أسدل الستار يوم الأربعاء 26 أغسطس على قصة مأساوية هزت المجتمع المصري، عندما لفظت الشابة إسراء كرم، المعروفة إعلامياً بـ”عروس حلوان”، أنفاسها الأخيرة بعد غيبوبة استمرت 15 يوماً جراء حقنة تجميل أُجريت في مركز شهير بمحافظة الجيزة.
دخلت إسراء البالغة من العمر 26 عاماً إلى مركز “ب.ب” الشهير بشارع جزيرة العرب في منطقة العجوزة يوم 13 أغسطس الماضي، لإجراء حقن فيلر استعداداً لحفل زفافها المقرر في 3 سبتمبر المقبل. لكن ما كان يُفترض أن يكون خطوة أخيرة في التحضير لأسعد أيام حياتها، تحوّل إلى بداية مأساة انتهت بوفاتها.
لحظات كارثية داخل مركز التجميل
كشف شقيق الضحية عبدالله كرم تفاصيل صادمة عن اللحظات الأخيرة لإسراء داخل المركز، حيث قال إن الطبيب حقنها بمواد غير صالحة للاستخدام الآدمي ومنتهية الصلاحية في أماكن غير صحيحة من جسدها دون إجراء أي تحاليل أو فحوصات مسبقة.
وأضاف أن شقيقته سقطت على الأرض فور حقنها وتوقف قلبها لأكثر من خمس دقائق، مما تسبب في تضرر مناطق من الدماغ. الأخطر من ذلك أن القائمين على المركز تباطؤوا في نقلها إلى المستشفى لحوالي 20 دقيقة، حيث حاولوا إنعاشها داخل المركز خوفاً من المسائلة القانونية.
وبحسب التقرير الطبي، وُجدت آثار حقن في منطقتي الفخذين والبطن، مما يؤكد أن عملية الحقن تمت بطريقة عشوائية وفي أماكن غير مخصصة لهذا النوع من الإجراءات.
صراع بين الحياة والموت
نُقلت إسراء إلى المستشفى في حالة حرجة للغاية، حيث كانت قد توقفت جميع وظائف جسدها وعضلة القلب. خضعت لعملية إنعاش قلبي رئوي متقدم حتى استعادة النبض، لكنها دخلت في غيبوبة تامة ووُضعت على جهاز التنفس الصناعي.
تلقت الفتاة علاجاً مكثفاً شمل أدوية رافعة للضغط ومحسنة لكفاءة عضلة القلب ومضادات حيوية واسعة المدى وموسعات للشعب الهوائية وأدوية منشطة للمخ تحت إشراف استشاري المخ والأعصاب. ظلت في قسم العناية المركزة بمستشفى القصر العيني 15 ليلة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
مواد مغشوشة ومخالفات جسيمة
كشفت التحقيقات الأولية أن المواد المستخدمة في الحقن كانت مغشوشة وفاسدة، وأن المركز يفتقر لأبسط معايير الرعاية الطبية. وأشار أطباء متخصصون إلى أن هناك حقناً لتفتيح البشرة تحتوي على مادة “الجلوتاثيون” تُستخدم بطريقة غير قانونية في مراكز التجميل دون إجراء فحوصات مسبقة.
أوضحت الدكتورة هبة يوسف، أستاذ ورئيس قسم السموم بطب بورسعيد، أن هذه المادة تؤثر على وظائف الكبد والكلى وتعرض المرضى المصابين بأمراض القلب والضغط والسكر للإصابة بجلطات المخ والغيبوبة أو الشلل النصفي.
تهرب من المسؤولية وإخفاء الأدلة
عقب الحادث مباشرة، أغلق مركز التجميل أبوابه وأزال اللافتة الإعلانية الخاصة به وأخفى مقره، كما حذف صفحاته من مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة للتهرب من المسؤولية القانونية.
أفاد مصدر مطلع بوزارة الصحة أن مديرية الشؤون الصحية في الجيزة شنت حملة تفتيش مفاجئة لكنها لم تستدل على عنوان المركز بعد إخفائه. هذا التصرف اعتبرته أسرة الضحية دليلاً على وعي المسؤولين بجسامة الخطأ المرتكب.
تحقيقات النيابة والطب الشرعي
قدمت أسرة إسراء بلاغاً رسمياً في نيابة العجوزة برقم 6011 ضد الطبيب وإدارة المركز، متهمة إياهم بالإهمال والتسبب في الوفاة. استمعت النيابة العامة لأقوال شقيق الضحية وقررت إخلاء سبيل الطبيب المسؤول على ذمة التحقيقات.
قررت النيابة نقل جثمان إسراء إلى مشرحة زينهم لإخضاعه لفحص الطب الشرعي لتحديد السبب الدقيق للوفاة قبل التصريح بالدفن. كما شكلت لجنة متخصصة لفحص المواد المستخدمة في المركز والتأكد من مدى صلاحيتها وقانونيتها.
صدمة الأسرة والخطيب
تحولت استعدادات الزفاف في منزل عائلة كرم إلى مراسم عزاء، حيث استُبدلت الأغاني والفرح بالبكاء والنحيب. خطيب إسراء، الذي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، عاد فوراً إلى مصر فور علمه بتدهور حالتها، لكنه وصل ليجدها في غيبوبة تامة.
قالت صديقة إسراء “منة” في تصريحات صحفية: “إسراء دخلت المركز وهي مليانة فرحة، لكن الدكتور حقنها مواد مغشوشة في أماكن غلط بجسمها، من غير ما يعمل أي تحاليل أو يكشف عليها كويس”.
موجة غضب شعبية ومطالب بالإصلاح
أثارت الواقعة موجة غضب عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أطلق رواد المواقع هاشتاغ “حق إسراء كرم راجع” مطالبين بمحاسبة المسؤولين. عبّر آلاف المستخدمين عن تعاطفهم مع الأسرة ودعوا إلى تشديد الرقابة على مراكز التجميل غير المرخصة.
طالبت قطاعات واسعة من المواطنين بتدخل مباشر من وزارتي الصحة والداخلية لمتابعة التحقيقات وضمان محاسبة المتسببين. كما دعا أطباء ومتخصصون إلى وضع لوائح تنظيمية أكثر صرامة تحكم عمليات التجميل وضمان إجرائها من قبل مختصين معتمدين.
تكلفة باهظة لحلم الجمال
كشفت مصادر مقربة من الأسرة أن إسراء دفعت حوالي 100 ألف جنيه مقابل جلسة التجميل التي انتهت بحياتها. هذا المبلغ الضخم يعكس استغلال هذه المراكز للفتيات الراغبات في الظهور بأجمل صورة في مناسباتهن المهمة.
تأتي هذه الواقعة المأساوية في ظل تزايد الإقبال على خدمات التجميل في مصر، وسط غياب الرقابة الصارمة على هذا القطاع الذي يشهد انتشاراً واسعاً لمراكز غير مرخصة أو غير ملتزمة بالمعايير الطبية السليمة.
ستبقى قصة إسراء كرم رمزاً مؤلماً لضحايا الإهمال الطبي في مجال التجميل، ودافعاً قوياً للمطالبة بإصلاحات جذرية تحمي الفتيات من تكرار هذه المآسي في المستقبل.
