى الملاحقة القضائية.
التطبيق الشامل للقانون على جميع أشكال المحتوى
أوضح الرائد عبد الله الشحي، مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإنابة في شرطة دبي، أن القانون يحظر نشر أي تعليق مهين أو تشهيري، “سواء كان منشوراً مكتوباً، أو مقطع فيديو، أو مقطعاً صوتياً، أو بثاً مباشراً”. وشدد الرائد الشحي على أن العديد من المستخدمين يفترضون أن التعليقات، خاصة خلال الجلسات المباشرة، عابرة وغير ضارة، “لكن كل كلمة يتم تسجيلها، ويمكن تتبعها، ويمكن أن تؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية”.
الإطار القانوني والعقوبات المُطبقة
يستند التحذير إلى المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021، والمُعدل بالقانون رقم 5 لسنة 2024، والذي يحدد عقوبات صارمة للإهانات أو التشهير عبر الإنترنت. تتراوح العقوبات المنصوص عليها من السجن إلى غرامات تتراوح بين 250,000 و 500,000 درهم. كما تشدد العقوبات عندما تستهدف الإساءة المسؤولين العموميين أو يتم نشرها عبر حسابات تحظى بمتابعة واسعة.
وفقاً للمادة 43 من قانون الجرائم الإلكترونية في الإمارات، يمكن لأي شخص يهين شخصاً آخر عبر الإنترنت أو ينسب إليه فعلاً يضر بكرامته أن يواجه عقوبة السجن أو الغرامات. كما تنص المادة 426 من قانون العقوبات على عقوبات للإهانات العلنية، حتى دون تسمية اتهام محدد، بما في ذلك السجن لمدة تصل إلى عام أو غرامات تصل إلى 20,000 درهم، وتزيد إلى سنتين أو 50,000 درهم في الحالات المشددة.
وجهة النظر القانونية والقضائية
أكد المستشار القانوني وائل عبيد من محاكم دبي أن عدداً متزايداً من قضايا التشهير عبر الإنترنت تُرفع بسبب تعليقات المستخدمين، وليس بسبب محتوى المنشورات الأصلية. وقال عبيد إن “الناس يعتقدون أنهم ببساطة يعبرون عن رأي. ولكن إذا تسبب التعليق في إهانة شخصية، أو ضرر معنوي، أو تشويه سمعة، حتى بشكل غير مباشر، فإنه يصبح مسألة جنائية”.
وأضاف المستشار القانوني أن “المحاكم تعتمد على الأدلة الرقمية، ومعظم المستخدمين يقللون من شأن مدى سهولة التعرف عليهم”. هذا التصريح يسلط الضوء على قدرة السلطات على تتبع المحتوى الرقمي ومحاسبة المخالفين بفعالية.
موقف الحكومة وتوجيهات المكتب الوطني للإعلام
شدد المكتب الوطني للإعلام في بيان رسمي على أهمية التزام جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الدولة بالقيم والمبادئ التي تعكس سياسات الدولة ونهجها القائم على الاحترام والتسامح والتعايش. وأكد المكتب على ضرورة مراعاة الضوابط الأخلاقية والقانونية عند استخدام المنصات الرقمية، وضرورة الامتناع عن نشر أي محتوى قد يتضمن إساءة أو انتقاصاً من الثوابت والرموز الوطنية، أو الشخصيات العامة، أو الدول الشقيقة والصديقة ومجتمعاتها.
وحذر المكتب من أن نشر معلومات مضللة، أو خطاب يحض على الكراهية، أو التشهير بالآخرين، سواء بصريح العبارة أو بالتلميح أو بالإشارة أو ضمنياً، يعد من المخالفات التي ستواجه بعقوبات قانونية صارمة.
القيادة الحكيمة والمسؤولية الجماعية
استند البيان الحكومي إلى توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، الذي أشار إلى أن المواطنين سفراء لدولة الإمارات، وأن عليهم ترسيخ سمعتها الطيبة، وإعطاء صورة إيجابية عن الدولة بعلمهم وتربيتهم الحسنة وحسهم وانتمائهم الوطني. حيث قال سمو الرئيس: “كل أمر تفعله إيجاباً أو سلباً، يعكس هويتك الإماراتية؛ لذا كلنا مسؤولون لخلق سمعة طيبة لهذا البلد؛ لأنكم كلكم راعٍ؛ وكلكم راعٍ للحفاظ على تلك السمعة”.
الممارسات الآمنة والتوصيات الرسمية
حثت السلطات في جميع أنحاء الإمارات المستخدمين على التفكير مرتين قبل التعليق على أي شكل من أشكال المحتوى. وأكدت أنه سواء كان الرد على مقطع فيديو، أو نص، أو صورة، أو بث مباشر، فإن كل رد يترك بصمة رقمية، والمستخدمون مسؤولون قانونياً عما ينشرونه.
ونصحت السلطات بأنه “إذا كنت لا توافق، فتجاوز المنشور أو أبلغ عنه عبر القنوات الصحيحة. لكن لا ترد أبداً بإساءة. الاحترام عبر الإنترنت ليس خياراً؛ إنه القانون”. كما دعا المكتب الوطني للإعلام الأفراد إلى الإبلاغ عن أي محتوى مخالف أو مسيء عبر القنوات الرسمية المعتمدة.
السياق الأوسع والتطورات التشريعية الحديثة
يأتي هذا التحذير في سياق التطورات التشريعية الحديثة في الإمارات، حيث أطلق مجلس الإمارات للإعلام “تصريح معلن” للأفراد الذين ينشرون محتوى ترويجي على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كان المحتوى مدفوع الأجر أم لا. هذه التطورات تعكس التزام الدولة بتنظيم البيئة الرقمية وضمان استخدامها المسؤول.
رقابة مستمرة وتعاون بين الجهات
أشار المكتب الوطني للإعلام إلى استمرار التنسيق مع الجهات المختصة لرصد أي مخالفات عبر منصات التواصل الاجتماعي، واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها. هذا النهج الاستباقي يهدف إلى الحفاظ على بيئة إعلامية رقمية تتسم بالمسؤولية والمصداقية.
إن هذا التحذير الصارم من السلطات الإماراتية يؤكد على جدية الدولة في حماية كرامة الأفراد والحفاظ على الانسجام الاجتماعي في البيئة الرقمية. مع استمرار تطور وسائل التواصل الاجتماعي، تواصل الإمارات تطوير أطرها التشريعية والرقابية لضمان الاستخدام المسؤول لهذه المنصات، مما يعزز من مكانتها كنموذج في التوازن بين الحرية الرقمية والمسؤولية المجتمعية.