وسط الضجيج المتزايد حول البوتوكس، ما بين من يروّج لنهايته ومن يتمسك بفعاليته، تبرز الحاجة لسماع صوت أصحاب التجربة والخبرة ممن يتعاملون يوميًا مع مئات الحالات في عياداتهم. فالأطباء وحدهم قادرون على كشف ما يحدث فعلًا خلف الكواليس، وما إذا كانت النظرة للبوتوكس قد تغيّرت فعلاً، أم أن كل ما نراه ليس إلا موجة مؤقتة من الجدل.
في هذا السياق، التقينا اثنين من أبرز الأسماء في مجال التجميل والطب التجديدي، لكل منهما رؤيته الخاصة وتجربته العملية الطويلة. من دبي، تشاركنا منى مرزا، مؤسسة عيادة Biolite والرائدة في مجال العلاجات التجميلية المتكاملة، وجهة نظر تميل نحو الجمال الواعي والعلاجات البديلة، دون أن تنفي مكانة البوتوكس كأداة فعالة ضمن منظومة أشمل.
كما يشاركنا الدكتور أحمد ريحان، أخصائي الأمراض الجلدية وطبيب التجميل المعروف، رأيه حيث يرى أن البوتوكس لا يزال يحتفظ بمكانته القوية متى ما استُخدم بوعي ومهنية.
البوتوكس بين الجمال الواعي والثقافة الجديدة من قلب دبي، حيث تُعيد العيادات المرموقة صياغة مفهوم الجمال الحديث، ترى منى مرزا، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لعيادة Biolite المتخصصة في الطب التجميلي التجديدي، أن ما يواجه البوتوكس اليوم ليس رفضًا له بحد ذاته، بل هو انعكاس لتحول ثقافي أوسع نحو الجمال الواعي، وطلب متزايد على حلول شاملة تحترم الجسم وتدعمه من الداخل إلى الخارج.
لماذا هذا التحول المفاجئ؟ توضح مرزا أن بعض أطباء الجلد وخبراء العافية لا يهاجمون البوتوكس كونه خطيرًا، بل لأن استخدامه في كثير من الأحيان يكون خارج السياق الصحيح، أو يُوصف كحل وحيد بدل أن يكون جزءًا من خطة تجميلية متكاملة. برأيها، بدأت الثقافة العامة تميل أكثر نحو التوازن بين الشكل والوظيفة، بين الحيوية الظاهرة والصحة المستدامة، ما دفع البعض إلى إعادة النظر في “الحقن السريعة” التي قد تُجمِّل المظهر لكنها لا تدعم العمق.
هل البوتوكس خطر فعلاً؟ أم فقط يُساء فهمه؟ تؤمن منى مرزا أن البوتوكس آمن تمامًا عندما يُستخدم بالجرعة المناسبة ولأهداف واضحة. مشكلته، كما تصفها، هي في سوء الفهم أكثر من كونه إجراءً مضرًا. فالاستخدام المفرط أو المبكر قد يُضعف تعابير الوجه الطبيعية، أو يؤثر على قوة العضلات على المدى الطويل. وفي عيادات Biolite، يُنظر إلى البوتوكس كأداة واحدة فقط ضمن صندوق أدوات أكبر يشمل الطب التجديدي وتحسين صحة البشرة من الداخل. فالهدف، كما تقول، “ليس أن نمحو الزمن، بل أن نتقدم في العمر بوعي وأناقة.”
البدائل الحديثة: من الخلايا الجذعية إلى العلاج بالأوكسجين تشهد العيادة طلبًا متزايدًا على العلاجات المتقدمة التي تدعم البشرة من الداخل، مثل الخلايا الجذعية، حقن الدهون الدقيقة، الإكسوزومات، والعلاج بالبلازما الغنية بالصفائح. كما يُستخدم المايكرونيدلينغ بالتردد الراديوي، وتقنيات الليزر غير التوغلية مثل Sofwave وFrax Pro، إلى جانب برامج التغذية الوريدية، ومكملات الهرمونات، وتحاليل الحمض النووي. تقول مرزا: “البشرة لم تعد تُعامل كقشرة جمالية فقط، بل كمرآة صحية تعكس حالة الجسم كله.”
قبل أن تتخذي قرارك تنصح مرزا، النساء والرجال على حد سواء بالبدء من نية واضحة: هل الهدف هو تغيير مظهري أم إحساسي بنفسي؟ هل أبحث عن نتيجة فورية أم تحوّل مستدام؟ الاستشارة الجيدة، من وجهة نظرها، يجب أن تشمل نمط الحياة، العمر البيولوجي، الصحة العاطفية، وسلوك البشرة على المدى الطويل. كما تشجع على طرح أسئلة مثل: “ما هي البدائل؟ ماذا لو توقفت لاحقًا؟” والقرار، كما تقول، يجب أن يُبنى على وعي لا على خوف
مستقبل التجميل: بين الذكاء البيولوجي والتوازن الداخلي
تتوقع منى مرزا أن مستقبل العلاجات التجميلية سيقوم على توازن ذكي بين أحدث الابتكارات العلمية ونهج العافية الشاملة. فالعالم يشهد تحوّلًا في المفهوم؛ حيث لم تعد العلاجات تهدف إلى “محاربة” علامات التقدم في العمر، بل إلى التعايش معها بشكل صحي ومتناسق.
وتوضح أن هذا التغيير تقوده فكرة دمج تقنيات الطب التجديدي مع التجميل، من خلال برامج مخصصة تعتمد على تحاليل المؤشرات الحيوية والاختبارات الجينية، لتقديم بروتوكولات مصمّمة لكل فرد بحسب احتياجاته الخاصة.
وتختم بقولها: “العودة إلى الطبيعة لا تعني الامتناع عن فعل شيء، بل تعني اختيار الخطوات الصحيحة، بالترتيب الصحيح، وبطريقة تتوافق مع جسمك. فالتجميل الحقيقي لا ينعكس فقط على ملامحنا، بل على إحساسنا بأنفسنا من الداخل.”
دكتور أحمد ريحان.. البوتوكس تحت المجهر
يؤكد الدكتور أحمد ريحان أن البوتوكس لا يزال من أكثر الإجراءات التجميلية أمانًا وفعالية، عندما يُستخدم بالطريقة الصحيحة وعلى يد مختصين. فالبوتوكس ليس مجرد صيحة عابرة، بل له تاريخ طويل من الاستخدامات التجميلية والطبية، تراكمت خلاله خبرات كبيرة لدى الأطباء المتخصصين الذين تعاملوا مع آلاف الحالات.
إلا أنه يصر على أن هناك حالات طبية معينة يُمنع فيها استخدام البوتوكس بشكل قاطع، مثل فترة الحمل والرضاعة، وبعض الأمراض العصبية أو الاضطرابات التي تصيب العضلات والأعصاب. فالتعامل مع هذه المادة الدقيقة يتطلب تقييمًا دقيقًا لحالة كل مريض، وليس قرارًا عابرًا يُتخذ لمجرد الرغبة في تحسين المظهر.
المادة الفعّالة: ليست كل المنتجات آمنة
يُشدد الدكتور ريحان على أن جودة المادة المستخدمة هي العنصر الأهم في أمان وفعالية الإجراء. فليس كل ما يُباع تحت اسم “بوتوكس” يمكن الوثوق به، إذ من الضروري استخدام منتجات أصلية، مرخّصة، ومعروفة المصدر. كما أن عملية تخفيف المادة، وهي خطوة دقيقة، تُجرى داخل معامل متخصصة، بهدف تحقيق التركيز المناسب الذي يضمن أفضل نتيجة بأقل مضاعفات ممكنة.
الحقن ليس مجرد إبرة: الدقة تصنع الفارق
يرى د. ريحان أن نجاح البوتوكس لا يقتصر فقط على المادة، بل يعتمد على مهارة الطبيب ودقة استهداف العضلات. إذ يتم الحقن في نقاط محددة جدًا داخل الوجه، مما يجعل احتمالية تأثر مناطق أخرى أو ظهور مضاعفات أمرًا نادرًا للغاية، طالما تم الحقن بشكل علمي ومدروس.
شائعات السموم: ما الحقيقة؟
بالنسبة للمخاوف التي يرددها البعض حول التسمم أو ما يُعرف بـ”البوتيوليزم”، يشير الدكتور ريحان إلى أن هذه المخاوف غالبًا ما تكون مبالغًا فيها. فصحيح أن مادة البوتوكس تُستخلص من نوع من البكتيريا، لكنها تُستخدم بتركيزات ضئيلة للغاية وتحت إشراف طبي صارم، وهو ما يجعلها آمنة في معظم الحالات. وحتى اليوم، لا توجد أدلة طبية موثوقة تشير إلى أن هذه الكميات قد تُسبب تسممًا خطيرًا عند استخدامها بالشكل الصحيح.
أما فيما يتعلق بالجدل حول تأثير البوتوكس على المشاعر أو النشاط العصبي، فيوضح الدكتور أن هناك بعض الدراسات الأولية التي أظهرت تغيّرات طفيفة في نشاط الدماغ عبر فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، إلا أن هذه النتائج ما زالت غير مكتملة وتحتاج إلى المزيد من الأبحاث واسعة النطاق قبل التوصل إلى أي استنتاج نهائي
هل هناك بديل حقيقي للبوتوكس؟
يؤكد د. ريحان أنه حتى الآن، لا يوجد بديل فعلي يمكنه أن يعادل تأثير البوتوكس في تقليل التجاعيد الناتجة عن حركة العضلات، مثل التكشير أو رفع الحواجب. فالكريمات التي تحتوي على مادة التريتينوين أو أجهزة التجميل الحديثة التي تستخدم أشعة الليزر أو الموجات الكهرومغناطيسية يمكن أن تحسّن من ملمس البشرة وشكلها، لكنها لا تُعطي نفس النتيجة الدقيقة للبوتوكس. وغالبًا ما تُستخدم كمكمّلات وليس كبدائل.
هل سينتهي عصر البوتوكس؟
يختم الدكتور أحمد ريحان حديثه بقوله إنه لا يعتقد أن الناس سيتوقفون عن استخدام البوتوكس، لأنه ببساطة العلاج التجميلي الأول على مستوى العالم. والنتائج التي يراها الناس تثبت فاعليته، لكن يظل العامل الأهم هو اختيار المنتج المناسب، والطبيب المؤهل.