بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، مايو الماضي، خلال زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى السعودية، وقطر، والإمارات، تساءل كثير من المحللين عن كيفية نهوض الاقتصاد السورية مرة أخرى بعد سنوات من الحرب، والدمار الذي رافق تلك السنوات.
أول عملية مباشرة عبر نظام “سويفت” العالمي
وفقاً لرويترز نقلاً عن عبد القادر حصرية محافظ مصرف سوريا المركز في 19 من يونيو الحالي، فإن بنكاً سورياً نفذ تحويلاً إلى بنك إيطالي في أول عملية مباشرة عبر نظام “سويفت” العالمي، منذ اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً.
ويري خبراء أن هذه الخطوة من شأنها أن تمهد الطريق أمام الانفتاح الاقتصادي للبنوك السورية، وللنظام المصرفي للاندماج في الاقتصاد العالمي.
سوريا تمتلك قطاعات اقتصادية واعدة
أستاذ الاقتصاد السياسي، ومستشار البنك الدولي السابق، الدكتور عمرو صالح، قال لمنصة “لنا” إن سوريا ينتظرها مستقبل أفضل في المرحلة القادمة بفضل الاستقرار السياسي، مضيفاً، “أيضاً بفضل وجود قطاعات واعدة، تمثل قطاعات قاطرة للنمو، تتمثل في إعادة الإعمار للبنية التحتية، والتي تتطلب نحو 400 مليار دولار، وهي فرصة كبيرة لتنشيط الاقتصاد في قطاعات البناء، الطرق، المطارات، والكهرباء، وسوف يحرك هذا القطاع الخاص، ويدفع الحكومة لدعم مشاريع المرافق العامة، وسوف يرفع الطاقة الاستثمارية للدولة والاقتصاد”.
الزراعة تمثل القطاع الراجح في الاقتصاد السوري
الدكتور صالح، أضاف لـ “لنا” أن قطاع الزراعة، هو أحد القطاعات الاقتصادية الواعدة في سوريا، مضيفاً أن القطاع يساهم، “بحوالي 43% من الناتج المحلي، ويوظف 30% من العمالة، ويساهم في إعادة تأهيل الأراضي المزروعة مع استثمارات يتوقع أن تتدفق في هذا المجال بحوالي 17 مليار دولار”.
القطاع المصرفي والسياحة عوامل استقرار ودعم للاستثمار
ووفقاً للدكتور صالح، فإن القطاع المصرفي والتمويل مع اندماج البنوك السورية في نظام التمويل العالمي وغيرها ستساعد في إعادة الإعمار ودعم الاستثمار.
صالح يرى، “أن سوريا قادرة على المنافسة في السوق العالمي، ولا سيما في السياحة والثقافة، فقبل الحرب كان هناك نحو 10 ملايين زائر في العام، يف حين تمثل السياحة 15% من الناتج المحلي.
المشاريع الصغيرة والشركات الناشئة تساهم بـ 66% من ناتج سوريا المحلي
أستاذ الاقتصاد السياسي، ومستشار البنك الدولي السابق، الدكتور عمرو صالح، قال لمنصة “لنا”، قال إن، “سوريا نشيطة جداً في المشاريع الصغيرة، ومجال الشركات الناشئة”، مبيناً أن السوريين لهم تجارب تجارية واسعة، مضيفاً أن “هذه تمثل نحو 95% من القطاع الخاص، وتساهم بنسبة 66% من الناتج المحلي لسوريا”.
وتوقع دكتور صالح أن يكون لقطاع ريادة العمال دور في مستقبل سوريا في الأعوام المقبلة، إذا استقرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ميزات الاقتصاد السوري قبل 2011
الخبير الاقتصادي علي حمودي، قال في تصريحات لـ “لنا”، “قبل عام 2011، كان الاقتصاد السوري متنوعاً نسبياً، ورغم أن أداءه لم يكن استثنائياً، إلا أن كان يشهد نمواً”، علي أضاف، “أن الاقتصاد السوري استفاد من صادرات القمح، والفوسفات، والوقود، وقاعدة صناعية صغيرة، وارتفاع أسعار العقارات، وعائدات السياحة”.
الإصلاحات الشاملة بمشاركة دولية تمهّد الطريق قُدماً
علي حمودي، في سؤال لـمنصة “لنا” عن التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري، قال “إن الاقتصاد السوري يواجه تحديات جسيمة، بعضها قديم، وبعضها نشأ نتيجة الأزمة التي بدأت عام 2011، والآخر بدأ بالظهور بعد تغيير النظام”.
حمودي أضاف بقوله، “لن تكفي الحلول الجزئية بعد 14 عاماً من الصراع والدمار، وحدها الإصلاحات الشاملة والبراغماتية المدعومة بمشاركة دولية كفيل بتمهيد الطريق للمضي قدماً”.
الخبير الاقتصادي، علي حمودي، قال إن الاقتصاد السوري لم يكن يوماً في حالة أسوأ منذ عام 2011 فإن جذور الأزمة أعمق وأكثر تعقيداً من مجر رفع العقوبات والحصار، مبيناً، “أن محاولة معالجتها دون إجراء تحليل شامل لجذورها لن تكون فعّالة، ولن تؤدي بالتأكيد إلى حلول عملية”.
حمودي أشار أن إلقاء اللوم في الأزمة الاقتصادية على العقوبات، والحرب، والفساد فقط – على الرغم من تأثيرها الذي لا يمكن إنكاره – يُبسط الوضع ويتجاهل تعقيدات أعمق، على حد تعبيره.
إعادة الإعمار حجر الزاوية
وفقاً للخبير الاقتصادي، علي حمودي، في حديثه لمنصة “لنا”، فإن “إعادة الإعمار ستكون من أكثر المهام إلحاحاً التي تواجه الحكومة السورية”، مضيفاً أنه، “مع تضرر المراكز الحضرية الرئيسية، مثل حلب، وحمص، وأجزاء من دمشق بشدة، ستتطلب جهود إعادة الإعمار استثمارات ضخمة”.
حمودي بيّن أن الأولوية في الإعمار، “يجب أن تُعطى للبنية التحتية – بدءاً من الطرق، وشبكات الكهرباء، وأنظمة إمدادات المياه، وصولاً إلى المدارس والمستشفيات، والمساكن”.
إلا أن حمودي أشار في حديثه لمنصة “لنا”، أن تكلفة إعادة الإعمار ستكون هائلة، وليس من الواضح ما إذا كانت سوريا ستتمكن من تمويل هذه الجهود دون دعم خارجي.
فرص كبيرة للتعافي
الخبير الاقتصادي، علي حمودي، أمّن لمنصة “لنا” على أن الاقتصاد السوري يواجه تحديات جسيمة، إلا أنه قال، “إن هناك فرصاً كبيرة للتعافي”، مبيناً، “أن الجمع بين الدعم الخارجي، وبيئة سياسية مستقرة، والاستثمار الاستراتيجي في القطاعات الرئيسية من شأنه أن يساعد البلاد على إعادة الإعمار”.
دور محوري متوقع للدول الخليجية في دعم سوريا
الدكتور باسم شقفة، الرئيس التنفيذي لـ “ويكو” للاستشارات الاقتصادية في دبي، قال لمنصة “لنا”، إن الدور الخليجي، هو دور محوري وأساسي في تعافي الاقتصاد السوري من جانبين، “الاستثمارات الخليجية الواعدة، وفي مقدمتها استثمارات موانئ دبي في تطوير ميناء طرطوس الساحلي بنحو 800 مليون دولار، بما يعادل 3 مليار درهم، بالإضافة لاستثمارات أخرى في مجال الكهرباء، وغيرها من القطاعات الأخرى”.
شقفة، أضاف أن الجانب الثاني، هو نقل التجارب الخليجية الناجحة، لأنها تساعد برأيه على تسريع وتطوير الاقتصاد السوري، ووضعه في مسار صحيح علمي ومدروس، مستشهداً بقوله، “وأهم تجربة يمكن نقلها هي التجربة الإماراتية في مجال الأداء الحكومي، والحوكمة، وتطوير البنية التحتية، والاقتصاد بشكل عام، وذبك بما قدمته وحققته هذه التجربة في تنمية المجتمع والحوكمة وغيرها من المجالات”.
المواطن السوري هو رأس الرمح في تنمية الاقتصاد
الدكتور باسم شقفة، أضاف في حديثه لمنصة “لنا”، أنه لابد للحكومة السورية من استغلال الدور الخليجي الذي ساهم في رفع العقوبات عنها، مبيناً أن هناك دوراً يتعلق بالمواطن السوري بوجه عام من أجل التكاتف ودعم هذا المسار، لأن أي تحقيق لمعدلات نمو جيدة واقتصاد قوي في النهاية يمس المواطن السوري سلباً أو إيجابا.
انعكاسات الوضع في سوريا على اقتصادات دول الجوار
في تقرير مطول لـ “مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية“، تحت عنوان، “آفاق الاقتصاد السوري في ظل الحكومة الجديدة المؤقتة”، نُشر في ديسمبر 2024 الماضي، – قبل رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا -، قال التقرير فيما يتعلق بمراقبة اقتصادات دول الجوار.
“يعود استقرار الأوضاع في سوريا ورجوعها إلى خريطة التجارة الدولية، بالإيجاب على الاقتصاد اللبناني، إذ من شأنه أن يسهم في تخفيف الضغوط الاقتصادية على لبنان، لأن رفع العقوبات الاقتصادية يعني أن لبنان سيكون قادراً على استيراد الكهرباء الأردنية، والغاز المصري بتكلفة منخفضة، ما يساعد على تأمين نحو 25% من احتياجاته، وتضاؤل عبء نحو 1.8 مليون لاجئ سوري”.
15.5 مليون دولار متأخرات على سوريا تمت تسويتها
في 16 مايو الماضي، نشر موقع “مجموعة البنك الدولي” بياناً صحفيا، يتعلق بسداد متأخرات على سوريا.
البيان جاء فيه، “اعتباراً من 13 أيار/مايو 2025، تمت تسوية المتأخرات المستحقة على الجمهورية السورية للمؤسسة الدولية للتنمية، والبالغة حوالي 15.5 مليون دولار، وقد تم سداد هذا المبلغ من قبل كل من المملكة العربية السعودية، ودولة قطر”.
البيان أضاف، أنه، “ونتيجة لذلك أصبحت سوريا مؤهلة مجدداً للحصول على تمويلات جديدة، وذلك رهناً بالامتثال للسياسات التشغيلية المعمول بها لدى البنك الدولي، واعتباراً من 12 أيار/مايو 2025، لم تعد هناك أية أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية للجمهورية العربية السورية”.
تسوية هذه المتأخرات يؤهل برأي محللين دمشق على منح بملايين الدولار لدعم إعادة الإعمار، وتعزيز الموازنة.
ما تأثير العقوبات الأمريكية التي كانت مفروضة على سوريا
في تقرير لوكالة أسوشيتد برس نُشر في مايو الماضي، جاء فيه، “أثرت العقوبات – إلى جانب إجراءات مماثلة من قبل دول أخرى – على كل جزء من الاقتصاد السوري، والحياة اليومية في البلاد، فقد أدت إلى نقص في السلع من الوقود إلى الأدوية، وجعلت من الصعب على الوكالات الإنسانية التي تستجيب تلقي التمويل والعمل بشكل كامل”.
التقرير أضاف، أن تأثير العقوبات أدى لازدهار السوق السوداء للبضائع المهربة، والمعاناة مع التكنولوجيا.
وأشار التقرير إلى أنه بعد اعلان ترامب حينذاك، ارتفعت العملة السورية بنسبة 60% في إشارة إلى مدى تحول رفع العقوبات.