يصل معرض “حكاية مدينتين” (Tale of Two Cities) التابع لمؤسسة “آرت ديجيبت” إلى مدينة الإسكندرية في أول سبتمبر، بعد عرضه الناجح في متحف MA*GA في جالاراتي بإيطاليا تحت عنوان “الجغرافيا والغموض” (Geography & Mystery). يستمر المعرض في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية حتى 20 سبتمبر، ويفتح أبوابه يومياً من التاسعة صباحاً حتى الرابعة عصراً.
يُعتبر هذا المعرض الطبعة الثانية من مبادرة “حكاية مدينتين”، وهو مشروع حواري ثقافي عابر للقارات يهدف إلى استكشاف الروابط الثقافية والتاريخية بين مدينتي الإسكندرية وميلانو. تستند المبادرة إلى فكرة إعادة ربط مختلف مدن البحر الأبيض المتوسط بالإسكندرية من خلال الفن والتاريخ والحوار الإنساني.
الأعمال الفنية والقيمين على المعرض
يعرض المعرض أعمال الفنان الإيطالي ستيفانو كاجول والمصورة الفوتوغرافية مارينا بالو شارميه، تحت إشراف القيم الفني أليساندرو كاستيليوني. يُنظم المعرض بالتعاون مع المعهد الثقافي الإيطالي في القاهرة، وبدعم من المديرية العامة للإبداع المعاصر في وزارة الثقافة الإيطالية، إلى جانب القنصلية الفخرية لإيطاليا في الإسكندرية.
أليساندرو كاستيليوني، القيم الأول ونائب مدير متحف MA*GA في جالاراتي، يدرس اللغات متعددة الوسائط في معهد مارانجوني في ميلانو. تركز أبحاثه المخصصة للعلاقة بين الجغرافيا والتصوير على تنظيم معارض ومشاريع بحثية في مؤسسات مثل بينالي الشباب الأوروبيين والمتوسطيين، حيث أدار البينالي المتوسطي التاسع عشر وبرنامج البحث “واحة طبيعية؟”.
الفلسفة الفنية وراء المعرض
يوضح القيم الفني أليساندرو كاستيليوني فلسفة المعرض قائلاً: “خاصية مميزة في أعمال بالو وكاجول هي قدرتهما على استقصاء الأماكن وتاريخها وهويتها وطبيعتها. هذا المشروع، المصمم للمساحة العرضية الكبيرة في الطابق الأخير من المتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية، ينطلق من هذا الاعتبار”.
يضيف كاستيليوني: “لا نتحدث عن جغرافيا وضعية وحاسمة، بل عن مشروع يتجاوز حدود القدرة على المعرفة وعدم المعرفة. الدهشة أمام التاريخ والطبيعة والمرئي وغير المرئي. من هنا جاء العنوان الجغرافيا والغموض”. يسعى المعرض إلى تقديم التصوير الفوتوغرافي كوسيط يربط عبر الزمن ويتداخل مع الأسئلة التاريخية والديناميكيات البيئية والمناخية.
السياق التاريخي للمتحف اليوناني الروماني
يُقام المعرض في المتحف اليوناني الروماني، المؤسسة المتحفية الكبيرة التي تأسست عام 1891 بفضل عالم المصريات الإيطالي جوزيبي بوتي. المتحف مكرس بالكامل للحوار المتوسطي وتحديد دور الإسكندرية كملتقى طرق حاسم للعالمين اليوناني والروماني، وصولاً إلى ظهور المسيحية القبطية.
ينطلق المعرض من هذه الخصوصية التاريخية، حيث يصبح التصوير الفوتوغرافي جسراً يعبر الزمن ويربط القضايا التاريخية بالديناميكيات البيئية والمناخية. يستكشف الفنانان من خلال أعمالهما الجغرافيا الفيزيائية وآثار الماضي والاكتشافات الأثرية التي تربط تاريخ ومستقبل البحر الأبيض المتوسط.
الفنانان المشاركان وأعمالهما
ستيفانو كاجول
يُعرف ستيفانو كاجول كفنان وباحث وقيم فني، تتميز أعماله بالتحقيقات طويلة المدى التي تساهم فيها السفر والممارسات الأدائية ولغات التصوير والفيديو في السرديات الجيوسياسية للأماكن والتجارب. استكشف عبر مسيرته الفنية الحركة والسياسة ومعنى الجغرافيا الفيزيائية والسياسية، معالجاً قضايا مثل الحدود والطاقة والمياه والعلاقة الأوسع بين الطبيعة والثقافة.
شارك في عدة بينالي فينيسيا: في 2022 و2011، وفي 2013 كجزء من جناح جزر المالديف الوطني. معارضه الفردية تشمل عروضاً في مؤسسات مثل MA*GA جالاراتي، ZKM كارلسروه، MAC ليسوني، والمعرض المدني في ترينتو – مارت.
مارينا بالو شارميه
تُعتبر مارينا بالو شارميه من أبرز المصورات الفوتوغرافيات الإيطاليات المعاصرات، وتتخصص في استكشاف العلاقة بين المكان والذاكرة والهوية من خلال عدستها. تركز أعمالها على التقاط الجوانب غير المرئية للمناظر الطبيعية والحضرية، مع التأكيد على الطبقات التاريخية والثقافية المختلفة التي تشكل هوية المكان.
الطبعة الأولى والنجاح السابق
نُظمت الطبعة الأولى من “حكاية مدينتين” في عام 2024، واستضافتها كل من متحف الأكروبوليس في اليونان ومكتبة الإسكندرية في مصر. أكدت هذه الطبعة على دور الإسكندرية التاريخي كجسر ثقافي واحتفلت بالتبادل بين الأمتين.
شملت “الازدواجية التنظيمية” فنانين يونانيين مثل النحات كوستاس فاروتسوس والفنانة البصرية داناي ستراتو، إلى جانب نظرائهم المصريين، بما في ذلك الرسام الراحل محمود سعيد، والنحاتين السكندريين عمر طوسون وسعيد بدر، والمعماري الداخلي والمصور كريم الحياوان المولود في القاهرة.
مؤسسة “آرت ديجيبت” ورؤيتها الثقافية
تأسست “آرت ديجيبت” على يد القيمة الفنية الفرنسية المصرية نادين عبد الغفار، وهي منصة ثقافية متعددة التخصصات تدعم الفنون والتراث المصري. أصبحت لاعباً رئيسياً في المشهد الثقافي المصري، معروفة بمعرضها السنوي الرئيسي الذي يُقام في مواقع تاريخية لربط ماضي مصر بالفن المعاصر.
تشمل المعارض البارزة للمؤسسة “الضوء الأبدي” (2017)، و”لا شيء يختفي، كل شيء يتحول” (2018)، و”السرديات المعاد تخيلها” (2019)، و”للأبد هو الآن” (2021-2024)، مع تحديد الطبعة الخامسة لعام 2025. منذ 2019، توسعت “آرت ديجيبت” دولياً، حيث تعرض الفنانين المصريين في معارض الفن العالمية وتنظم معارض في الخارج وتطلق بودكاست وسلسلة محاضرات.
الدور الثقافي للمعرض في الحوار المتوسطي
يسعى معرض “الجغرافيا والغموض” إلى تعزيز الحوار الثقافي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، مستفيداً من الموقع الاستراتيجي للإسكندرية كنقطة التقاء حضارات متعددة عبر التاريخ. يضع المعرض الفنانين الإيطاليين في حوار مع التراث الإسكندري الغني، مما يخلق مساحة للتأمل في التاريخ المشترك والمستقبل المشترك للمنطقة.
تدعم المبادرة رسالة المتحف اليوناني الروماني في تعزيز فهم الحضارات القديمة وتأثيرها على العالم المعاصر، مع التأكيد على استمرارية الحوار الثقافي عبر العصور. يمثل هذا المعرض نموذجاً للتعاون الثقافي الدولي الذي يحتفي بالتنوع مع الاعتراف بالجذور المشتركة بين الشعوب المتوسطية