قتل خمسة صحفيين من شبكة الجزيرة الإعلامية مساء الأحد 10 أغسطس 2025، في قصف إسرائيلي مباشر استهدف خيمة الصحفيين قرب البوابة الرئيسية لمستشفى الشفاء في مدينة غزة. كان من بين الضحايا المراسل أنس الشريف (28 سنة) والمراسل محمد قريقع، بالإضافة إلى المصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل ومؤمن عليوة.
أكد مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية أن الاستهداف الإسرائيلي أسفر عن استشهاد سبعة أشخاص إجمالاً في الهجوم على خيمة الصحفيين. وأشار مراسل الجزيرة هاني الشاعر إلى أن مسيّرة إسرائيلية استهدفت الخيمة الملاصقة للمستشفى بشكل مباشر.
الاعتراف الإسرائيلي بالاستهداف المتعمد
في تطور مفصلي، اعترف الجيش الإسرائيلي رسمياً باستهدافه المتعمد للصحفي أنس الشريف، حيث نشر بياناً عقب الغارة مباشرة وصف فيه الشريف بأنه “إرهابي تنكر بزي صحفي في قناة الجزيرة”. ادعت قوات الاحتلال أن الشريف “كان يرأس خلية إرهابية في تنظيم حماس وكان مسؤولاً عن تطوير هجمات صاروخية ضد المدنيين الإسرائيليين وقوات الجيش الإسرائيلي”.
زعمت إسرائيل امتلاك “وثائق ومعلومات استخباراتية من غزة تثبت انتماءه إلى حماس”، بما في ذلك “كشوف أسماء وقوائم تدريب إرهابية وسجلات رواتب”. إلا أن هذه الادعاءات رُفضت بشدة من قبل شبكة الجزيرة ومنظمات حقوق الإنسان.
الرسالة الأخيرة: وصية أنس الشريف
نُشرت رسالة أنس الشريف الأخيرة عبر حسابه على منصة إكس عقب استشهاده مباشرة، والتي كان قد كتبها في السادس من أبريل 2025. تبدأ الرسالة بالعبارة المؤثرة: “هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة. إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي”.
في وصيته، كتب الشريف: “يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين”. أضاف: “عشت الألم بكل تفاصيله وذقت الوجع والفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف”.
أوصى الشريف في رسالته قائلاً: “أوصيكم ألا تسكتكم القيود ولا تقعدكم الحدود، وكونوا جسوراً نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمس الكرامة والحرية على بلادنا السليبة”. كما استودع العالم عائلته، خاصة ابنته شام وابنه صلاح ووالدته وزوجته بيان.
رد فعل شبكة الجزيرة والمجتمع الدولي
أصدرت شبكة الجزيرة الإعلامية بياناً قوياً تدين فيه “الاغتيال المدبر” لصحفييها، واصفة الهجوم بأنه “هجوم جديد سافر ومتعمد على حرية الصحافة”. اعتبرت الشبكة أن “إصدار الأمر بقتل أنس الشريف أحد أشجع صحفيي غزة وزملائه يمثل محاولة يائسة لإسكات الأصوات استباقاً لتنفيذ مخطط احتلال غزة”.
من جهتها، عبرت لجنة حماية الصحفيين عن استنكارها الشديد، حيث قالت المديرة الإقليمية سارة قداح: “نمط إسرائيل في وسم الصحفيين كمسلحين دون تقديم أدلة موثوقة يثير تساؤلات جدية حول نواياها واحترامها لحرية الصحافة”. كانت اللجنة قد حذرت في يوليو من خطر تعرض الشريف لحملة تشهير إسرائيلية قد تسبق اغتياله.
السياق الأوسع: استهداف منهجي للإعلاميين
وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قُتل ما يقرب من 230 صحفياً فلسطينياً في غارات إسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023. تشير لجنة حماية الصحفيين إلى مقتل 186 صحفياً منذ بداية الحرب، منهم 178 فلسطينياً قتلوا على يد القوات الإسرائيلية.
كان الشريف من أبرز وجوه تغطية الأحداث في شمال قطاع غزة، حيث واصل عمله رغم التهديدات المتكررة. في نوفمبر 2023، تلقى اتصالات هاتفية من القوات الإسرائيلية تحذره من البقاء في شمال غزة، لكنه رفض المغادرة قائلاً: “رغم التهديدات، لن أترك الميدان. سأواصل التقرير من شمال غزة”.
خاتمة: صوت الحقيقة يواجه الصمت العالمي
تُسلط قضية استهداف الصحفيين في غزة الضوء على التحديات الهائلة التي يواجهها الإعلاميون في مناطق النزاع، خاصة عندما يكون استهدافهم متعمداً ومُعترفاً به رسمياً. تبقى رسالة أنس الشريف الأخيرة شاهداً على التزام الصحفيين الفلسطينيين بنقل الحقيقة رغم المخاطر الجسيمة التي يتعرضون لها.
وفقاً لشبكة الجزيرة، كان “أنس الشريف وزملاؤه من آخر الأصوات الباقية من داخل غزة ينقلون للعالم تغطية مباشرة وميدانية عن الواقع المأساوي الذي يعيشه أهل القطاع”. بينما تمنع إسرائيل وصول الإعلام الدولي إلى غزة، ظل الصحفيون المحليون يعملون تحت ظروف استثنائية، معرضين حياتهم للخطر من أجل إيصال الحقيقة إلى العالم.