عندما نزلت من الطائرة في مطار الملك خالد الدولي في صباح دافئ من أيام يونيو، احتضنتني حرارة صيف الرياض كما يعانقك صديق قديم. لكنّ شيئاً ما كان مختلفاً هذه المرة. مترو الرياض، الذي افتُتح حديثاً، غيّر شكل التنقل في العاصمة السعودية بشكل غير مسبوق.
مترو الرياض في قلب المدينة
العاصمة السعودية التي لطالما عُرفت بازدحامها الخانق، تمرّ بتحوّل لافت. المترو الجديد أصبح جزءاً من مشهدها اليومي، حيث قال محمد، سائق التاكسي الذي اعتدت استخدامه: “لن تحتاج إليّ اليوم، الخط الأصفر سيأخذك مباشرةً إلى المدينة”.
مترو الرياض يربط المطار بالمدينة
يُعد مترو الرياض مشروعاً ضخماً بكلفة 22.5 مليار دولار، ويمتد الخط الأصفر لمسافة 29.6 كيلومتراً من المطار حتى مركز الملك عبدالله المالي، ماراً بمواقع حيوية. عند استخدامي للمترو، فوجئت بسهولة التجربة التي تبدأ من آلة التذاكر حتى الوصول بسلاسة إلى الوجهة.
تطبيق “درب” يوفر خيارات تذاكر متنوعة، أما الدفع باستخدام Apple Pay فقدم تجربة سلسة خالية من التعاملات الورقية أو النقدية، ما يعكس رؤية المملكة نحو التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية الذكية.

تصميم عالمي بروح محلية
القطارات الأنيقة، التي صممتها شركة ألستوم، تتميز بممرات واسعة، مقاعد مريحة، ونوافذ بانورامية. كما تنقسم إلى ثلاث درجات لتلبية احتياجات الركاب وفقاً للعادات الاجتماعية. إنه أطول نظام مترو آلي بدون سائق في العالم، يمتد 176 كيلومتراً ويضم 85 محطة عبر ستة خطوط.
تجربة حضرية متكاملة
بينما كنت على متن القطار، بدت الرياض كخريطة حية، ومشاهدها من النوافذ توضح التغيير العمراني. التصميم الداخلي المستوحى من الزخارف العربية التقليدية يضفي طابعاً دافئاً. أما المحطات فتم تصميمها بأيدٍ معمارية عالمية مثل زها حديد، في مزج بين العراقة والحداثة.
المترو مزوّد بتقنيات متقدمة مثل التكييفات المصممة خصيصاً للبيئة الصحراوية، وحواجز تمنع الرمال، ليقدم تجربة مريحة ومناسبة للمناخ المحلي.
تحولات في البنية الحضرية
مترو الرياض يسهم في تقليل الزحام المروري من خلال تقليص 250 ألف رحلة يومياً، وتوفير نحو 400 ألف لتر من الوقود، وخفض معدلات التلوث. إحصائيات النقل تشير إلى تغيير جذري في كيفية تنقل سكان العاصمة.
من البنية التحتية إلى التحوّل المجتمعي
جلوسي في مقهى بـ”رياض غاليري مول”، ورؤية الزوار الذين قدموا عبر المترو، جعلتني أدرك أن الأمر يتجاوز النقل. المترو هو أداة لتحول اقتصادي واجتماعي وثقافي، ينقل المملكة من الاعتماد على النفط إلى الاستثمار في الاستدامة والربط الحضري.

التحول المدني يبدأ من المحطة
عند زيارة محطة مركز الملك عبدالله المالي، بدا واضحاً أن المترو لم يقتصر على كونه وسيلة تنقل. فالمحطة التي صممتها زها حديد، تمثل مساحة عامة تفاعلية يتجمّع فيها الناس، ويتبادلون الأحاديث، ويستمتعون بجمال المكان. إنه مثال حقيقي على البنية التحتية التي تعيد تعريف الحياة الحضرية.
الخاتمة: رؤية تتحقق
مترو الرياض يجسّد رؤية السعودية 2030، إذ يمزج بين التقنية المتقدمة واحترام الهوية المحلية. ليس مجرد وسيلة نقل، بل سياسة حضرية جديدة تسهم في خلق مجتمع متصل وفعّال ومستدام.
فرصة لحياة أكثر سلاسة
بفضل مترو الرياض، أصبحت العاصمة أكثر سهولة في التنقل، وأكثر انسجاماً مع متطلبات المستقبل. إنها دعوة لحياة لا تُهدر في الزحام، بل تُستثمر في بناء مجتمع نابض بالحيوية والإنسانية.