حقق فريق دولي من العلماء في السويد والولايات المتحدة الأمريكية إنجازاً طبياً غير مسبوق في علاج مرض السكري من النوع الأول، بنجاحهم في مساعدة مريض على إنتاج الأنسولين بشكل طبيعي بعد خضوعه لأول عملية زرع خلايا بنكرياسية معدلة وراثياً في التاريخ الطبي.
التجربة الرائدة والمريض المشارك
خضع رجل يبلغ من العمر 42 عاماً مصاب بالسكري من النوع الأول منذ سن الخامسة لعملية زراعة خلايا جزرية معدلة وراثياً من متبرع سليم في جامعة أوبسالا السويدية في ديسمبر 2024.
تم حقن الخلايا في عضلة الساعد الأيسر للمريض من خلال 17 حقنة عضلية منفصلة، دون الحاجة إلى أي أدوية مثبطة للمناعة، وهو الإنجاز الأكثر أهمية في هذه التجربة.
التقنية الثورية المستخدمة
استخدم الفريق البحثي تقنية كريسبر-كاس12بي (CRISPR-Cas12b) لإجراء ثلاث تعديلات جينية حاسمة على الخلايا الجزرية قبل زراعتها:
التعديلان الأولان: قللا من التعبير عن مستضدات HLA من الفئة الأولى والثانية التي تستخدمها الخلايا التائية للتعرف على الأجسام الغريبة ومهاجمتها.
التعديل الثالث: عزز إنتاج بروتين CD47 الذي يعمل كدرع واقي للخلايا ضد هجمات الجهاز المناعي الفطري والخلايا القاتلة الطبيعية والبلعميات.
النتائج المذهلة والآثار العلاجية
بعد 12 أسبوعاً من المتابعة، أظهرت النتائج المنشورة في مجلة “نيو إنغلاند الطبية” المرموقة في 4 أغسطس 2025 نجاحاً باهراً:
إنتاج الأنسولين: بدأت الخلايا المعدلة في إفراز الأنسولين استجابة لارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم، خاصة بعد الوجبات، تماماً كما تفعل الخلايا الطبيعية.
عدم الرفض المناعي: لم تثير الخلايا المعدلة أي استجابة مناعية أو إنتاج أجسام مضادة، بعكس الخلايا غير المعدلة التي دُمرت خلال أسابيع قليلة.
تحسن مستوى السكر: انخفض الهيموجلوبين السكري للمريض بنسبة 42% خلال فترة المتابعة، من 11% إلى مستويات أفضل بكثير.
الإشراف العلمي والقيادة البحثية
قاد هذا البحث الرائد البروفيسور بر-أولا كارلسون من قسم علم الأحياء الخلوي الطبي في جامعة أوبسالا السويدية ومستشفى أوبسالا الجامعي.
صرح كارلسون للمجلات العلمية قائلاً: “لم أشعر بهذا الحماس في حياتي كلها، أعمل في هذا العلم منذ التسعينيات، وهذا هو المشروع الوحيد الذي كان إيجابياً ومقنعاً لهذه الدرجة”.
شراكة تكنولوجية مع شركة سانا بيوتكنولوجي
تم تطوير تقنية الخلايا منخفضة المناعة (HIP) بالشراكة مع شركة سانا بيوتكنولوجي الأمريكية، والتي عملت مع الفريق السويدي على تطوير هذه التقنية المبتكرة.
أعلنت الشركة في اجتماع مع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عن خططها لتطوير علاج SC451 باستخدام خلايا جذعية معدلة بنفس التقنية، وتتوقع تقديم طلب دواء تجريبي في وقت مبكر من 2026.
مقارنة بالطرق التقليدية والتحديات
تقليدياً، تتطلب عمليات زراعة الخلايا الجزرية للمرضى استخدام أدوية مثبطة للمناعة مدى الحياة، والتي تتسبب في آثار جانبية خطيرة مثل زيادة التعرض للعدوى والسرطان.
أوضح خبير زراعة الجزر الرائد الدكتور جيمس شابيرو من جامعة ألبرتا الكندية أن “هذا تطور مثير حقاً، فالخلايا الجزرية المنتجة للأنسولين استمرت في الإفراز دون قمع مناعي، والبحث المستمر سيحدد ما إذا كان يمكن توسيع نطاق هذا النهج بفعالية”.
التجارب السابقة على الحيوانات
قبل التطبيق على البشر، أظهرت هذه التقنية نتائج واعدة في اختبارات أُجريت على القرود والفئران، حيث نجحت في تحقيق بقاء الخلايا على المدى الطويل وإنتاج الأنسولين المستمر.
كما أثبتت الدراسات على الحيوانات أن الخلايا المعدلة تقاوم الهجمات المناعية بينما تُدمر الخلايا غير المعدلة بسرعة.
النتائج على المدى الطويل والمتابعة
أظهرت بيانات متابعة لمدة 6 أشهر قُدمت في المؤتمر العلمي الـ85 لجمعية السكري الأمريكية في يونيو 2025 أن الخلايا المعدلة تستمر في البقاء والعمل وإنتاج الأنسولين.
استخدم الباحثون تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي للتأكد من بقاء الخلايا حية ونشطة في موقع الزراعة بعضلة الساعد.
التطبيقات المستقبلية والآمال
يؤكد الباحثون أن هذا النجاح لا يقتصر على مرضى السكري فقط، بل قد يُطبق على أنواع أخرى من زراعة الخلايا والأعضاء، مما يقلل الحاجة لمثبطات المناعة في مجالات طبية متعددة.
صرح الدكتور مارك أتكينسون من جامعة فلوريدا قائلاً: “أنا متحمس جداً لهذه الدراسة، أعتقد أن هذه خطوة صغيرة، لكن لديها إمكانية للتطور إلى قفزة كاملة، الوقت وحده كفيل بإظهار ذلك”.
حالة المريض الحالية والسلامة
يستمر المريض في حالة صحية جيدة وتحت المتابعة الطبية المستمرة. لم تُسجل أي آثار جانبية خطيرة مرتبطة بالخلايا المزروعة، عدا بعض التأثيرات البسيطة المحتملة المرتبطة بالإجراء الجراحي نفسه.
الخطوات القادمة والتجارب الموسعة
يخطط الفريق البحثي لإجراء تجارب على عدد أكبر من المرضى ولفترات متابعة أطول للتأكد من استمرار الفعالية والأمان.
كما يعمل الباحثون على تطوير خلايا جذعية معدلة بنفس التقنية يمكن إنتاجها بكميات كبيرة، مما يوفر مصدراً لا محدوداً للعلاج.
يُمثل هذا الإنجاز نقطة تحول تاريخية في علاج السكري من النوع الأول، ويفتح الباب أمام مستقبل يمكن فيه شفاء المرضى نهائياً دون الحاجة لحقن الأنسولين اليومية أو الأدوية المثبطة للمناعة.