أثار مسلسل ورد وشوكولاتة عاصفة درامية حقيقية في مصر لا تقل عنفاً عن أحداثه الدرامية. المشهد الذي أشعل الأزمة لم يكن مختلفاً عن آلاف المشاهد الدرامية الأخرى — امرأة تُقتل على يد رجل داخل مزرعة بمساعدة صديق — لكن الجمهور لم يأخذه كمجرد سيناريو خيالي، بل ربطه فوراً بقضية حقيقية هزت البلاد: مقتل الإعلامية شيماء جمال سنة 2022 على يد زوجها المستشار أيمن حجاج (قاضٍ بمجلس الدولة).
ولأن الجمهور عرف الحقيقة، عرفت نقابة المحامين أيضاً. المشكلة ليست في أن الفن استوحى من الواقع — فهذا حق من حقوقه الأساسية — بل في أن صُنّاع المسلسل قاموا بتعديل جوهري واحد: غيّروا مهنة الجاني من قاضٍ إلى محامٍ.
قدّم المحامي محمود تفاحة (عضو مجلس نقابة المحامين) شكوى حادة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، واصفاً ما فعله صُنّاع المسلسل بأنه ليس “معالجة فنية”، بل “تحريف متعمد للحقائق” و”تزييف للواقع بمعناه القانوني الدقيق”. وفقاً لتفاحة، فإن الحكم الصادر في القضية رقم 10229 لسنة 2022 يثبت بصورة قاطعة أن الجاني قاضٍ وليس محامياً. التهمة واضحة: أن صُنّاع العمل تجنّبوا الإشارة المباشرة إلى القضاء — وبالتالي تجنّبوا غضبه — لكنهم ألقوا بالتهمة على المحاماة بدلاً منها.
يرى تفاحة أن هذا ليس مجرد جدال فني، بل عملية “إساءة متعمدة” لمهنة المحاماة، وأن المسلسل يضلّل الرأي العام ويضر بمركز قانوني محمى بالدستور. وطالب برفع الأمر للتحقيق الفوري ووقف العرض.

الجانب الآخر: الفن لا يُلتزم بالدقة التوثيقية
رد المخرج محمد العدل بهدوء: “المسلسل مستوحى من أحداث حقيقية، لكنه ليس له علاقة بقضية معينة. فيه أحداث أكثر من قصة حقيقية واحدة”. كان ردّاً معقولاً، لكنه لم يُسكت الجدل.
الناقد طارق الشناوى أضاف وجهة نظر تاريخية: “اعتدنا في السنوات الأخيرة أن هناك محامين يحولون الأحداث الدرامية إلى قصص واقعية، ثم ينزعجون ويقدمون بلاغات. جزء منهم يفعل هذا بدافع حب الشهرة”. وعلّق الناقد قائلاً إن هذه “زوبعة وتختفي سريعاً”، مؤكداً أن لا مهنة خالية من العيوب في الأعمال الدرامية — فأحياناً نرى محامين وقضاة بصور سلبية، لكنها فنون مؤقتة لا تغيّر الصورة الحقيقية.

الإطار القانوني: هل هناك حرية مطلقة؟
حسب الدستور المصري (المادة 67)، فإن “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة”، ولا يجوز وقف أو مصادرة الأعمال الفنية إلا عن طريق النيابة العامة. الاستثناءات قليلة جداً: التحريض على العنف، التمييز بين المواطنين، أو الطعن في أعراض الأفراد. فقط في هذه الحالات الثلاث يمكن توقيع عقوبات.
لكن هذا لا يعني حرية مطلقة. الدستور نفسه يتحدث عن “ضوابط”، وهناك جهاز رقابة على المصنفات الفنية يُجيز أو يرفض الأعمال قبل عرضها. المشكلة أن هذه الرقابة تعتمد على معايير غامضة وفضفاضة تترك مجالاً واسعاً للتفسير الشخصي والتعسفي.
قصة تاريخية توضح الأمر: في 1982 والت الرقابة فيلم “خمسة باب”، لكنها سحبت ترخيصه بعد أشهر لأن الجمهور اعترض. قالت الرقابة إن الفيلم “يشوّه تاريخ مصر ويسيء لسمعتها”. المحكمة أيدت القرار، وقالت إن حق الإبداع ليس متروكاً “للفرد إلا في الحدود والضوابط التي تضعها الدولة مستلهمة نبض الجماهير”.




